صحيفة المثقف

الدين والتَّدَين

عقيل العبودبالفطرة تعلمت معنى التدين كما وبدون مقدمات، كنت أصغي اليه مدرس اللغة الانكليزية في متوسطة سوق الشيوخ، الاستاذ عادل حموده، والذي تم قتله تعذيبا في احواض التيزاب بعد منتصف السبعينات عندما كنت طالبا في الصف السادس الإعدادي، وإلحاقا به تم قتل زوجته بعد استدعائها الى مديرية الأمن بمادة السيانيد. 

والدتي باعتبارها عمة المتوفية، كانت كأنما تستأنف طقوس عزائها المقدس والذي اعتادت عليه منذ فقدان اخي الكبير الذي مات غرقا في نهر الفرات ذات يوم من ايام ما قبل منتصف الستّينات، لذلك تباعا، تلك المفردات، قدسيتها كما قباب الأئمة وتلك الأضرحة التي كنّا نسافر اليها تلبية لمراسيم الزيارات والتي أربعينية امواتنا من ضمنها.   

القران تلاوته في البيت رغم مكتبة اخي الكبير التي لا تخلو من تنوع الكتب والمجلدات بضمنها المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية وقصص من الأدب الروسي، خصوصا ابان حجب الكتب الدينية من قبل السلطة انذاك- ولكن الآيات المشفوعة بأجواء   الإيمان المعطر بأنفاس الصلوات وتلك السور القصار بقيت لها بصمات.

الجامع الكبير في سوق الشيوخ- زائر مجيد السنيد بصوته الذي ما انفك يتلو للصلاة مؤذنا في ذاكرتي الى يومنا هذا.

متوسطة سوق الشيوخ، الحياة البسيطة ومجالس العزاء الحسينية، وصحبة الأصدقاء، مهدي خشل وشقيقه هادي الطلبة الذين تم إعدامهما أسوة بآخرين ابان حملة سبعينية طالت جَمِيع من تم اتهامه بالعمل خارج حزب البعث.

التدين انذاك التزامات اجتماعية واخلاقية ودينية.

المتدينون الذين تم ذكرهم تباعا زرعوا محبة القران والقيم، زرعوا بذور التضحية من اجل الاخرين.

انذاك لم اسمع عن صور التطرّف والكراهية، كما لم اسمع عن مظاهر البذخ وحب المال والتكلف.

البهرجة والكلام المزوق لا وجود لهما ابان زمن فارقناه، ليفارقنا هو الاخر ربما استنكارا لما يحصل اليوم، واستذكارا لشهداء وخالدين وطيبين تَرَكُوا بصمات محبة الدين والاخلاق في نفوس الآخرين الى يومنا هذا.

 

عقيل العبود 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم