صحيفة المثقف

(زت) وفجر يوم جديد

719 توفيقالادراك ترجمة الوعي.

تجمع الطلاب في فوضى عارم بعد ان قررت إدارة المدرسة المشاركة في العمل الشعبي الطوعي. تنفيذا لاوامر الحزب الحاكم وويل لمن يتغيب من أداء هذا العمل الطوعي الوطني..

تحول اتحاد الوطني لطلبة العراق الى اداة قمعي وأمني الاستخباراتي للنظام الجديد والذي جاء بانقلاب ابيض كما يحلوا للانقلابين تسميتهم. من المعتقد بانهم لو كانوا التزموا بوعودهم في بداية عهدهم بعراق تعددي ديمقراطي وحل المسالة الكردية لكان العراق اليوم أغنى دولة في الشرق الاوسط وكان المواطن العراقي الأغنى مالا وجاها وعلما وكانت كوردستان قبلة يأم اليها الجميع لكن (لو) كما يقول العراقي: لو زرعوه و ما خضر.

اعود الى ذكرياتي عن ذلك اليوم فبعد ان تركنا المدرسة متجهين الى مكان العمل دون اَي معلومات ما سوف نقوم به فإذا بنا نصل الى أطراف ملعب الشعب الدولي والساحة قد تحولت توا الى ورشة عمل كبيرة والفوضى يعم المكان والأتربة وصيحات من هنا وهناك قال علي المخزومي ممازحا

-المهم شباب الجماعة شافونه

رد عليه حسين هندي

- شنو رايكم هسه نگدر نشلع

وكانه دق جرس المدرسة جاء الصدى في اذاننا معلنا بانتهاء الفرصة ويأمرنا الدخول الى الصفوف الدراسية ومن جديد.

نظر احدنا الى الآخر بنظرات ملئها التساؤل

وقال عادل فيلي بتهور قاطعا الشك فينا

يا جماعة الخير

نلتقي في سمير أميس

وفي لحظات اختفت مجموعتنا من المكان بعد أثبتنا وطنيتنا وشاركنا في هذا العمل الطوعي الوطني بينما كان احد المسؤولين يدعي باختفاء أدوات العمل هائجا. سمير أميس كان احدى ارقى سينمات العراق وبتبريد مركزي وكراسي مريحة وكان يعرض على شاشتها احدث الأفلام.

التقت المجموعة في السينما بعد حوالي ساعة وتمكنا عن طريق احد العاملين الحصول على تذاكر لدخول السينما وما يسمى اليوم بمصطلح "ڤيپ" اَي لوج خاص بنا فقط كي نتمكن ان نعلق بحريتنا.الفلم عرض فقط يومين لان السفارة اليونانية اعترضت على عرض الفلم لأنه يسئ الى الطغمة العسكرية الفاشية الحاكمة آنذاك..

(زت)، الحرف الأخير في الف باء الحروف اللاتينية. عنوان لفلم فرنسي قدم قصة سياسية جريئة وقدم تحليلا لحكم الفاشي العسكري للاغتيال السياسي مع إشارة ضمنية الى الحكم العسكري في اليونان وعرض في بغداد عام 1970. المثير في الفلم ذلك التعاون الفعال بين الشرطة والطغمة العسكرية الفاشية الحاكمة. هذا التعاون لم يكن قط غريبا في بلادنا بل يعتبر طبيعيا حين يتحول الجهد الأمني والشرطة والجيش الى مجرد لدولة بيد الحاكم . يستخدم المؤسسة الحكومية بشكل فعال في ضرب المعارضة مهما كانت اتجاهاتها. لا بل حتى انها فوق القضاء وقوانين البلاد لعبة بيد الحاكم ومن السهل ايجاد محاكم ثورية وما يسمى ب محكمة الثورة الذي ينفذ أوامر الحاكم العسكري دون الرجوع الى قوانين البلاد الشرعية متحولا الى محكمة في الظل توازي المحاكم المدنية. طبعا كانت الأجهزة القمعية من مؤسسات الدولة الأمنية والحزبية ومنظماتها تقدم الدعم الكامل وتسوق المناضلين لهذه المحكمة الصورية لمحاكمتهم. وجل احكام هذا النوع من المحاكم الحزبية منها والعسكرية هي الإعدام وبالجملة. وهذا ما جرى عليه العراق منذ محاكم الثورة الذي كان يرأسها المهداوي والتي عرفت باسمه منذ ١٩٥٨.

كنا نعيش آنذاك في جبهة وطنية لكون الحزب الحاكم ضعيف وبحاجة الى مؤازرة الأحزاب الوطنية. في نفس الوقت كانت الاخبار الواردة من كوردستان تبشر بخير مع اتفاق آذار الذي توج نضال الكرد الطويل من اجل حقوقه المشروعة. لا ازال اتذكر فرحة الشعب العراقي وخروجها من بكرة ابيها في مسيرة حاشدة قطعت شارع الرشيد متجه من الميدان الى الباب الشرقي حيث منصة الخطابات والتي وقف عليها الوزراء العراقيين وضيوفهم كاك مسعود والشهيد إدريس والدكتور محمود عثمان والشهيد سامي عبد الرحمن على ما أتذكر.. 

720 توفيق

من الطبيعي للأنظمة القومية السلبية والفاشية ان لا يغيروا سلوكهم العدواني فهم ينتمون الى ثقافة العصابات التي ترى من استخدام الشدة والعنف والاغتيالات والقتل سلوكا يوميا. حتى شعارهم من الوحوش او الجوارح يفتخرون بها. وهذا ما حصل بعد سنوات حين استقر بهم الحكم فأحيوا ثقافتهم القديمة من ايام الحرس القومي ١٩٦٣ فيما يسمى ب (المخربون) وهو عنوان كتاب صدر عام 1964 عن جرائم الحرس القومي البعثي حيث القتل والمؤامرات حيث اعدموا خيرة شباب العراق من الحزب الشيوعي والكرد والأحزاب الإسلامية . اول محاولة قدموا عليها لاغتيال القائد الخالد الملا مصطفى البارزاني وفي عقر داره في كوردستان ثم توالت المصائب والمؤامرات؛

ابو طبر، ناظم گزار الذي بدا به الثورة تاكل أبنائها واستمرت الى 2003 . وكانت اتفاق الجزائر مشينا الذي اعتبر لاحقا سببا للحرب مع الجارة ايران وكانت من نتائج الحرب احتلال دولة الكويت ومن ثم تحريرها ليترك العراق يعاني من حصار طويل انتهت بسقوط العرق. حربان او بالأحرى ثلاث اذ ان الحرب في كوردستان اطولهم أدى الى ملايين القتلى والمعاقين وترك الديار مهدما واقتصاد البلد على خافة الإفلاس. وكانت كوردستان دوما الضحية للفكر القومي السلبي في عمليتين اجراميتين بحق المدنيين في قصف حلبجة والجبال بالغاز الكيمياوي وعملية الانفال سيئة الصيت.

ثم جاءتنا جيوش الاحتلال وووو ولا يزال الجرح ينزف..

اعود لأذكركم بالفلم (زت) الذي موله الجزائر وربما كان ذلك سببا للإجازة بعرض الفلم في بغداد وسنة الانتاج عام ١٩٦٩

صور الفلم في مدينة الجزيرة الجزائرية.

كان الفلم من اخراج كوستا يوناني يعيش في المنفى وأجاد الممثل الفرنسي "إيف مونتان" دوره.

لكن ما اشبه حوادث الفلم مع مجريات الأمور في العراق وللتذكير والتأكيد على وجود العديد من العصابات الحاكمة في العديد من دول المنطقة ولحد يومنا هذا..

 

كتابة: توفيق التونجي

...................

صفحات من سيرة ذاتية (الالتون نامة)"

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم