صحيفة المثقف

من أجل عدالة برمزية جمعية لا فردية.. هل المجتمع منتج للعدالة؟

رائد عبيسدائماً ما يدور البحث عن تطبيق العدالة وحلم تطبيقها في المجتمع، من قبل رجال الفكر والفلاسفة والقانون و العدالة والناس المظلومين، الذين يتمتعون بطموح سيادة العدالة في المجتمع، من خلال مجتمع يؤمن بها، ويعي ضرورة تطبيقها بشكل عام لا خاص . فالمجتمع قد يثور على دولة لا تتحقق العدالة بين مواطنيها وافراد شعبها، أو قد يثور فرد على أسرته عندما لا يعدل معه في توزيع الميراث ،أو حتى في المعاملة، أو تثور المرأة على زوجها ، لعدم عدالته بينها وبين ضرتها، وأمثلة ذلك تطول، مادام لكل فرد في المجتمع له حق، عليه أن يطالب بالعدالة .

وبما أن الظلم الذي يقع على المجتمع، متأتي في الغالب من سلطة الحكم وقانونه ،أو من رجال ظالمين مرتبطين بالسلطة، بحيث يستشعر الجميع أن العدالة غائبة تماماً، عندها يتساءل الجميع عن العدالة ويفكر لها وبها، ويبحث عن مصادرها، والتي عادة ما يتذكر شخص عادل من التأريخ يُذكر أسمه كرمز للعدالة وأحقاق الحق، فاستياء المجتمع، وتذمره ،واعتراضه، وثورته، وتظاهره، واحتجاجه، وتمرده ،وأضرابه، و استنكاره، وكل فعل ممكن أن يمارس ضد غياب العدالة ويكون الناس فيه على حق . فهم بذلك يسألون عن العدالة ويسعون لتطبيقها، ولكن هل يؤمنون بتحقيقها بعيداً عن الأنانيات، والعلاقات، والمحسوبيات، والاتفاقيات الظالمة والمؤامرات ؟ هل لدى المجتمع القدرة على تحقيق العدالة وتقبلها؟ هل لدى المجتمع القدرة على أنتاج العدالة؟ هل لدى المجتمع القدرة على استرجاع العدالة الغائبة؟ المجتمع القادر على انتاج العدالة، هو مجتمع حي، وواعي، ومدني.

هل مجتمعنا العراقي قادر على إنتاج العدالة من خلال قانونه ، وسياسته، ومؤسساته وطباع أهله ؟

إن إشكالية تحقيق العدالة، إشكالية عامة، موجودة في كل المجتمعات، حتى في المجتمعات الكثر أنصافاً لذاتها، ولكن هناك نسب مقبولة، تُقلل من معدلات المظلومية في المجتمع ،تكون كفيلة بتحقيق الاستقرار والرفاه الاجتماعي .

هناك مفارقة في هذا الأمر- ربما المجتمع متغافل عنها نتيجة تماديه في الظلم - وهي سعيه لكسب العدالة، والمطالبة بها بدون الاستعداد لتكوينها، فالعدالة التي نطالب بها، ربما هي عدالة قانونية، وليس عدالة أخلاقية، بكونها مفهوم أخلاقي ومعياري صرف – ونُطالب أيضاً بالعدالة الاجتماعية دون الاستعداد الذاتي لها! ونطالب بالعدالة التصالحية مع وجود الضغائن! فالعدالة لا تستوجب اقتران الضغينة بتحقيقها، ونطالب بالعدالة السياسية! دون وجود أخلاق الاعتراف، وعدالة الاعتراف! ونطالب بالعدالة بين ذواتنا والآخر، ونحن لا نملك رغبة التصالح الذاتي! ونطالب بتحقيق العدالة الانتقالية ، ونحن نشارك الظالم وحكمه! الذي أنتقل منه الظلم إلى عدالة ظالمة جديدة ! فتطبيق العدالة لا يعني بالمعنى الكبير الثورة على مضاداتها من أجل تحقيقها. بل تحتاج إلى استعداد ذاتي وأخلاقي للإيمان بشي اسمه العدالة، حتى نستطيع الحديث عنها وآليات تطبيقها، مع وجود مثل هذا الاستعداد- وأن كان بطريقة فردية - سيسمح إلى اشاعة هذا المبدأ وتحويله إلى مبدأ اجتماعي، يكون أقرب إلى قبول العدالة، كمبدأ مشاركة مع الجميع لا مبدأ أقصاء أو إلغاء . فالترحيب بفكرة العدالة من قبل فئة اجتماعية ما، سيساعد على إشاعة نمط من العدالة وبأي عنوان كان. فأسمى ما يكون هو أن تَنتُج العدالة من قبل المجتمع، المتربي عليها، والمتسامح في تطبيقها، ورافضاً بذلك حجم الظلم الواقع عليه. "فحلم المجتمع بحاكم عادل وهو ينتج حاكم ظالم" تعد من أكبر المفارقات التي لا تساعد أو تسمح لتحقيق العدالة بين الطرفين الحاكم والمحكوم. فالحاكم يستبد ويظلم عندما يرى المجتمع متظالم فيما بينه، منقسم على نفسه في فهمه للعدالة بحسب منفعته ومصلحته .

وعندما تكون العدالة غير متبناة أخلاقياً، سوف لن تكون قانوناً، فتحقيق العدالة عبر القانون الصارم، يعني أن العدالة غير موجود في ضمائرنا ! وطبيعة المجتمع بشكل عام، وغير مرحب بها؛ لأن هذا القانون سوف يكون قانوناً مزعجاً وتعسفياً بحسب رأي كثير من الناس.

فكيف نجعل من العدالة طابعاً اجتماعياً عاماً؟ وما الآليات المناسبة لتحسين قدرة أنتاج المجتمع للعدالة؟ هل التربية الدينية هي المناسبة لذلك؟ هل التربية الأخلاقية هي المناسبة؟ هل التربية القيمية بشكل عام هي من تساعد على أنتاج العدالة في المجتمع؟ هل التعليم له دور في ذلك؟ ما الذي يجعل المجتمع أقرب إلى تحقيق العدالة وقبولها؟ هل ممكن أن يختزل تطبيق العدالة برجل؟ هل ممكن أن يكون المجتمع رمزاً للعدالة ولا تقتصر رمزيته على فرد أو شخص ما؟ هل ممكن أن تكون رمزية العدالة مجتمعية لا فردية؟ وإذا كان ذلك ممكناً فسوف يُؤمن لنا في مستقبل المجتمع والحكم وجود أفراد عادلين في توليهم للمسؤولية، سوف يكونوا عادلين؛ لأنهم نَتاج لمجتمع عادل. وبعد هذه التساؤلات ، وحتى نكن أقرب إلى الواقع، يجب أن نسأل المجتمع ونحقق معه، هل المجتمع العراقي فعلاً قادر على أنتاج العدالة ؟ وهو يضج بالظلم وأنواعه، سواء كان ظلماً فردياً أي ظلم الفرد لذاته ،أو ظلماً أُسرياً، أو ظلماً اجتماعياً، أو سياسياً، أو قانونياً، وكل أنواع الظلم الذي يمكن يوجد في كل شيء. فالعدالة أيضاً ممكن أن توجد في كل شيء ، بما أن مجتمعنا لا يتمكن من الإجابة على هذه السؤال ؛ لأنه لو التفت لنفسه لوجد أن الظلم قد طغى في جميع مفاصله الحياتية، بل وحتى السيكولوجية، فهناك كثير من البشر لا نجد للعدالة وجود في دواخلهم! ومع ذلك يُطالبون الناس بالعدالة، وضرورة تطبيقها عندما تُمس مصالحهم ! كيف نفسر ذلك التناقض المجتمعي؟ وكيف ننقد المجتمع بها حتى يسترجع قيمتها في ذاته، ليعيش المجتمع حالة من الانصاف الذاتي المكون للعدالة بطابعها العام؟

 

دكتور رائد عبيس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم