صحيفة المثقف

المثقف وجدية المشروع

رحيم زاير الغانممن خلال فحص بسيط لعلاقة المثقف بالمجتمع، يمكننا استشراف البون الشاسع بين الاثنين مهما حاول المثقف تبني هموم وتطلعات مجتمعه ، قد نعزوه لعدم تقبل المجتمع لدور المثقف وفاعليته في التوجيه والتغيير والرصد الذي من شأنه تقويم عمل المنظومة المجتمعية ككل، لذا صار لزام على المثقف تبّني مشروع يهدف إلى ردم الهوة التي فرضتها تراكمات عقود منصرمة، مشروع من أولوياته أن يأتي بخطاب جاذب للجماهير، إذن نحن في مواجهة تحدٍ جديد، تقع مسؤوليته على عاتق اللاعبينِ الأساسينِ المثقف والمجتمع، إن أرادا الاستمرار معا، فالهوة على ذلك في اتساع والأزمة في تفاقم، والخصومة على أشدها، قد ينتج عنها ترك بعضهما الآخر ليخوضا غمار التجربة لكن منفردين، غير مكترثين لقصر المدى الذي يمكن لهما التحليق به بجناح واحد، صراحة في ضوء ضيق الأفق هذا قد لا يتيح لهما فرصة تحقيق نتائج ايجابية يعتد بها  مستقبلا.

لذا نجد من الضروري التصالح عبر خلق جو من الانسجام يأذن للتواصل، الذي من شأنه تذويب جبال الجليد المتوهمة، فلا مثقف بمعزل عن مجتمعه والعكس صحيح، إنَّ المجتمع بما يحمل من موروث مجتمعي أو مورد بشري هام، باعتبارهما مادتا المثقف الأساسيتين فلا ثقافة من دون تراث يستمد المثقف أصالته وعمقه الإنساني، ولا ممارسة تعقب أي نهج من دون قوى فاعلة على الأرض يمكنها تنفيذ المشروع، إذا اتفقنا، أننا قبالة مشروع حقيقي يحمل لوائه مثقف ايجابي، فاعل ضمن هذه المنظومة المجتمعية.

ان على المثقف ان يعمد إلى استحداث خطاب بمقدوره التصدي للمشاريع المشبوهة التي تحاول مصادرة فاعلية المنظومة المجتمعية، بتراثها وقواها النَّشطة/ شريحة الشباب أنموذجا، عبر تبني مشروع توعوي خالٍ من الضبابية والإيهام ليجلي بذلك سوداوية وظلامية المشاريع الأخرى، واضعا في الحسبان ان تلك المشاريع قد أسست لنفسها قواعد مادية ومعنوية، أمنت بها شريحة عريضة من فئات المجتمع المستهدف نفسه، كما خلقت أجواء مناسبة لديمومتها ومقاومتها لظهور أي منافس جديد، عبر بثّ ثقافة الإقصاء والنبذ أو التخوين ان لزم الأمر، لذا لا يمكننا ان نعد مسؤولية المثقف هيِّنة، كذلك لا يجب على المثقف أن يأتي بمشروع يحمل سمة إسقاط الفرض، وان جاء محملا بهذا المُتبنى، يجب عليه المراجعة المستفيضة، قبل الإقدام والتحرك في ظل هكذا تحدي، خشية أن تأتي ردة الفعل في ترسيخ رؤى وأفكار تلك المشاريع الظلامية، من المؤكد نحن لا ندعو للقنوت بقدر النظر إلى الأمور من زاوية الاعتراف بإمكانيات الآخر، إنَّ التحدي لا يعني إثبات عبثية تلك المشاريع أو إبراز الشبهات التي تحوم حول مُتبنياتها فحسب، بل أن التحدي هنا يكمن في وعينا إلى مدى تأثيرها وفاعليتها في المجتمع، والتحرك في ضوء هذه المعطيات.

نحن نبتغي مشروعا رصينا وخطابا يعي خطورة المرحلة التي نمرُّ بها، اخذين بنظر الاعتبار إننا في مواجهة مشاريع كبرى، لها إمكانية التشظّي إلى مشاريع متناهية في الصغر/ مشاريع ناعمة، لكنَّها متعاظمة في التأثير، وكل هذا متأتٍ من مقبولية تسويقها، لذلك نرى أنَّ الأمر يدعو المثقف إلى التنبه لوعورة الطريق، وقساوة المسلك وفداحة التضحيات التي سوف يقدمها قرابين في مذبح الوعي المجتمعي، بمجرد الإتيان بمشروع مغاير، لذا أن من أولويات نجاح المشروع، الإيمان بقضيته العادلة، واليقين الراسخ بقدرته على التغيير، بمواجهة الكلمة بالكلمة والفكر بالفكر والموقف بالموقف، مع ترك فضاء الوعي مفتوحا، ومساحات المطاولة إلى ملا نهاية، مادام الهدف سامٍ والمبتغى نبيل.

 

رحيم زاير الغانم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم