صحيفة المثقف

الإنفتاح وإشكالية المفهوم

رحيم زاير الغانمالانفتاح وإشكالية المفهوم على المستوى الثقافي، لما أفرز لنا انساقا وتصورات، أسهمت في انحطاط القيم قبالة من سلك أو لوح بهذا التوجه، الذي عده البعض تكريسا للتبعية والهيمنة الثقافية، وبذا بحسبهم ان مفهوم الانفتاح أخذ بعدا آخر، حتى أننا شهدنا عزل دول عربية سياسيا، وعدها من دول التطبيع والمهادنة،  فلا غرابة ان يُفهم الانفتاح تبعية سياسية بحسب هذا التصور، ومن خلال هذا الفهم والتسليم به، حُددت معسكرات للانفتاح وأخرى للممانعة، فأقصيَ البعض.

السؤال هنا هل عمل الطرف الممانع في ضوء فهم حقيقي للانفتاح؟ أم ان الجدير بنا التنبه إلى طرح سؤال: هل ان الطرف المنفتح/ المعني بالأمر، قرأ الانفتاح قراءة واعية؟ ومن ثمَّ ،هل شقَّ طريقه إليه؟ بمفهوم جديد خارج عن عباءة المحافظة على القيم والعادات والتقاليد التي جُبل عليها ثقافيا/ النسق المغلق، قد نذهب إلى ان الاثنين لم يعيا خطورة النسق الجديد الذي سيتلقف أنساقهم الثقافية الثابتة، ما لم يعيا سوءة الانفتاح على ثقافة الآخر من دون مرتكز حقيقي يُبيِّن موجباته وحدوده وجدواه، لذا يجب ألا يكون الانفتاح على حساب ثقافة وطروحات أحد الطرفين، أي أن يكون متوازيا، متوازنا، متكافئ، من كلا الطرفين.

ان الانفتاح  مرهون بفهمنا خاص به، لا يتعالى او يستعي على متلقيه، بوصف مشروع محدد الرؤى والأفكار والتصورات، في ضوء وعي مسبق للمواجهة الثقافية القادمة/في ظل الانفتاح طبعا؟ أي هل سنواجه (دين، فكر، موروث ثقافي) مسوق الينا من الآخر، مع تمتين عرى مجتمعنا داخليا، والاستعداد لمواجهة الارتدادات الداخلية، مثل موجات التقليد المحفزة للحراك المع أو الضد، والتيارات السياسية التي ستنشأ وبمختلف التوجهات، راديكالية أو ليبرالية، والمواجهة هنا لا تعني الإقصاء، بقدر الاستيعاب، لأن من يشقُّ ساقيةً من جدول صغير، ليس كمن يضع الديناميت، في جسم السد، الساقيةُ تهب الحقل الإرواء ومسحة من جمال فريد، أما السد عند الانفجار، يجرف الأرض ويلقي  هديره الرعب في النفوس ، فمن يوقظ في الشعوب مارد الانفتاح، عليه تقبل  التبادل السلمي للسلطة أو الفوضى، بتوصيفات أرقاها الإصلاح، حقوق الأقليات .....الخ، وهي حقوق شرعية، ولشرعيتها قد لا يستجيب ضيق أفق الانظمة الشمولية اليها.

الانفتاح لا يعني أنك تنفتح على دول الإقليم بقدر انفتاحك على العالم، ومعرفة ما يعنيه العالم، وما تعنيه الفجوة بينك وبين العالم، بل ما تعنيه للعالم جبهتك  الداخلية المترنحة، التي قد تتهاوى مؤسساتها الناشئة الواحدة  تلو الأخرى تباعا.

ان أردت ردم الفجوة بينك وبين الآخر صار لزام عليك ردم فجواتك الداخلية وتحصين بناك المجتمعية وفهمك لتاريخك وتراثك وخصوصيتك، كشعب لان الآخر سيواجهك بهذه التي لا تعتبرها ذات تأثير على ارض الواقع، لكن الآخر/ الغرب، يعدها  ذات فاعلية كبرى، بل هي من مكامن القوة والمنعة، لما تحمله من سمة الأصالة والانتماء لأنها تمنحه الحق في تحقيق المصير، لذا عمل على تمتينها للدفاع عن وجوده ثقافيا مع أي مواجهة تفرض عليه حاضرا أو مستقبلا، فماذا اعددنا للغد، يوم المواجهة مع الآخر المختلف ثقافيا، هل يمكننا كأمة/ عالم عربي، تحديد من نواجه أولا؟ هل نمتلك رؤى مسبقة وفحص لثقافة الآخر تصب في تقبله لثقافتنا؟ أي هل يمكننا المبادرة في تسويق ثقافتنا كأمة الى الامم الاخرى، على اساس وسطيتنا وتقبل الآخر لثقافتنا، هل لنا القدرة على اعادة ترتيب اوراق الأمم الاخرى، لا اساس تقويض مركزياتهم وتأصيل ثقافتنا، بل على اساس أننا من الامم المتقدمة فكريا ولنا قدرة بناء الاخر، بتقديم مثال صالح ومؤثر حضاريا في تجنيب الامم الاخرى الانتكاسات التي قد تتعرض لشرورها أمة من الامم، لنحقق مثالا حضاريا فاعلا نافعا، بالضد من المثال الغربي المستغل، أم هي ردود أفعال، تنتهي بمغامرة فاشلة، على الاعتبار أننا أمة مأزومة  داخليا، تمتلك القدرة على توجيه الاتهام للآخر المختلف ثقافيا/ الغرب، أي أنها وحسب المعطى الحالي، أمة متلقية/ مدافعة ،مع أن الغرب لم يدخل من الشباك على الأقل بعد استقلال الدول العربية، وعلى الأرض تحقق تبادل دبلوماسي على أعلى المستويات، فمن عددته خطرا، وليس بمقدورك مواجهته، تبسط له ذراعيك، بل انك وفي أحلك الظروف قتامة، والتي نحتاج منك موقفا تبسط جسدك باجمعه، غير موارب!؟ -ولكي يفهم ممَّا تقدم بحثه، دعوة لقطع العلاقات بقدر وصفه دعوة إلى حفظ التوازن-، هنا بالتحديد تتحقق التبعية الثقافية بمفهومها الحقيقي، عندما أسأنا فهم ماهية الانفتاح.

ما نشهده هذه الأيام من دعوات للتطبيع مع كيان غاصب، ما هو إلا تكريس لهذا الفهم الخاطئ للانفتاح، الذي تناسل انساقا ثقافية غير ناضجة، كرست للتبعية الثقافية في ضوء قصور الرؤية، مع علمنا المسبق ان هذه الدعوات جاءت كردة فعل لسلوك جمعي عربي مضطرب، في استعداء يفهم من تصرف حكومة ما أو شعب ما، قد يخلق نوعا من فقدان الثقة، وخلخلة في بنيات التوازن الهشة هي الأخرى، فلا غرابة ان تُواجه بردَّات فعل غير مدروسة لكنها في الحقيقة، جاءت في ضوء تنامي دعوات انفصال داخلي، والدول العربية أنموذجا لذلك، لهشاشة بناها الثقافية، قد نجد من يتبنى هذا الأصوات، وينميها، بل أن لديه بمقدوره توصيفها بالحركة الفكرية، وما تداعيات القرار الامريكي المنفرد حول الاعتراف بإمكانية ضم هضبة الجولان الى إسرائيل، من تداعيات الفهم الخاطئ للمفهوم الانف ولا يمكننا عده خارج توصيف الانزلاق بجبِّ الانفتاح غير واضح المعالم، بوصفه جاء بعد تخلل البنى العربية من الداخل، وانهيار كامل لسيطرة مؤسسات الدولة أمنيا واداريا، لتماهي الانظمة الحاكمة مع أجواء سياسة الفضاء المغلق ايدلوجيا، والمنسجم مع ثقافة الغرب سلوكيا فحدث ما لا يحمد عقباه.

في ضوء ما تقدم هل باتت الأزمات الداخلية، تودي بالمشروع، أم ان المشروع لم يكن واضح المعالم، مما أطاح بالآمال الكبرى، فلا غرابة من تنامي دعوات التطبيع، بوصفها ترسيخ لمفهوم التبعية الجديدة، التي تبدو التبعية الشعبية من متبنياتها الفعلية، وهذا الاخير من أشد التبعيات خطورة، كونه ينذر بنسف قواعد الأمة شعبيا.

 

رحيم زاير الغانم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم