صحيفة المثقف

الندوة الوطنية وما تخفيه من مفاجآت

علجية عيشتعيش الجزائر اليوم شرخا كبيرا أمام الهيجان الشعبي ويكاد وعاء مؤسساتها أن يكون فارغا، بعد انظمام كوادر الدولة و كذلك الطلبة الجامعيين إلى الحراك الشعبي وتنظيمهم مسيرات سلمية نادوا فيها بالتغيير الجذري للنظام، بعدما سدت ابواب الحوار بين جناحين يصمم أحدهما على البقاء في السلطة حفاظا على المصالح والأخر يريد التغيير والتشبيب ، فخلقت الكراهية والعدائية بين الحاكم والمحكوم، وقد عملت أطراف أجنبية على إثارة هؤلاء ضد أولئك، لكن الشعب تفطن لنظرية المؤامرة التي تحاول فرنسا تنفيذها

 هي طبعا عبارات تنبئ بأن الشباب أصبح أكثر وعيا لما يحدث حوله، وبالتالي لا يمكن الاستخفاف به بعد الآن ، لأن كل الأقنعة سقطت ، والجماعة التي كانت تستغله فشل مخططها، ولا يختلف غثنان ان هذا الجيل ولد من رحم الجيل الذي خرج في مظاهرات 19 ماي مناديا بالحرية والاستقلال، غير مبال بالقيود والتعذيب البشع، ولذا لم يعد بإمكان السلطة أن تسكته، أو تخيفه بالآلة العسكرية، وها نحن نرى الغضب الجماهيري يملأ مدن الجزائر وشوارعها، ونسمع أصواتا تنادي برحيل الحرس القديم، خاصة بعد الإعلان عن الندوة الوطنية وتعيين الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي لقيادتها، هذا الرجل الذي ترك بإرادته الساحة السياسة منذ 26 سنة، وأكد أنه لن يعود إليها، لأنه كان مقيدا ولم يتكلم بحرية، بل كان يجامل، وثبّت تصريحه هذا في حوار مع جريدة وطنية، يعود اليوم للساحة من الباب الواسع، لعل الإبراهيمي نسي أنه قال في تصريحات سابقة بأنه حان الوقت للأجيال الجديدة أن تقرر، وهذا يعني أنه حان الوقت لرحيل الوجود القديمة التي طبقت شعار "مسمار جحا" ، وقال أن الحكام أنفسهم بما فيهم حكام الجزائر مدركون أن التغيير ضروري ولا مفر منه.

الذي حيّر الجماهير هو سبب اختيار الدبلوماسي والمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي ليقود الندوة الوطنية؟ لاسيما وعائلة هذا الرجل معروف عنهم أنهم ينتسبون إلى الباشاغات، وقد علق ملاحظون بالقول: إن اختيار الأخضر الإبراهيمي هو عودة الباشاغات إلى الساحة، وبالعودة إلى ما نشرته بعض الكتابات، كان الباشاغات قد أبدوا ولاءهم لفرنسا وخدمتها، وعدائهم المطلق والأبدي للشعب الجزائري، وسعت فرنسا بدورها لجعلهم حكاما في الجزائر، كونهم يشكلون "الطابور الخامس" ، وهو الذي كان وراء أحداث أكتوبر1988، وأحداث التسعينيات، بمساعدة الفارون من الجيش الفرنسي DAF déserteurs de l'armée française، الذين كما تقول المصادر، أعدتهم فرنسا وهم أعضاء تابعون لجيوشها ، كون آباءهم كانوا من الباشاغات وكانوا تابعين للسلطة الاستعمارية، مما جعلهم القوة الضاربة .

 وقد ذكرهم العقيد أحمد بن شريف في مذكراته بعنوان حديث المقاتل مذكراتى أيام الثورة وما قبلها، الفصل العاشر صفحة 111، وذكر اسم الملازم شابو عبد القادر، الملازم عبد المالك قنايزية، النقيب عبد المومن، الملازم جمال مصطفى، النقيب علاهم محمد، الملازم بوعنان، الملازم سعدي سليم، الملازم هوفمان سليمان، النقيب زرقيني محمد، الملازم العربي بلخير وخالد نزار والقائمة طويلة، وقد اعترف هو بنفسه أنه خدم في صفوف جيش العدو ولسنوات عديدة (ص 110)، وهذا يؤكد أن النظام الجزائري باختيار الإبراهيمي يحاول أن يفرض أحفاد الباشاغات كأوصياء على الشعب الجزائري الذي ضحى أجداده بأرواحهم من اجل أفستقلال ورد الإعتبار للسيادة الوطنية.

 وبالرغم من ماضي الأخضر الإبراهيمي الأسود بحكم انتمائه إلى عائلة الباشاغات، التي قدمت ولاءها للمستعمر وتفانت بإخلاص على دعمه ، فقد اختاره حزب جبهة التحرير الوطني ليكون سفير ثورة التحرير في إندونيسيا ومنطقة آسيا، ومنها إلى القاهرة كمبعوث للحكومة المؤقتة، مرورا بجاكرتا التي رافقه فيها وزير الخارجية السابق الراحل محمد الصديق بن يحيى، ليكونا ممثلين لجبهة التحرير ، وبعد سنة من استقلال الجزائر شغل العديد من المناصب الدبلوماسية ، وكان آخر منصب له وزيرا للخارجية من 1992 إلى 1994، وحظي بأن يكون عضوا في لجنة الحكماء وهي مجموعة مستقلة تضم عدداً من زعماء العالم ،تعمل من أجل السلام وحقوق الإنسان.

وبغض النظر عن انتمائه لعائلة الباشاغات ، يعاتب البعض الرجل بأنه ارتكب كثير من الأخطاء، أهمها مطالبته بفتح الحدود مع المغرب وعودة العلاقات بين الشعبين، وكان أكثر تمسكا ببقاء الرئيس في الحكم، ويحاول هذه المرة أن يرسم له صور الأب الذي لا يستطيع أبناءه مفارقته أو الاستغناء عنه، لأنه (أي بوتفليقة) كان دوما يتجاوب مع المطالب الشعبية، لكنه يجدد موقفه بأن الحكومة ليست وحدها المسؤولة عمّا يحدث من فساد وتجاوزات، بل كل طاقات المجتمع مسؤولة من الوزير إلى المواطن العادي ، خلاصة القول هي أن الندوة الوطنية المزمع عقدها كما يقول الملاحظون ما هي درُّ الرّماد في عيون الشعب، لأنه لا يعلم مضمونها، ومؤطريها والذين سيشاركون فيها، وهل ستخرج الندوة الوطنية بحلول تضع جدا لكل التجاوزات التي تمت في حق الشعب الجزائري، خاصة وأن تصريحات الإبراهيمي تؤكد أن التغيير لن يأتي على جناح السرعة، ولن يكون نسخة من العراق، كما أنه استبعد إبعاد النظام القديم بل أكد رفضه تحقيق التغيير في الوقت الحالي وهذا يشكل خطرا على مصير الشعب ومستقبل الجزائر.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم