صحيفة المثقف

خطورة دمج القنصلية الأمريكية اليوم في القدس الغربية على الفلسطينيين

بكر السباتينصرحت الخارجية الأمريكية بأنه من المزمع دمج القنصلية الأمريكية في إدارة دبلوماسية واحدة، ونقل القنصلية التي كانت تعتبر سفارة أمريكية غير رسمية معنية بشئون الفلسطينيين، من القدس الشرقية إلى مبنى السفارة الأمريكية التي نقلت في العام الماضي إلى القدس الغربية؛ ما يعني بأن كل الملفات الفلسطينية التي كانت محجوبة عن السفارة المركزية ستنتهي إليها بعد قرار الدمج.

وأوضحت الوزارة بأن قرار الدمج لا يشير إلى أي تغيير في الموقف الأمريكي بشأن القدس. وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد قرر في أكتوبر الماضي إنشاء وحدة دبلوماسية واحدة في القدس، وأعطى إعلان الوزارة اليوم الاثنين 4 مارس 2019 الموعد الرسمي لتنفيذ القرار. وهو قرار قد يبدو ظاهرياً بأنه برقراطي جاء لتوحيد الإدارة الدبلوماسية الأمريكية في القدس، لكنه في الجوهر يعتبر من أخطر القرارات التي يعوّل عليها في تنفيذ مشروع صفقة القرن من خلال تهميش الدور الفلسطيني وضرب استقلاليته في الصميم، وهي الصفقة التي ينتظر استئناف تنفيذها بعد ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

وتجدر الإشارة إلى أن السفير الأمريكي ديفيد فيردمان يعتبر من أشد المؤيدين لبناء المستوطنات في الضفة الغربية ومتحمس جداً لضرب الهوية الفلسطينية بكل ما أوتي من صلاحيات.

من جهته اعتبر الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ذلك الإجراء، المسمار الأخير في نعش الدور الأمريكي الراعي لأية مفاوضات قائمة بين الفلسطينيين و"إسرائيل".. وكأن أوسلو لم تدفن منذ البداية ولم يأت الدود على بقيتها؛ لكنه دأب السياسيين في محاولتهم اليائسة بإيقاظ الأموات من سبات الأبدية.. وعليه فقد بيّن عريقات خطورة قرار الدمج منوهاً إلى أنه جاء لتهميش الفلسطينيين باعتبارهم أقلية في بلادهم بحيث لا يجوز التعامل معهم أمريكياً بشكل مستقل، وبدلاً من إجراء اللقاءات مع الفلسطينيين في مبنى القنصلية فإنه بعد تنفيذ القرار سيتم ذلك في مبنى السفارة المركزية في القدس الغربية من باب أنهم أقلية عربية في "إسرائيل"، فتقوم برعاية شئونهم وتتواصل معهم من خلال دولة الاحتلال التي "تحتضنهم". وهذا يعزز يهودية الدولة على وتطمس الهوية الفلسطينية.. ليتم التعامل مع الفلسطينيين كأقلية عرقية أو طائفية وبالتالي حفظ كل الملفات المتعلقة بالشئون الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة في خزانة السفارة الأمريكية والتعامل معها كملفات إسرائيلية محضة.

إن سوء النية الأمريكية مبيت مسبقاُ، ويمكن إدراجه في إطار السعي الأمريكي وفق رؤية ترامب نحو تثبيت الهوية اليهودية لدولة الاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية.. وفي سياق ذلك نذكر بأن أمريكا هي التي أوقفت دعمها المالي للسلطة الفلسطينية، كما سعت جاهدة نحو إلغاء دور الأونروا الداعم للاجئين الفلسطينيين.. وإدارة ترامب بالتحديد تعلنها صراحة بإنها عازمة على تنفيذ أجندة صفقة القرن التي تستوجب تصفية جميع ملفات القضية الفلسطينية بما في ذلك القدس واللاجئين والمستوطنات وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وكنت انتظر من صائب عريقات بأن يعلن ما فحواه بأن الحقوق الفلسطينية لا ترتبط بقنصلية هنا أو سفارة هناك.. ولا تستمد قوتها من الراعي أو الخصم، ولا تخيفها صفقة القرن أو متصهين هنا ومطبع هناك، بل تعتمد على مدى تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة المعترف بها من قبل المؤسسات الدولية، وثوابته وخياراته بما في ذلك العودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني الجامع، واعتماد خيارات مرادفة للنضال السياسي كالكفاح المسلح ودعم مسيرات العودة كشكل مبتكر من أشكال المقاومة الشعبية.

 

بقلم بكر السباتين

4 مارس 2019

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم