صحيفة المثقف

ليست هناك ذنوب

796 توفيقالبشر يرتكبون الأخطاء والهفوات عن جهل او عدم معرفة ولقصور عقلي والأخيرة على الأقل ليس ذنبهم.

القنطرة الذهبية وتعدد التسميات

قلة من المدن تسمى بعدة لغات الا ان الجزيرة الصغيرة على نهر الزاب الصغير (الأسفل) الذي تجري مياهه بسرعة شديدة تعددة تسمياتها. كانت يوما مدينة آشورية عامرة تسمى ب كرت هرات .

‫في العهد العثماني بني او جدد السلطان مراد الرابع الجسرين الحجرين المنهارين وبنى الانكليز عام 1915 جسرين حديديين مكانهما. ويقال انه علق ليرة ذهبية على مدخليهما فسميت باسمها. في رواية اخرى اطلق العثمانين تسمية التون صو على الزاب الصغير . المدينة تتوسط الطريق بين مدينة اجدادي كركوك ومدينة أربيل ويشاء القدر ان تكون ولادتي على ضفاف هذا النهر اذ ولدت في يوم شتائي في محلة الصالحية انها التون كوبرى التسمية الرسمية للمدينة.

 صحينا اليوم في اجواء شبيهة بتلك التي ما هي عليها صبيحة الأعياد. خرج القوم يهتفون ويرقصون وهلاهل النسوة تسمع من بعيد وربما كانت صداها تتردد من على قلعة أربيل العتيدة.

‫لم يكن يوما عاديا هذا اليوم اذ خرج الناس بملابس العيد وتزين المكان بسعف النخيل بينما كانت بعض النسوة يوزعون الحلوى (الحامض حلو) على الصغار.

‫كان ناظر المحطة الجديدة الأكثر ارتباكا ويوزع الأدوار على اليسار واليمين بينما وقفت عائلته خارج البناية ينظرون بزهوا على رب العائلة بسدارته الفيصلية السوداء

‫اما نحن الأطفال فكنا سعداء لحصولنا على الحامض حلو الذي جمعناه انا واخي وأختي الكبيرة وذهبنا بها الى المقبرة على الرابية القريبة من البيت لنضعها على قبور اخوتنا الذين رحلوا وهم في عمر الزهور وكان اذ احتفل النمل بالحلوى وبنى أعشاشها فرحا هناك كما ذكرت لنا المرحومة الوالدة لاحقا

‫حديثي عن ضيف ذلك اليوم شاب اسمر يافع بعمر الزهور الندية اقفل بيديه خلفة وهو يتمشى مع علية القوم على طول سكك الحديدية التي تربط المدينة ب أربيل شمالا و مدينة العطاءات كركوك جنوبا.

‫كنا نحن نتمشى فرحين وراء الموكب فاليوم يفتتح عاهل العراق المفدى الملك فيصل الثاني محطة القطار في مدينة القنطرة الذهبية وتسمى ب پر دى بالكردية ويطلق التركمان عليها التون كوپرى وتلك التسمية الرسمية كما اسلفت ، مكان ولادتي وساحة لعبي في صباي .

‫لم تمر من الوقت الا القليل حتى سمعنا بان في بغداد ثورة وان هناك رئيس جديد للدولة العراقية والتي بدأت تسمى ب الجمهورية. كنا سابقا نحصل على علي الحليب الفارعة وفيها ملعقة بلاستيكية من جنود الانتداب من المعسكر القريب. نرجع فرحين بهذه العلبة الصفراء وفي المدرسة كانت مدرسة اليمين بعد الجسر الأول بينما مدرسة البنات كانت بعد الجسر الثاني كما اتذكر. كنا ناخذ كوبنا المعدني معنا كي نحصل على حبات من الجوز وحبيبات دهن الحوت كما كنا نسميها والحليب الحار. كانت ألكتب برسوم غير ملونة وكنا نحصل مجانا على الأدوات والكتب الدراسية. بدأت بالدراسة وانا لتتخطى الخمس سنوات كمستمع ولكني نجحت في نهاية السنة الدراسيةمتفوقا على الجميع كما ذكر ذلك استاذي وصديق المرحوم الوالد ناظم أفندي وساحدثكم عن تلك الأيام في الحلقات القادمة من مذكراتي.

‫الغريب ان نفس هؤلاء الناس اللذين استقبلوا جلالة الملك قبل اشهر فقط اكانو أنفسهم يهتفون اليوم وبفرح للجمهورية و قادتها وقد ملئوا اللوريات بينما شد بعظهم وشاحا احمرا على ساعده الأيسر واخرون كان لون وشاحهم اصفر.

‫اما القوم فكانوا هائجين حيث تم القبض على العديد من الأغوات الكرد وكانت بنت مدير المحطة تهتف علنا طالبة بشنقهم والقوم متجمعين أمام البناية يهجمون على شبابيك المحطة الجديدة وغضبهم يصب على احد الأغوات الكرد من الهركيين الجالس بصمت يملئه الخوف في صالة المحطة وكان البعض يهتف قائلا

‫- چيتان ئه وى ئه ى كوردان

‫ويجيب الجمع بصوت واحد

‫- كوشتنى سعيد قزاز*

‫لم اعرف ما سبب الهتاف الا أني عرفت بان الشهيد سعيد قزاز كان وزيرا عادلا إبان الحكم الملكي.

‫اما هديل بنت مدير المحطة فانتحرت لاحقا وترددت شائعات عن حبها لشاب من غير قومها فخرج والدها المفجوع هائما يدور في المدينة هائما بينما كان قد سكب قنينة من حبر پاكر ازرق على وجهه.

‫اعتقدنا انا وصديقي محمود كوزله والصبية انه جن ونحن نعدوا خلفه.

‫كان ذلك اخر أيامنا في المدينة فتركناها بعد اقل من عام عائدون الى مدينة العذابات معشوقتنا كركوك مدينة اجدادنا عام ١٩٥٩ صبيحة ما يسمى مجزرة كركوك وللحديث بقية.

 

‫ توفيق التونجي

.....................

ترجمة الهتاف:

‫ماذا تريدون أيها الكرد

‫مقتل سعيد قزاز

صفحة من مذكراتي الموسومة: التون نامه

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم