صحيفة المثقف

الـ"مولان روج - Moulin Rouge" ومشاعر التحرر!

حميد طولستتمهيد: إن أسباب سفري إلى باريس عديدة وأهمها وأقواها عشقي لها ولما يمكن أصادفه فى كل رحلة إليها من  حكايات وقصص شيقة ومواقف طريفة، والتي سأحكي هنا واحدة ثانية منها ..

الموضوع:

رغم أني زيرت غالبية المعالم السياحية الباريسية ولعدة مرارت، كبرج إيفّل، وشامب دي مارس، وكاتدرائية نوتردام دو باري، وكنيسة القلب المقدس، أو كنيسة الساكري كور، وقوس النصر، وقصر فرساي،  وشارع Champs-Élysées  وPont des Arts، وغيرها من المواقع الأثرية ذات الجذب السياحي،  إلا أني قررت هذه المرة القيام بجولة استكشافية صباحية للاستمتاع بأجمل مشاهد شروق الشمس من واحد من أعرق أحياء العاصمة المطل على أروع أبنية باريس الساحرة، والمحافظه على طابعها الفرنسي القديم، حي "مونمارتر Montmartre " الذي سريعا ما يعي السائر بين أزقته الضيقة ومبانيه التاريخية، وأجوائه الساحرة المفعمة بالحيوية، لماذا اشتهرت هذه المنطقة من باريس بكونها مركزا للفنانين من مختلف أنحاء العالم؟  ويدرك مدى دورها في إلهام العديد من الفنانين مثل بيكاسو وفان جوخ، بما تحمله بين طياتها من ذكريات ماضيها وما يعبرها من شوارع "بولفار باربيس "Barbes" وبلولفار أورنانو "Ornano" وكذلك شارع "ماركاديه"  و شارع "دو كليشي" الذي يقع به أشهر الملاهي الباريسية وأقدمها، الـ" مولان روج Moulin Rouge" المعلمة التي اكتملت متعة جوالتي الصباحية بالوصول إليها والوقوف قبالتها وبالضبط بنفس المكان الذي وقفت به قبل أسابيع إحدى السيدات المغربيات المتعطشات للحرية والتحرر*والتي فاضت أنوثتها العامرة بالرقة والحنان - الذي يسع الكون جميعه حبا وحنانا - المخبوء تحت حجب الرق والعبودية، ودفعت بكل جوارحها إلى التمرد على كل ما أرغمت عليه بنات جنسها من أقنعة التخشن ومظاهر القساوة والجفاء التي لا يرتدينه إلا إتقاء خساسة رجال الدين، و وسفاهة الذين لا يستطيعون التعامل معهن إلا على إعتبار أنهن كائنات لا يصلحن إلا لإشباع الغرائز الذكورية المقموعة التي ينميها الخطاب الديني الأخرق الذي ينهل من موروثات البدوية المتخلفة، ومن تأويلات المتشدّقين بأنّ الحريّة لا تعيش الا بين نسائهم وأخواته وبناتهم، والذين لا يتورعون في أخذ مكان الله ليحاكموا المرأة، وينزلون بها أشد العقاب، الذي لا يقل في كثير من الأحيان وفي كافة المسائل وجل قضايا، عن الإعدام المادي أو المعنوي، على إعتبار أن أي من تصرفاتها، هي كبيرة من الكبائر،  تُقام فيها الحدود، وتقطع بسببها الرقاب، لأن المرأة- في أديولوجيتهم المتخلفة - هي وفي أكثر حالاتها ومعظم أزمانها، كائن مهيض الجناح، ذليل المقام، مهضوم الحقوق، مسلوب الإرادة، ومجرد عضو قاصر وناقصة عقل ودين، والويل تم الويل لها إن هي لم تستعذب الظلم اللاحق بها، أو تجرّأت على استقباحه، أو إن هي طالبت بإحترام أنوثتها والتعامل معا من منطلق شخصيتها ودورها الذي خلقت من أجله بدون جفاء ولا قسوة، فإنها تصبح في نظرهم، عاقّة ومُجرمة وخارجة عن الملة والدين، ويجب وأدها  كما فعل بها في الجاهلية القديمة بحُجّة وبلا حجّة، تطبيقا للمثلَ الصينيَ : "اضرب زوجتك عند عودتك إلى المنزل بدون ذِكْر السبب، لأنها لا بد وأنْ تكون قد ارتكبت ما يسيئك منها في غيابِـك" ولو تبوأت مقعدا لها في برلمان يمثل الشعب.

ويبقى الأمر الخطير الذي يغيب عمن فقدت المباديء لديهم كامل تأثيرَها، وزال مفعولها على تصرفاتهم، وضعفت قوتها على ردعهم، هو أنه مهما تخشنت المرأة فى مظهرها أو معاملاتها خشية بطشهم، فإنها حين تخلو لنفسها تسمع في أعماقها أصواتا مدوية، تدعوها للتحرر من الظلم، الذي يعتم حياتها منذ عصور، والذي ما زال يعيد انتاج ذات النتائج التي عذّبتها وهمّشتها وأذلّتها، وذيّلتها للرجل في خَلقها وفي دورها، إلى درجة أن عقد الجهلة مجامع الغباء لمناقشة صحة اعتبارها إنسانا.

 

حميد طولست

.................

هامش:

* النائبة البرلمانية المغربية المحترمة السيدة "أمينة ماء العينين" عن حزب العدالة والتنمية .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم