صحيفة المثقف

الحراك الثقافي.. حراك كم أم حراك نوع؟!

رحيم زاير الغانمفي ظلِّ الحراك الثقافي الذي نشط في فترة ما بعد التغيير برزت للعلن أسماء وعناوين لفتت لها أنظار الجميع، وبدأت تتصدر المشهد برمته، حتى بات المتتبع العادي أو المختص، يهدر من وقته الكثير لمتابعة ما ينتج عنها، لكن المتتبع فوجئ بانهيال كم هائل كنتاج مرحلة ما بعد التغيير، أصبح من الصعوبة مجاراتها قرائيا وفرز غثّها من سمينها، كيف به ان احتاج الأمر بالمتتبع ان اراد فرز النوع الفاعل من هذا (الكم) الذي صار عامل من عوامل صرف ذهن المتلقي عمَّا تجود به الطاقات الحقَّة على اعتبار أنها تمثل النوعي المائز، لكن ما تم كشفه من تشاكل النتاجات وتعالقها  أربكت  المشهد الثقافي برمته، ليتبلور توجه جديد كردة فعل تجاه ما أفرزته المرحلة.

في الحقيقة الوهن الذي أصاب المنظومة الثقافية وأن أشرنا إلى أسباب تناميه في مقال سابق، ولا بأس في التذكير ببعضها لصلتها بجوهر ما سيتم طرحه، فمن جملة الأسباب غياب المؤسسة الرصينة التي ترعى النتاجات الثقافية بمختلف توجهاتها، (أدب، فكر، فنون، علوم حديثة، نظريات اقتصادية.....الخ)، ليس من المستبعد انحطاط ثقافي يضرب اطناب الوسط النوعي، لمزاحمة الكمي / الرديء،  من خلال تصدي بعض الإفراد للحراك الثقافي في فترة ما بعد التغيير بخلفيات ثقافية بسيطة جنبا إلى جنب مع الطاقات المتنورة/ ظاهرا ومضمونا، عدا ذلك تصدرها المشهد، التي لا تنم عن عدم إدراك ووعي لخطورة التحديات من قبلها فحسب، بل خطورة عزوف النوعي عن مجاراة الآخر/ التحدي وما ينتج عنه، من مواجهة مستقبلا، ولا نجامل من تقاعس المثقف الحقيقي وانكفاءه على نفسه وترك دفة الثقافة لتديرها فزاعات برداء وعصا تبيض على عصفورة أم رأسها الطير ولا ردة فعل غير الزعيق والنعيق، من دون شعور بالمسؤولية الأخلاقية اتجاه طرح الأفضل للساحة الثقافية، وما دمنا لا نقدم النموذج الحقيقي لقيادة المؤسسة مفترض الفاعلية بمواصفة رأس الهرم، صاحب الرؤية والفكر النيِّر، قد لا نمتلك القدرة على إحقاق النوع الثقافي الأصيل، على قاعدة، (فاقد الشيء لا يعطيه)، ان الخوض في هكذا موضوعات فيه دعوة للجميع إلى  مراجعة الذات، وخلق الأجواء الثقافية الملائمة، لكي نستعيد ثقة المتلقي بنا مجددا ما دامت الورش في مختلف المحافظات العراقية تتبنى عزوف مختلف الفئات عن تلقي المعرفة، ممثلة بقطيعة دائمة مع القراءة والاطلاع، إذ عُدَّ الكتاب آخر الهم، وهنا يأتي الدور التنويري للمثقف النوعي، فالنوع لا يقف عند حدّ النتاج فقط، بل ان من واجباته التصدي، عبر إبراز أهمية العقل، ان القراءة لا تتجمد عند حقل من دون حقل ثانٍ،  لكي تتسع المدارك العقلية والمعرفية التي نتأسف لتقويض فعلها في أذهان فئة الشباب، هذه الفئة المهمة والفاعلة في بناء الوطن والإنسان وما قد يناط  بها من حمل راية التنوير في الميادين كافة.

ولا نبغي دورا للشباب في نطاق الحقل الأدبي أو الفني، وإنما مطلبنا يتعداه إلى حقول  في، (العلوم والاقتصاد والتقنيات الحديثة) التي أصبحت عصب الحياة، وفضاء رحب لتقدم الأمم، الذي يمكننا من خلاله رفع قدراتنا المعيشية والانتعاش الاقتصادي.

قد يتبادر إلى ذهن البعض ان خطابنا  موجها الى مؤسسة بعينها، أو انه يخص في بعضه مؤسسة من دون غيرها، ان عجلة الثقافة لا تقف عند عتبة أو تتجاوز شريحة ما ، بل تتعداها إلى مختلف التوجهات، من اجل خلق فهم جديد عن الثقافة، الثقافة ليست كلمة تطلق جزافاً فهي ليست عنوانا مؤسسي خامل، او وظيفي ينتهي دوره بمجرد اكتمال تحققه، الثقافة فعل، ولكل فعل نتائجه، الثقافة منجز، يمكننا تطبيقه على ارض الواقع، الثقافة بحث علمي لا يافطات تعلق على الجدران، الثقافة إنعاش لفتور الكساد العقلي والعلمي والاقتصادي والمعرفي، الثقافة حياة، فلا سبيل لتوقفها.

مما تقدم يجب التنبه إلى الكم  بمقدار التنبه للنوع، مع مراعاة الكم/ الفائض، عن الثقافة، إي ما يطرح من نتاج ثقافي، والكم الهائل/ الفائض، البشري المستشري في مفاصل المؤسسات الحيوية، الذي ان تمكنا من تدويره لخلصنا إلى حلول سريعة من شأنها بث ثقافة الحياة، في مفاصل هامة ذات جدوى، ويأتي هذا من تمكن  النوعي الثقافي/ الطاقة البشرية الخلاقة، إدارة وفق رؤية واضحة غير مشتتة، في اقتصاد للموارد والطاقات، وبهذا نكون قد وصلنا للمبتغى، مع مراعاة تقويم وتنمية الكم/ الفائض، من اجل دفع عجلة الحياة، فليس الهدف إقصاء الآخر بقدر توفير فرصة حقيقة له ليعرف نفسه ومستوى إمكاناته، ولنعمل معه لتنميتها، وليس بغريب فقد نجده في يوم ما يتصدى بفهمه الجديد وفق منهج علمي الذي سيمنحه الكفاءة المرجوة.

 

رحيم زاير الغانم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم