صحيفة المثقف

الرد بالجسد على الحضور الكولونيالي

رحيم زاير الغانمإضاءة ثقافية لكتاب أ. د. محمد كريم الساعدي (الرد بالجسد وخطابات أخرى)،  متخذين من فصله الأول (الرد بالجسد على الحضور الكولونيالي) منطلقا لهذه الإضاءة، إذ نرى الساعدي يعمد إلى الكشف عن طبيعة الخطابين الكونيالي وما بعده، منطلقا من طبيعة التمثيل التي اعتمدها الغرب في السيطرة والاستحواذ على مقدرات بلدان العالم الثالث، بعدما رسَّخ ثقافة كولونيالية انتهجها العقل الغربي المصاب بداء المركز/ المسيطر، وما دونه هامش، فالقارة الأوربية ذات اللون الأبيض/ شعب الله المختار، ومن يأتي من بعدها مثل القارة الأسيوية فهي بربرية، أما القارة الأفريقية عدها بدائية، وهاتان القارتان، بحسب رأي الغرب، ليس بمقدورهما قيادة نفسيهما لذا توجب حضور المركز/ الغرب، في تهميش للهوية الاصلانية/ هوية الشعوب الخاضعة لنير سياسة التقويض.

لذا نجد الغرب عمد إلى طمس الهوية الثقافية للهوامش من خلال امتهانه للجسد عبر ثقافة عنيفة  رسمت ملامحها بقوانين صارمة، لم تفضِ إلا عن معاملة وحشية، في تجسيد لطبيعة السلوك الغربي بالمقارنة بالشعوب المهمشة، سلوكٌ سمتهُ القسوة في تثبيت أركان الممارسة الثقافية الكولونيالية، من اجل تحقيق أهدافٍ توسعية، من غير مبالاة للآثار السلبية التي يمكن ان تترتب على هذا الجسد، اعتقادا منها، كلما أوغلت في تغييب الهوية الثقافية للهامش كلما تكرس حضورها الكولونيالي، لذا حرصت على تسويق ثنائيات من شأنها تقويض الثقافة الاصلانية، كالأبيض الأوربي والأسود الأفريقي- (أو الأصفر الأسيوي، ان كانت العينة المحتلة أسيوية)- وكذا ثنائية الخير ويقابله الشر، العقل وتقابله البلادة، العمل ويقابله الكسل، والى ما لا نهاية من ثنائيات اعتمدها الخطاب الكولونيالي لترسيخ مركزيته.

قد لا نجد غرابة في الحضور الغربي/ المركز، قبالة تغييب الاصلانية/ الأفريقية أو الأسيوية/ الهامش، ما دام خطابه بجذر إغريقي، ضارب بعمق التاريخ، ولم تكن بدايته بالحروب الصليبية/ الإسلامية ولا في فترات الكولونيالية وما بعدها، إذن هو صراع من اجل التوسع والهيمنة والاستحواذ، مُسيرا بغريزة ثقافة المركز/ الغربي/ المهيمن، من اجل التمدد عبر جسور السيطرة الكولونيالية بذريعة قصور عقل شعوب العالم الثالث، غير مراعية لطبيعة العادات والتقاليد والهوية الثقافية الاصلانية التي يتحلى بها شعب هذا العالم، -الذي لو بقي على ما هو عليه لعانى آفة الانقراض- ولذا عمدت إلى طمس شعائره وطقوسه الشعبية التي تمثل ثقافته المحلية، وإبدالها بالثقافة الكولونيالية، في فصل بيِّن بين الدال/ الشكل، والمدلول/ المضمون، من اجل تفكيك هذه الثقافة الاصلانية والعمل على بعثها من جديد، لكن بنكهة غربية، فهي لا تحجب عن الشعوب ممارسة الطقوس والشعائر، بقدر إطلاقها لهذه الشعائر ولكن بذائقة المركز، حتى تُبقي على الهامش تابعا ذليلا لها، وتكمن الفائدة هنا، ان تستمر هذه الأجساد الملونة تشكو الضياع، لطالما استمر تقويض الهامش، بثقافة كولونيالية جديدة، لا تمت بصلة لهوية هذا الجسد الاصلاني.

ان الشعوب المغيبة/ الهوامش، لا يمكن لها الخلاص من التغييب، ما لم تستشعر هذا البون الشاسع بين الهوية الاصلانية والثقافة الكولونيالية، إذن لابد من حضور المغيب المفترض الوجود بحضوره المادي، وإحلاله محل المركز/ الغرب/ الكولونيالي، الذي لا يمكن للهامش عده مركزا، بل مركزا وهميا، وما حضور المغيب إلا حضور للمركز الحقيقي، وبذا يحضر كمركز أصلاني،  المعبر الواقعي عن الهوية الثقافية الاصلانية، على الرغم ممّا عمل المركز/ الغربي، المسيطر على طمسها، بجذره التاريخي والحاضر الكولونيالي وما بعده، ملقيا به خارج الدائرة الثقافية الاصلانية.

قد لا نجد الشروع بتقويض هكذا مشاريع بالأمر الهين، ان لم تعِ الشعوب/ الهوامش، ان لا وجود/ لا حضور لها، الا بتقوض المركز/ المسيطر، الذي حول جسدها ساحة لأهوائه ورغباته، لتطلعه الدائم إلى التمدد على حسابها، لذا يجب على هذه الشعوب ان لا تمنح الفكر الغربي، فرصة التنظير لغلبة العقل، قبالة بلادة شعوب العالم الثالث، التي تلتجِئ إلى السلوك الهمجي في فرض إرادة ما، أو  إلى تغييب العقل في هروب من المواجهة تستدعي كد ذهني ومعرفي معين، فلا تقدم عليه، وبذا لا تَنفذُ إلى بر الأمان، عندها لا تتحسر على جسدها الذي سيستباح مجددا، فالغرب بالجوار.

 

رحيم زاير الغانم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم