صحيفة المثقف

د. محمد البندوري يقدم كتاب الباحثة زكية مصات

769 البندوريبعنوان: مشاكل تعلم الخط العربي عند الطفل المغربي

في إطار فعاليات المعرض الجهوي للكتاب الذي نظمته المديرية الجهوية لوزارة الثقافة قدم د. محمد البندوري قراءة حول كتاب مشاكل تعلم الخط العربي عند الطفل المغربي للباحثة زكية مصات رام خلالها أهمية الخط في المنظومة التربوية لما يحمله من مفاهيم، منها ما يرتبط بمكوّن القراءة، ومنها ما يرتبط بمكوّن الكتابة؛ وهو يرتبط بمواد التدريس بشكل مباشر حيث تنعكس تجلياته بمختلف عناصرها على أداء التلاميذ. يقول البندوري: ليست مهمة المربي أو المعلم أو الأستاذ هي تمرير شكل الخط بقدر ما هي مسؤولية كبيرة في تعميق التحول في قدرات المتعلم وجدانيا وثقافيا وتربويا بمجال الخط. ليس لأن الخط يحتوي على مقومات الجمال والحسن والزينة فحسب؛ ولكن لأن الله تعالى أقسم بالقلم وبما يكتب بالقلم ﴿نٓ وَٱلقَلَمِ وَمَا يَسطُرُونَ ١﴾ القلم 1، وهو تشريف ومسؤولية تربوية تهدف إلى ترسيخ قوامة الخط وتعميق الرؤى الروحية والثقافية من خلال المنظومة التعليمية في ذهنية الناشئة. فالخط يشكل أعمدة ومداخل تدل على القيمة الخطية روحيا ووجدانيا ومعرفيا وثقافيا وفنيا.

ويضيف البندوري إذا كان الخط هو المسجل الرئيس للمتعلم كل ما يتوصل به في عمليات التدريس داخل الفصول من علوم ومعارف، فإنه في الآن نفسه هو الدال على فهم المقروء. لكن ثمة مشاكل تعتري هذا المجال وتسهم في تدني مستوى الخط وتردي الكتابة في المنظومة التربوية عامة وسنتناولها من خلال الكتاب القيم مشاكل تعلم الخط العربي عند الطفل المغربي – مقاربة تربوية – لسانية للأستاذة زكية مصات. التي لاحظت على كثير من التلاميذ تدني مستويات خطوطهم مما يوحي بالمعاناة التي تستمر لسنوات بدءا من السلك الابتدائي فالمرحلة الإعدادية ثم السلك التأهيلي ثم الجامعة. والعيب ألا يعرف التلميذ والطالب أن هذا الخط يشكل جزءًا من تراثنا الفكري والفني والثقافي بل ويشكل هويتنا العربية الإسلامية وأننا نتميز به عن غيرنا من الأمم، ويجب التنبه لهذا الأمر، ومن ثم فالأستاذة زكية مصات قد وضعت المنظومة الخطية في سياقات إشكالية ثم وضعت الحلول المناسبة التي تضمن للمتعلم الخط الجميل الرائق، علما أن كل الذين ينتمون إلى التربية والتعليم تقع عليهم مسؤولية كبيرة، فكل ما يصل الى التلاميذ والطلبة من علوم ومعارف تتم بواسطة هذا الخط.

إن ثمة مشاكل مترابطة حاضرة بحمولتها في المنظومة التربوية وهي تقع في صلب العمليات التعليمية التعلمية، وتؤثر في تكوين المتعلم وتسهم في نشوء خلل في عملية الكتابة عبر أطوارها في كل فترات التمدرس. وهو ما يحتاج إلى وعي، ويتطلب نضجا لاحتواء هذا الوضع، وهو خيار يروم واقع الخط من الزاوية التربوية لما له من تأثير مباشر على الوضع التربوي العام للمتعلم، دون وجود آليات وبرامج لاحتوائه. فكم من التلاميذ يرسبون في الامتحانات الإشهادية أو يتحصلون على معدلات دون مستواهم الدراسي الجيد بسبب ضعف الخط، وهم لا يعزون ذلك الإخفاق إلى ضعف الخط بل يرمون باللوم غالبا على عمليات التصحيح. وقد عمقت هذه المشاكل في كثير من مراحلها الدراسية من ضعف التكوين وانعدام الوعي بأهمية الخط وما يترتب عنه من إخفاقات تربوية مما يفاقم من حدة المشاكل التربوية..

وإذا أردنا أن نعالج هذه الإخفاقات بقدر يسير من المرونة فإن ذلك يقتضي أولا أن نتصالح مع الخط في منظومتنا التربوية، ونستحضر بعض المناهج الأساسية لتدريس مادة الخط. والوقوف على مختلف التقنيات والكيفيات المساعدة لنقل الخط من وضعية التقييد إلى البؤرة الديداكتيكية سواء ما تعلق بما قدمه أساتذة الخط القدامي أو ما سطره أساتذة الخط في الفترة المعاصرة.

وقال البندوري بأن الأستاذة زكية تناولت الأستاذة زكية هذا الموضوع كونها أستاذة تربوية، وتحس بالمسؤولية ولها دراية بالميدان. فتناولته وهي مسلحة بعُدة من المعلومات والمعارف التي لها علاقة بهذا التخصص، ثم إنها قاربت الموضوع بالمجال اللساني وهو أمر في غاية الأهمية. وذلك لما لها من دراية وعلم بكل هذه المجالات وكذلك لوعيها التام بخطورة تردي الكتابة وما ينجم عنها من مشاكل تعلمية خاصة في المراحل الابتدائية. فاستطاعت أن ترصد مشاكل الخط وتحللها وتناقشها وتبدي استنتاجاتها، لقد طرحت عددا من الأسئلة في نطاق إشكالات وقضايا قاربت بها مجال الخط العربي بالمشاكل التي تطرح عند تعلمه فقادها ذلك إلى رصد عدد من الأخطاء وتتبعها وتقويمها وفق منهج سليم ووفق معايير موضوعية وبصرية ولسانية.

وقبل أن تدخل في صلب الموضوع هيأت أرضية معرفية نظرية حول مجال الكتابة: أصلها ومراحل تطورها والتعرف على أنواع الخط العربي وعمليات التركيب التي يختص بها الخط العربي وحده والتي تدخله في المجال الفني. فنوعت في المصادر والمراجع لتكون مجالا فسيحا للبحث يتسم بالموضوعية. فجالت في التاريخ الغابر واستنطقت مكنوناته الخطية من خلال عدد من الآراء.

وفي مبحث آخر أبرزت الباحثة أنواعا مختارة من الخط العربي اقتصرت على بعضها نظرا لخصوصية الكتاب الذي يروم مقاربة مشاكل تعلم الخط في بعديه اللساني والتربوي. وقد اشارت إلى ذلك في الصفحة 56 من الكتاب.

وقد شكل الفصل الثاني من المؤلف دراسة للخط العربي في المدرسة الابتدائية، وقد خصت المبحث الأول منه بدراسة ميدانية باختيار عينات من التلاميذ من مدارس عمومية وخصوصيةبالوسطين القروي والحضري. وقد حددت من خلال مجموعة من الجداول عينة البحث حيث خصت كل جدول بأعدداد رقمية ونسب مؤية مؤشرة لاعتبارات بحثية تروم التوزيع والتصنيف حسب طبيعة الوسط وحسب طبيعة المؤسسة وغيرها.

وقد خصت المبحث الثاني لمشاكل الخط في المدرسة الابتدائية المغربية وافتتحته بمنهجية تعليم الخط وكل ما يحيط بها من عوالم تربوية وتقنية وما ترتبط به من مكونات تعليمية. وإن مرد الصعوبات التي تعترض التلاميذ في الخط في المراحل الابتدائية تعود إلى ما يصطلح عليه في علم النفس التربوي بالديسْغرافيا (la dysgraphie). وقد رام هذا البحث معاينة تلك الصعوبات وتصنيفها في مجموعات حيث تضم كل واحدة منها مجموعة من الأخطاء. وهذه المجموعات هي: الخط المتباعد (تباعد بين الحروف أو الكلمات التي يكتبها التلميذ) - الحروف المهندسة: يكتب التلميذ الحروف شبيهة بالأشكال الهندسية - الحروف المنزاحة عن أشكال الوضع: هي الحروف التي تغيرت عن حجمها وشكلها الأصلي - الحروف المتغيرة: يغير التلميذ في الحروف إما بالزيادة أو الحذف أو الابدال. وقد جعلت الباحثة لهذه المجموعات ترسيمة توضيحية وقدمت نماذج لكل خطأ، وصنفت الأخطاء حسب المستويات الدراسية في السلك الابتدائي مع تحليل رقمي شمل النسب المئوية بين الوسط القروي والحضري فيما يخص كل نوع من الأخطاء. وخلصت إلى الأسباب المؤدية إلى صعوبات الكتابة: فهناك: العوامل التعليمية التعلمية: كعدم التدريب الكافي على القراءة والكتابة، وتدريس المعلم الإملاء على أنها مادة اختبارية للتلميذ، ما يقوي لديه هاجس الخوف وعدم الثقة بالنفس، وعدم تصحيح الأخطاء مباشرة بعد ارتكابها وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره. ثم تطرقت للعوامل العضوية: كوجود حالات مرضية تحد من القدرة على التحكم بشكل سليم في القلم، وانعدام القدرة على مواصلة عملية الكتابة بشكل مسترسل، حيث غالبا ما يحصل عياء متكرر للمتعلم، وضعف البصر لدى المتعلم والجهل به من طرف الأستاذ أو الوالدين، وقلب الحروف بطريقة عكسية كما تبدو في المرآة وهو ما يتعلق بقلب النظر وضعف السيطرة على وضعية الجسد والإخلال بالطريقة الصحيحة لوضعية اليد والأصابع. ثم مرت إلى العوامل النفسية: منها وجود انفعالات باطنية لدى المتعلم تؤدي إلى الرعشة التلقائية أو وجود رعشة نتيجة الخوف، والكسل والتراخي، والقلق والاضطراب النفسي لأسباب تتعلق بالوسط العائلي أو الوسط المدرسي. وانتقلت إلى العوامل المادية والعوامل التقنية حيث استشهد محمد البندوري بسبعة معان لأبي حيان التوحيدي مزكيا بذلك مبحثها. ثم ذكرت أسباب الأسباب وتتعلق أساسا بالمربي والمعلم والأستاذ، باعتباره محور العملية التربوية والركيزة الأساسية في توجيه عملية الكتابة والقراءة بهذا الخصوص.  وقد طرحت الباحثة مجموعة من الحلول التي من شأنها الحد من هذه الأخطاء منها: إعادة إدراج دفتر الخط ضمن المقررات المدرسية وتخصيص مجزوءة بأكملها للخط في مراكز التكوين لأن الأستاذ الذي يعاني مشاكل في الخط لن يستطيع تلقينه للتلميذ على الوجه الأمثل.

ولا شك بأن أول خطوة هادفة في ذلك هي إعادة النظر في طرائق الكتابة السائدة في المقررات الدراسية، وعلى السبورات وفي الدفاتر. ويجب تبسيط الحلول وتسطير الأهداف وفق منهجية ناجعة:

1- التشويق وتقديم لمحة تاريخية موجزة عن الخط العربي لشد المتعلمين وربطهم بالهوية.

2- يجب على المربي والمعلم والأستاذ معرفة قواعد الخط العربي وضوابطه وتقييداته

3- تمكن المربي والمعلم والأستاذ من كيفيات تطبيق الخط في السبورة والدفتر في نطاق قواعده المتعارف عليها وإخضاعه لمجال القياس بنظام الأسطر.

4- دفع المتعلم للاستئناس بأسطر الدفتر وتوزيع أسطره

5- التشجيع والتحفيز والتهيئة النفسية للمتعلم

6- توليد الرغبة لدى المتعلم وتحبيبه في الكتابة الجيدة.

7- مساعدة المتعلمين على تقدير المسافة اللازمة بين أعينهم وبين الدفتر

8- تدقيق الأسطر في الدفتر بين السميكة والرقيقة حتى يتمكن المتعلم من ضبطها

9- استثمار المربعات الموجودة في الدفتر لرسم أشكال دوائر أو أنصاف دوائر أو مثلثات أو أشكال بيضوية يتم من خلالها استخلاص حركات الحروف ثم رسم الحروف في نطاق أنشطة خطية.

10- إعطاء فرصة للمتعلمين للاستمتاع بالتعلم وبرسم الحروف مفردة ومركبة والاستمتاع بإنتاج عملية الكتابة في نطاق أنشطة.

11- يتم في البداية السير وفق نسق تدريجي في كتابة الحروف عن طريق كتابة الحركات قبل الحروف.

12- التفاعل وفق المجال الفارقي في الفصل لأن المتعلمين يختلفون فيسيولوجيا ونفسيا.. أي التفاعل في مكون الخط مع كل متعلم باستراتيجية خاصة باعتبار الفروق الفردية وأن لكل متعلم استقلالية ذاتية فتلزم كل واحد تقنيات محددة ومهارات خاصة.

13- إكساب المتعلم الطرائق الصحيحة في الجلوس ووضعية اليد والأصابع وطريقة مسك القلم واختيار القلم المناسب للكتابة ومراعاة اتجاه وضع الدفتر.

14- الفصل بين الكلمات والجمل ومراعاة مقاييس الحروف

15- العمل بالمحاكاة عن طريق تعويد المتعلمين على الكتابة على السبورة لاكتساب الثقة والمهارة

16- إشعار المتعلمين بالارتياح مع النطق بين الفينة والأخرى ببعض التقنيات لترسيخها في ذهن المتعلمين.

17- الحرص على النظافة والنظام والترتيب

18- سلك مسار التبسيط، ثم تدريبهم على الكتابة بحروف وكلمات يتميز بعضها عن بعض من حيث الحجم والشكل والنقط.

19- التركيز على تنمية الرؤية البصرية لضبط أشكال الحروف ومقاييسها.

20- تنمية المدارك الجمالية لدى المتعلمين وتنمية أذواقهم الفنية من خلال التفاعل الجمالي مع أشكال الحروف مفردة ومركبة.

21- تعزيز الروابط التربوية بين مكون الخط ومكون القراءة.

22- إفهام المتعلمين أنهم بصدد رسم الحروف وليس كتابتها (البعد السيكولوجي)

23- إكساب المتعلمين مهارات يدوية تساعدهم على التجويد الخطي.

وقد قدم محمد البندوري الشكر للأستاذة زكية مصات على اهتمامها واعتنائها بمجال الخط العربي، لأن الاعتناء الجيد بأهمية الخط سيسهم لا محالة في الأداء التربوي الجيد، بل ويُسهم في تنمية الذوق الجمالي بنوع من الخصائص الفنية التي يتطلبها المجال التربوي، لتلك الخصائص التي تضمر في حيثياتها مقصديات تربوية وصفات خلقية ومرجعيات أساسية. فهي وإن كانت تروم عمليات التزيين والتجميل والتنميق الخطي؛ فإنها في الوقت ذاته تتصل بالهوية العربية الإسلامية وبالهوية الوطنية.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم