صحيفة المثقف

قصيدة (فنجان قهوة بيننا) .. قصيدة لقاء وحب سرمدي!!

وجدان عبدالعزيزيبقى الانسان يبحث عن ذاته في كل ساحات حياته، فتقدير الذات واحترامها يعبّران عن شعور الفرد بقيمته وقدراته، التي تُعدّ أساسيّةً لهويته،ولكن هذه الذات لايمكن ان تكون الا بوجود الاخر، فنأخذ ديكارت، الذي شك في كل شيء و"مسح الطاولة" حسب تعبيره (طاولة فكره)، مسحا ولم يبق لديه أي شيء آخر غير كونه يفكر: ومن هنا جاءت قولته الشهيرة: "أنا أفكر إذن أنا موجود". وهذا يقتضي أن وجود "الأنا" سابق ومستقل عن وجود العالم وعن أي وجود آخر، فكان كل وجود غير وجود  "الأنا"، هو "آخر" بالنسبة لها، وبالتالي فعلاقة التغاير هي علاقة بين الأنا والآخر ابتداء: سواء كان هذا الآخر، هو الأشياء المادية المحسوسة، التي يتوقف وجودها على يقينه بوجودها، أو كان الشيطان، الذي افترض أنه قد يكون، هو الذي ضلله فصار يشك في كل شيء، أو كان، هو الله الذي اطمأن هذا الفيلسوف  إليه أخيرا، باعتبار أنه لا يمكن أن يضلله -لكون فكرة الله في ذهنه تشير إلى كائن منزه من الخداع والتضليل-  ومن ثم جعله ضامنا ليقينه ذاك الخ. هذا الصراع نقلته لنا الشاعرة ليلى غبرا من خلال قصيدتها (فنجان قهوة بيننا)، بحيث وجدنا مفهوم الاخر عندها لاينشأ بمعزل عن ذاتها، سواء كان فرد، او جماعة، والمعبر بالفرد انت، والمعبر عن الجماعة بالنحن، وجعلت الفنجان هو المعادل الموضوعي لهذه العلاقة من خلال قولها:

(فنجان قهوتنا ...

إبحار على نبضاتٍ شقية

قصيدة تتنفس دون رئة

أغنية تغّنى بلا حنجرة

ومن وهج فنجاني

سيقرأ عمر أحلامي)

فكانت جلسة السمر وفنجان القهوة، هي التي خلقت قصيدة خالدة تتنفس ابدا، اي انها بدون رئة، ومن الفنجان تنعرف سنين عمر حلمها السرمدي، كونها تعيش اجواء الحب والرومانسية، فكانت لحظات اللقاء، هي سنين بحالها، حتى تحولت الى قصيدة خالدة، نثرت حروفها على شروقات الشمس، ذات الضياء السرمدي..

***

2ـ قصيدة (عهد)،

والحب الروحي..!

وجدان عبدالعزيز

الشعر فضاءات مفتوحة، ورغم انفتاحه وانفلاته، الا انه من الصعب ان يكون الاناء الوحيد لاستعياب مشاعر الانسان، واحتياجاته الحياتية المتعددة، وقصيدة (عهد) للشاعرة ليلى غبرا، حاولت ان تستوعب مشاعر ليلى غبرا وهواجسها، ولكنها بقيت في اجواء الامل، فالأمل هو مجموعة تتكون من قوّة الدافع وقوّة الإرادة، التي يمتلكهما الإنسان من أجل أن يبلُغ أهدافه، فأهداف الإنسان هي الخبرة أو النتائج التي يرغب في تحقيقها، فيتكون الأمل من ثلاثة مكوّنات هي: قوة الإرادة، والطاقة الذهنية، فهي الدافع المُحرِك للأهداف التي يطمح الإنسان من أجل الوصول إليها، وخلق المسارات، وهي قدرة الإنسان على إيجاد تلك المسارات من أجل أن تعكس الخطط الذهنية، وكأني بقصيدة الشاعرة ليلى غبرا، تقول: كل الأشياء التي من حولنا ليست سيئة وليست جيدة، وليست إيجابية ولا سلبية، لكن نحن الذين نصبغها بهذه الصبغة، ونشكل لون حياتنا وطعمها بحلوها ومرها، فلا تلقي اللوم على الحياة فيما تشكو منهُ. وإذا كان الأمس قد ضاع من بين يديك، فلكَ اليوم، وإذا كان اليوم سيجمع أوراقهُ ونسماتهِ ويرحل، فلديك الغد! فلا تحزن على أمس ذهب لأنهُ لن يعود، ولا تتأسف على اليوم لأنهُ راحل، ولكن أحلم وأسعد بنور مُشرق في غدٍ بهي وجميل. وكن مُتفائلا، ولا تستسلم مهما كانت مُحاولاتك فاشلة للوصول إلى هدفك وآمالك، الذي تجلب لك الآلام قبل الفرح كجزء من مُتطلبات الحياة، لذا تقول الشاعرة:( عهدٌ علي  عهد/أن أكون له البوح والسند/يوم اللقاء المنتظر).. اذن تبقى الشاعرة في امل اللقاء المنتظر، لماذا؟ لان (حب الفؤاد إليك دائما/ حبُ الأبد)، وتعني بهذا الحب، الحب الساكن في الاعماق يغذيه الصدق الروحي، ليس بالضرورة الحب الحسي المقترن بالحب الروحي، انما تكتفي الشاعرة بالحب الروحي هنا ..

***

3ـ قصيدة (ثورة عش)، وعملية الايض الرومانسي..!

وجدان عبدالعزيز

الحياةُ في اللغةً نقيض الموت، حيث تعتبر حالة تميّز جميع الكائنات الحيّة على اختلافها – حتى الكائنات الدقيقة – عن غير الأحياء من كائناتٍ ميتة، ويتميّز الكائن الحي بمقدرته على العيش والنمو عن طريق التكاثر والاستقلاب لضمان استمراريّة نوعه الحيوي، ومن هذا المنطلق تتحوّل الفيروسات إلى نوعٍ من المظاهر الحيويّة عند استضافة كائن حي لها، بحيث يسمح لها بالتكاثر على الرغم من كونها لاخلويّة ولاتقوم بأي نوع من الاستقلاب، بمعنى ان الحياة معناها مرتبط بالاخر، أي وجود زوجية حياتية، هذا التمهيد يكشف لنا خبايا قصيدة (ثورة عشق) للشاعرة السورية ليلى غبرا، كون العشق يطلق عليه اسم إيروس نسبةً إلى الإله اليوناني الذي يرمز للخصوبة، وهو أول ما يخطر على الذهن عند التفكير في الحب والرومانسية، ويساعد هذا النوع من الحب على إشعال شرارة بداية الحب والعلاقة، ونلاحظ ان الشاعرة عبرت عن حالات العشق من خلال اللغة، فاللغة هي نسق من الرموز والإشارات التي يستخدمها الإنسان بهدف التواصل مع البشر، والتعبير عن مشاعره، واكتساب المعرفة، وتعدّ اللغة إحدى وسائل التفاهم بين الناس داخل المجتمع، ولكل مجتمع لغة خاصّة به، ولماذا اختارت الشاعرة ليلى اللغة الشعرية للتعبير عن دواخلها؟، كونها أكثر من وعاء لحمل المعاني،وأكثر من وسيلة للتعبير عن الأفكار، فهي المعنى نفسه، بحيث تتحول إلى مقصد أساسي في الخطاب الشعري، وإلى هدف مركزي في العملية الإبداعية، تقول الشاعرة ليلى غبرا:

(سكبت عطر الشوق في

حروفي

كأن نصفي يروي بالهوى

نصفي

أضيء كشمعة ذابت حنيناً)

اذن هي تذوب وتسكب الشوق بالحروف، كي تُروى هي، ويُروى هو الذي يمثل نصفها، وحينما تحدث عملية الارواء، تُضيءُ هي كشمعة ذابت حنيناً، وهنا تشكلت لدينا معادلة هي + هو = حياة، وبهذا شكلت الشاعرة من خلال اللغة الشعرية الحياة بشرط وجود الاخر، الحامل لجينات العشق والتمسك بعملية النمو، وهنا تبين لنا الشاعرة تمتلك الثقافة والمرجعيات الفكرية وكل العوامل الذاتية والموضوعية، التي تساهم في تجاربها الشعرية، طبعا مع التأثر بالعوامل الاجتماعية والقيم الاخلاقية لتكون وفيّة لبيئتها، تقول :

(قايضني هواك ..!!

وخذ عمراً مرسوماً في

كفي

أخذت كل الورق ومزجت

فيها ألواني

فكنت أنت فرحي وبهجة

أعيادي

أبادلك العشق في صباحي

ومسائي)

فاستعملت فعل الامر (قايضني)، لماذا؟ لان الحياة لاتتكون الا بالتقرب والتزلف الرومانسي، لتحدث عملية الايض في المشاعر، مثلما تحدث عملية الايض الغذائي، لذا تقول الشاعرة ليلى: (أبادلك العشق في صباحي/ ومسائي)، فالحب كما الغذاء يتحرك باستمرار ليحدث نمو العلاقات الكائنة بين الانثى والذكر، أي ايض غذائي وايض رومانسي، لتشكيل الحياة بالنمو في الاول، واستمرار العلاقة بالتكاثر في الثاني، وتؤسس الشاعرة بتكوين هذه العلاقة والتعبير عنها من خلال قولها :

(ويبقى حبي لك

ثورة عشق على

حروفي

وأبياتي)

فحبها ثورة عشق تحملها جينان الشعر من خلال الحرف والكلمة بمعنى اللغة، وهكذا فان الشاعرة ليلى غبرا تحمل الكثير من المعاني في اشعارها..

 

وجدان عبد العزيز

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم