صحيفة المثقف
التحيَّة
غادر شقته كعادته، مرح السريرة، بشوشَ الوجْه. متوجها نحْو مصعَد العمارة .بعْدما قضى مآربه وحاجياته؛ وتناول وجْبته الصباحية . ضغط على الزر؛ فانفتح بابه ، فتلفظ بصباح الخير لجاره . فلم يرد عليه التحيَّة.
كظم جفاء جاره، متوجها إلى عمله، فصادف أحَد الساكنة، فحَيَّاه بصباح الخير فلم يرد عليه التحيَّة، كما فعل جاره، فاستغرب في الأمر ! وظل يتساءل في دواخله عن السبب ، حتى وصل لبوابة الإدارة؟
نظر للحارسين نظرة تأمل؛ وبسرعة فكر هل يُحَيِّيهما أم يعْرض عَن تحيتهما؟ لكن لباقته وأخلاقه . فرضت عليه عكس ذلك، فتلفظ بصباح الورد والياسمين، لكنَّ أحدهما أدار وجهه، والآخر ردَّ عليه:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ابتسم، وصعِد المِصعَد نحو جَناح مكتبه، فصادف جاره الذي لم يحَيِّيه، جالسا على مقعد الانتظار؛ ماسكا تسبيحة الزهراء :ربما يلعب بها أو يُسبِّح لله أن تقضيَ حاجته الإدارية ....؟
اقترب إليه يسأل حاجته وسبب وجوده في بهو الإدارة؟ دون أن يحَيِّيه، فانفعل جاره وصرخ في وجهه كأنه ابنه :
- يا أخي، قل السلام عليكم أولا؛ فهي تدعو لسلامة الدين والعقيدة.
كعادته ابتسم في وجهه، وحَيَّاه بتحِيته المعتادة .
- يا أخي، إنك تخالف تًحيَّة الإسلام !
- صباح الخير أوصباح الفل... أليست تحيَّة؟
- كلا، إنها بدْعة من بدَع المشركين، وخاصة هي تحية مجوسية ! والكلمة تجذب الشياطين ! ولهذا السبب لم أرد عليك صباحك ونحْن في المصعَد !
- من قال :إن صباح الخير تجْذب الشياطين؟!
- عُلماؤنا الأجلاء .
- هؤلاء العلماء، ألا يتكلمون اللغة العَربية؟
- المهم صباح الخير ليست تحية المسلمين !
- لم يكن في عِلمي؟ ولكن هل في عِلمك أن صباح الخير يقصد بها إشراقة يوم جديد وهي إلاهية المعْنى؟
- اثق ربك يا رجل؛ ولا تكُن مثلهمْ .
- اثق ربك أنتَ، واسمع لي جيدا؛ فهل الصباح صباح علمائك أم صباح ربِّ العالمين؟ هَل أنت َ
صاحب الخير أم ربُّك؟
نظر إليه جاره في صمت، لكن بلباقة أخَذ من يده الورقة التي جاءتْ به لمصلحة الضرائب؛ وابتسم كعادته .
- انظر لاستدعائك، هاهي الإدارة تسلم عليك بصباح الخير باللغة الفرنسية !؟
نجيب طلال