صحيفة المثقف

LEUKEMIA

عقيل العبودذهبت الى المستشفى الخاص بمعالجة أمراض الدم اللوكيميا  leukemia لزيارة صديقي الذي يخضع للعلاج منذ مدة.

المبنى بطريقة تصميمه وهيكله، يشبه فندق خمس نجوم، اومطار ، اومول بواباته الزجاجية تم ترتيبها عاى شاكلة جدران تغلفها مرايا عاكسة.

اما الطابق الأرضي فهو عبارة عن مساحة متسعة من بلاط قصر، مدرجاته أحيطت جميع زواياها بالمرمر المتسق في اناقته بناءً على تجاور جدران لا تخلو من جزيئات بلورية لسطوح هندسية عاكسة.

إنشاءات معمارية تشبه في تشكلاتها الفنية أركان  متعاقبة لفضاءات مفتوحة، تضم بجوارها مصاعد تتعانق مع سقوف تم تزيينها بديكورات، أصدافها تعكس بريقا له علاقة بأجهزة حاسوب متطوّرة، اضافة الى مقاعد وثيرة أعدت للزائرين.

هنالك مع انبهاري، تراجعت الى الوراء متسائلًا: ايعقل ان يكون مثل هذا البناء الفخم قد أعد لهكذا نوع من الأمراض، رغم انه يبدو فارغا؟ مشاعري رحت أصبو اليها مترنحا، اوربما متخيلا كما لو اني مصاب بالمرض المذكور.

لحظتئذٍ، المعادلة انه بقدر تلك المسافة من الصعود، الهبوط راح يتلو أحزانه، يسطرها يحكي عنها بطريقةٍ تكاد ان تكون أشبه بمأساة شعب ينزف موتا دون حدود. 

الأمر انه مع اختلاف المشهد، اللامرئي، الضحايا، استغاثاتهم تملأ هذا العالم، تتطلع الى الطيبين بحثا عن النجدة، الآف المصابين يقضون حتفهم المؤكد.

الزمان، بقعة من المكان، ما زلت اتطلع اليها، أحلامي كانت تنبت عند أنهارها، بناياتها الفخمة، كأنما تقفز اليوم عبر ركامات أشلائهم، اولئك الذين يفارقون الحَيَاة.

 سرطانات تنمو عند امتدادات مائية كان يمكن لها ان تصير ملاذات للعاشقين، أشجار  تجف أغصانها حدادا على ارض يداهمها العطش.

 أكداس لمواد مسرطنة ما انفكت تملأ تلك الشوارع؛ البنايات يتحول اكثرها الى خرائب، البصرة، مدينة السندباد ويكأنها تقف الْيَوْمَ مرة اخرى تتطلع نحوي، تنظر الى جميع ما يحيط بحولي، تهتف في مسامعي، أين انت؟

تطلعت الى جهاز الهاتف الذي اصطف بأناقته هو الاخر فوق منضدة مستطيلة.

المدخل، الoffice فيه، لم يشغل ادارته موظف خاص للإجابة على أسئلة الزائرين، بل فقط يعتمد على استخدام الضيف ال visitor للوحة التعليمات المرفقة مع خارطة طوابق الغرف الخاصة بالمرضى، لذلك انشغالي بالبحث عن غرفته، صاحبي، قد ساعدني للغور في تفاصيل لها علاقة بمقارنات مخزونة في مشاعري مُنذ زمن بعيد.

اجلت ببصري يميناً ويسارا، بحثا عن طريق يدلني على ما اريد، وقعت عيناي عند عاملة توزيع الطعام التي شاهدتها فجأة متجهة نحو المصعد.

هنالك عند تفاصيل جهة نائمة، السيناريوهات راحت تتزاحم في ذاكرتي، كأنها تستعرض فلما سينمائيا، لقطاته جميعها تحتاج الى تأمل؛

طفل كان يبحث في القمامة عن كسر خبز لمائدة متخمة؛ المتنعمون، جماعات groups لا علاقة لهم بما اقول، المجالس الفارهة احداث لمشاهد تحتاج الى روائي فيلسوف، العراق ما زال حاضرا يستعرض أقوالي... 

 الطابق السادس اذن- ضغطت الزر، حركة سريعة مع صوت جرس هادئ، حتى وجدت نفسي امام فسحة تؤدي الى إدارة الصالة.

باقة الورد التي جلبتها معي تم حفظها في الادارة، تجنبا لضرر بيئي، هكذا تنص التعليمات الخاصة بإدارة المشفى، والتي تلزم الزائر  ايضا بارتداء كمامة تجنبا لفايروس اومرض معد ذلك حماية للمصاب.

 ابتسامتي العاجزة عن التعبير عندئذ تحولت الى قهقهات، المشهد تجزأت صوره، تأملاتي بقيت تلاحقني ليتني أصل الى ما أريد.

هنا ليس من باب المقارنة بين تكنولوجيا فائقة، وامكانيات متواضعة، بل من باب مفارقة إنسانية بقي لها وقع كبير في تحسس المشهد، تلكم قصة علاجات منتهية الصلاحية يتم استخدامها اليوم في بقعة من الارض تبكي؛

المهم انه مع أصداء ابتسامة عريضة، أدخلتني ال nurse الى غرفة صديقي الذي كان متكئا عند سريره المرتفع ولوحده حيث جهاز التلفاز الذي أمامه وstand الحقن الخاصة بالجرعات الكيميائية، والتي تدخل ضمن قوانين العناية التي تم تخصيصها هكذا مجانا لهذا النوع من الإصابات.

الراقد هذا الذي فوجئت به، تماما ملامحه، تختلف عن ذلك الذي كنت اعرفه قبل أشهر مضت، رأس بلا شعر، وجسد نحيف.

انتابني بعض الخوف، اوالذهول، لكن الذي بدد فزعي، أسئلة كانت تدفعني لأن ابحر في فضولي، لعلي استكشف شيئا؛ معلومات لها قيمة في عصر العلم والانترنيت،

في مقصورة الطعام الخارجة عن الغرفة، حيث دون حاجة الى مساعدة وبصحبة الستاند المتحرك، مشى صاحبي برفقة الاكياس المحمولة بضمنها مادة تنظيف الكليتين وبعض الحاويات البلاستيكية الخاصة بأدوية لا اعرفها.

تناولنا  بعض الطعام سوية بصحبة صديق كان قد احضر  الدجاج المشوي مع صحن الرز تشجيعا لمريضنا الذي كان يود ان يأكل بشهية لولا معاناته من جفاف الحلق الذي تتكرر أعراضه كنتيجة للعلاج.  

هنالك عبر تلك الإطلالة، La Jolla، المنطقة العامرة بالعمارات بمناظرها الخلابة احتفاء راحت تفرش أناقتها.

العلاج بحسب الوصفة، عرفت ان مدته ستة أشهر يخضع المريض فيها للعناية المكثفة، يقضي منها 20 يوماً داخل المشفى، اضافة الى المراجعة التحليلية والتي مدتها عشرة أيام،  وهكذا لمدة ستة أشهر، حتى إيقاف المرض.

وذلك كله يجري على شاكلة بحوث مستمرة املا بتحقيق الحماية الطبية اللازمة لهذا الكائن الذي اسمه الإنسان.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم