صحيفة المثقف

بين ميناء حيفا ومعبر جابر الحدودي سؤال يفجره الدغمي

بكر السباتينهل وصل الاستخفاف بكرامتنا إلى حد أن تتحول السفارتان: الأمريكية والإسرائيلية في عمان إلى مركز لتسويق ميناء حيفا بين المقاولين والتجار الأردنيين بغية ضرب أي بديل مفاجئ قد يحوّل الاهتمام عنه.. كأن الكيان الإسرائيلي لا يحتل فلسطين ولا ينكل بشعبها ولا ينهب ثرواتها ولا يعربد في المنطقة كالشيطان الذي لا يردعه أحد..

ومن الطبيعي أن يتركز اهتمام السفارتان على الاستعدادات الأردنية للتعامل مع سوريا تجارياً من خلال معبر جابر الحدودي والذي من شأنه أن ينعش الموانئ السورية واللبنانية، وبالتالي سيضعف حاجة الأردن للتعامل مع ميناء حيفا.. ولنكن أكثر صراحة حين نقول بأن هذا التعاون سيمسح عن هامة الاقتصاد الأردني وصمة عار التطبيع الذي أقر البرلمانيون العرب بتحريمه في بيانهم الختامي مؤخراً وكان للأردن دوره المشرف في ذلك.

وفي ذات السياق، وبكل استخفاف بكرامة الأردنيين، يتزامن جهد السفارة الامريكية مع الارشادات التي تقدمها الملحقية التجارية بالسفارة الأمريكية في عمان لنخبة من التجار والمقاولين المطبعين مع الكيان الإسرائيلي، ورموز قطاع التخليص الجمركي تحت عنوان استبدال نقل وتوريد المنتجات والبضائع من الحدود الاردنية السورية لصالح ميناء حيفا الإسرائيلي!

لذلك يعرض ميناء حيفا الإسرائيلي عبر السفارتين الامريكية والإسرائيلية في عمان مغريات متعددة وتسهيلات لإقناع القطاع التجاري بالاستيراد والتصدير عبر ميناء حيفا بدلا من الأراضي السورية، دون أي اعتبار لكرامة المواطن الذي تدفع به السياسات نحو التطبيع القسري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ذات المواطن يستطيع أن يقول لا ويذهب باتجاه الخيار السوري بأنفة وكبرياء.

ولكنني لا أفهم هذا الرضوخ المهين للرغبات الصهيوأمريكية من قبل بعض المنشآت الصناعية الضخمة التي تجاوبت مع هذه الضغوطات، ليطرح السؤال نفسه حول السر في ذلك! والذي يقف وراء رغبة البعض في الأردن بالتحول عن سوريا لصالح ميناء حيفا في الدولة الأردنية العميقة! (رأي اليوم) ففي وزارة الخارجية الاردنية كما يبدو يوجد طاقم يتجاوب بمرونة مع الضغوطات الاسرائيلية والامريكية والتي تحاول بدورها منع التواصل التجاري مع سورية عبر الاردن.

ومن الطبيعي أن تأتي الضغوطات الصهيوأمريكية أكلها على القطاع الصناعي في ظل وجود مثل هذا الطاقم التطبيعي حيث نجحت في إجبار مصفاة البترول الاردنية على اتخاذ قرار مفاجئ مؤخرا بوقف تسهيل عمليات نقل المشتقات النفطية الى سورية عبر الحدود مع الاردن بأسعار السوق والتي تم الإيعاز بها من قبل الملك عبد الله الثاني وبطلب من الرئيس السوري.. لكن المصفاة تلكأت في تنفيذ الطلب بذريعة الأسباب البيروقراطية والفنية، ثم العمل خلاف ذلك باتجاه خدمة ميناء حيفا الاسرائيلي ومنع التعاون التجاري الواعد والحدودي بين الأردن وسوريا.

ومن هنا يمكن تفهم السبب الذي جعل رئيس مجلس النواب الأسبق عبد الكريم الدغمي يقرع الجرس حيث وصف في مداخلة علنية له تحت قبة البرلمان تصرف الملحق التجاري خلال اجتماع جمعه بالتجار بـ “البلطجة، والزعرنة، والتصرف الارعن”.

منوهاً إلى أن الملحق التجاري في السفارة الامريكية هدد تجار الأردن ونبههم من التعامل مع التجار السوريين.

واستنكر مثل هذا التصرف قائلا: “استنكر البلطجة التي يمارسها الملحق التجاري للسفارة الامريكية في عمّان، وتنبيهه على التجار بلغة غير مقبولة”.

وأكد الدغمي على طيب العلاقات الأردنية السورية. وكان على الدغمي أن يعتبر ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الأردنية وهذا مخالف للأعراف الدبلوماسية.

وفي سياق ذلك ينبغي العلم بأن سوريا التي يتسابق إليها اليوم حتى أعداء الأمس (محور صفقة القرن) الذين سعوا ذات يوم إلى تدميرها، عادوا يبحثون عن مصالحهم لديها، متذرعين بأسباب عدة أهمها النظر إلى المستقبل وتجاوز الماضي ومن ثم المحاصصة في الأعمار لما في ذلك من عوائد استثمارية هائلة ستعود على بلدانهم بالخير.. ناهيك عن الأسباب الاستراتيجية غير المعلنة، فكيف يحجب الأردن عن نفسه هذا الخير القادم لمجرد رغبة المطبعين في دعم ميناء حيفا الإسرائيلي والضغوطات الصهيوأمريكية في ذات الاتجاه، ناهيك عن كون هذا التوجه يندرج في خانة التطبيع المهين علماً بأن الواجب يفرض على الأردن الوقوف الفعلي إلى جانب سوريا بعد خروجها من الأزمة.. أم هل ضاقت بالأردن السبل إلى هذا الحد وفقد العقلاء بوصلتهم في زمن الرياء وقلب الحقائق!!

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم