صحيفة المثقف

الطاقة المظلمة في المجتمع..

رائد عبيسمحاولة فلسفية جادة لتفعيل النقيض

يمثل طموح اصلاح المجتمع هم عند جميع من يحمل وعي بالواقع وتغيّره، ووعي تتسع مديات باتجاه صورة أخرى، لواقع اجتماعي أكثر تنظيماً، وقلنا أ كثر تنظيماً حتى يأخذ تفكيرنا بُعداً عملياً لا يوتيوبياً اصلاحياً لا تخريبياً، وفكرة اصلاح المجتمع وخرابه، فكرة حاضرة في جميع السياسات التي تهدف إلى حكم المجتمع، وهذا الهدف كلف المجتمعات كثير من الخسائر في كل المجالات الحياتية. في واقع الأمر هناك أهداف شريرة في طموح حكم المجتمع، تتضح في سلوك السلطة ورغباتها وكل مشاريعها، إزاء البلد الذي تحكمه ومجتمعه. كيف نَعرف ذلك ونقيمه؟ اي فعل الشر لأي حكومة وسلوكها، بما أن المجتمع ينقسم بالعادة إلى أناس خيرين صالحين، واناس اشرار وعدائيين وفاسدين. فان السلطة واي سلطة تستغل ذلك، وتؤكد على شريحة تناسبها من هذا المجتمع، فالسلطة التي يتولاها أشخاص ذو نزعات شريرة، يتخذون من اولئك الناس الاشرار مناصرون ومؤيدون، وهذا شيء طبيعي فالشبيه ينجذب لشبيهه.وهنا يكمن منطق التغالب بين هذه الشرائح التي يصعب تصنيفها بسبب النفاق الاجتماعي. وكذلك يصعب فرزها أفرادها من وسط الزحام الاجتماعي، الميال لخلط بين هذه المواقف، فالناس الاشرار يعلى صوتهم بدعم وتأييد من السلطة المقربة لهم. والناس الاحرار الذين لا يتضح لهم موقف، بسبب غياب الداعم والمؤيد، فتبقى جهودهم جهود فردية في كل محاولة اصلاح أو دعوة لها، وان أصبحت ظاهرة فهي مقتصرة على أشخاص قلائل يسمون ناشطون. فالخاملون هم أناس لديهم رغبة بالإصلاح، ولكن يتملكهم اليأس والإحباط بسبب هيمنة أصحاب القوة الشريرة في المجتمع. وهؤلاء الاشرار يملكون طاقة مظلمة في المجتمع، تظهر في كل ما يحاولون السيطرة عليه والتواجد فيه جغرافياً وسياسياً، ومناصب إدارية ونشاطات تجارية وغيرها، وما يترتب من أفعال نتيجة هذه الهيمنة، فالمجتمع العراقي مازال يأن من كل الأخطاء التي وقعت بحق إدارته ومجتمعه،ومازالت هذه الأخطاء تُنسخ وتعمم على كل الحكومات المتعاقبة في إدارة شؤون البلد. مثال ذلك الإنقلابات، والحروب، والصراعات، والحصار، والفوضى التي تظهر وتختفي بين مدة وأخرى. هذه هي مخلفات السلب والشر المستبطن في نفوس اهله، والخراب الذي يمتلك عقولهم، والجهل الذي اقترن بهم، فضلا عن ذلك الشر الذاتي، هناك شر خارجي يسخر هؤلاء الأفراد المستعدون للشر الى تنفيذ اجندات بهم وعن طريقهم.

فالطاقة المظلمة في المجتمع العراقي، هي طاقة مثيلها موجود في اغالب المجتمعات، ولكل مجتمع فيه نسبة من هذه الطاقة، والسلطة تُسخر منها ما تحتاج وتقمع منها ما لا تحتاجه . وعلى المجتمع ايضا أن يُنظم قواه ويسيطر عليها من أجل محاولات الاصلاح التي يدعو لها العقل والدين. وهذا يعني أن على المجتمع اظهار قواه المضيئة الخيرة. وهذا يحتاج إلى مبادرات، وأفكار، ومشاريع تقرب فكرة الإصلاح في أذهان المجتمع الظلامي، وارجاعه الى نقطة الضوء. وهذه الخطوة لا تحتاج إلى أفكار سيطرة وقمع ذاتي أي ان يقوم المجتمع يقمع ذاته. بل تحتاج إلى حوار،  ونقاش، وروح سلام في أجواء من الحرية على أن لا تتجاوز حريات الآخرين. بمعنى أننا نرفض أي سلطة فرض لأي قوة على الأخرى، لا القوة المظلمة على المضيئة والا المضيئة على المظلمة. فبين دخول الظلام ودخول النور خيار ذاتي شخصي مستقل، أما دور المجتمع أو السلطة فيكمن بالمراقبة والسيطرة بما يحقق السلم المجتمعي العام.

أما دور المعرفة والوعي الناتج منها، فهو يدخل كعامل قوة في رفض وأبعاد القوة المظلمة عن المجتمع وإشاعة ثقافة الوعي، والحماية الذاتية، والتحصين المجتمعي، فالطاقة المظلمة ليس شرطاً أن تكون منظورة، وبهذا تكون أكثر خطورة من قوى اجتماعية مظلمة تظهر بين حين وآخر، بعنوان حركات وتيارات، سواء كانت دينية، أو سياسية، أو حتى معرفية، أو اجتماعية. وهذه القوى لا ينظرها الا أصحاب الوعي، والإدراك المُقيم لحالة المجتمع وحاضره ومستقبله.

الفلسفة تمنح نفسها هذه المسؤولية، في تقوم بتوصيف الواقع، وتحليله، ونقده، وإعادة تركيبه تربوياً وفكرياً وعلمياً، وبما ينسجم مع طاقة المجتمع على أن ينهل منها، ويتخذها طريقاً ومنهجاً يكون الأقرب به الى العقلانية والحكمة. حتى يتسنى له إمكانية معالجة الأخطاء وتصحيحها. والوقوف بتسلح الوعي والمعرفة بوجه القوى الظلامية وطاقتها، ومن يمثلها من أفراد المجتمع. فالطاقة السلبية موجودة في نفوس الأفراد، ولكن عندما تسخر كطاقة تضر بالمجتمع ومقوماته واسسه، الحماية بالوعي التنويري هو باب خلاص من الطاقة المظلمة في المجتمع و تمظهراتها.

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم