صحيفة المثقف

إشكالية تعريف المواطنة وهويتها

رائد عبيستجتهد كثير من الأفكار في تعريف مفاهيم فضفاضة، دون الوقوف على جذر نشأته أو إمكانيات تعريفه أو فهمه او تبنيه و من هذه المفاهيم هو مفهوم المواطنة وهويتها. لذلك لا نستشهد هنا باي تعريف للمواطنة، لأني لا اتفق مع تعريف هذا المفهوم بشكل عام، والسبب أن مقوماته غير موجودة. أما التعريفات المتداولة في المعاجم السياسية، والاجتماعية، فهي من وجهة نظرنا تعريفات نخبوية، لا تظهر المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة وهويتها و لأنها تعريفات أحادية الجانب وأحادية البعد.

كيف؟ ولماذا؟ الإجابة عن الكيفية يحتاج إلى الكمية، وبما أن الكمية لا يمكن امتلاكها، تبقى الكيفية قاصرة عن الانتاج. والسبب يعود إلى أن التركيز على أبعاد محددة يوليها الكاتب، أو الباحث، أو المنظر، أو المعرف لمفهوم المواطنة تحمل وجهة نظر فردية لا وجهة نظر الكم وبهذا نفقد الكيف. تعريف المواطنة بحاجة إلى استقراء تام كامل غير ناقص مستوفي لا مستهوي، يشمل الكل بدون اختيار، ويسأل الكل بدون اختبار. من اجل أن يتحقق المعنى المراد للتعريف، اي أننا نرفض الاختزال في المقال وتعريفه. بما أن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق، يبقى تعريف المواطنة غير متحقق البته.

المواطنة هي شعور، لا يمكن أن يختزله مترف، أو نخبوي، أو مثقف غير عضوي، أو مثقف منطوي.

من اجل أن يتملك هذا الشعور الجميع، علينا أن نأخذ راي بائعة الفجل، وراعي الغنم، وسائق الحمار، والطبيب، والسياسي، والاكاديمي عن معنى المواطنة، ونرى في الوقت نفسه، هل أن معنى المواطنة متحقق في مشاعر كل منهما بالتساوي؟! وهنا لا علاقة لنا بالتفاوت الاجتماعي والطبقي، بل لنا علاقة بالإحساس، بكونهم يحملونه كلهم متساوون به وهو بطاقاتهم الوطنية التي تعرف بهم رسمياً، دون أن تعرف بهم معنوياً!! اي نقصد أن المواطنة هي شعور معنوي متحصل بعد تحصل الحقوق، ومنح الدولة اياها لمواطنيها عبر سعيها إلى منح حقوقهم بالتساوي، مثلما تساوي بهم ببطاقة تعريفية تسمى الجنسية أو البطاقة الوطنية.

اذا نحن أمام إشكالية تعريف حقيقي للمواطنة ومحاولة الامساك به، لا سيما وأن المواطنة ترتبط بمفهوم الوطن، لا مواطنة بدون وطن، سواء الوطن الام او البديل، كلاهما يجب أن يشعراك بانتماءك والا لا يمكن عدهما وطنناً.

ولا يمكن أيضا أن نفهم المواطنة ببعدها الطبقي لان المواطنة ضد الطبقية.

فالمواطن عند جمهور الحفاة، غيرها عند جمهور المترفين، والمواطنة عند شريحة الموظفين غيرها عند شريحة العاطلين عن العمل. والمواطنة عند شريحة الفلاحين غيرها عند من لا يملك شيء. هذه الجدلية الاجتماعية التي تحول دون انتاج اي تعريف لمفهوم المواطنة ومعانيها. فعندما تغيب المواطنة تغيب معها كل معانيها، أو عندما تتواجد بشكل طبقي عندها ستتشوه كل مداليلها ومعانيها.

لذا نرى أن مفهوم المواطنة لا يتكون الا عبر مجموعة مفاهيم منها: الحق، والمساواة، والعدالة، والحرية، بخلاف ذلك لا يمكن لنا الحديث عن مواطنة ووطنية وتعريفها وإملاء عقول الناس والأطفال بها دون أن يتحقق منها شيء، فهذه المفاهيم لا يكفي انها تلقن في المدارس أو من خلال الإعلام أو من خلال إذاعتها كمفاهيم عامة، لا يمكن إدراك هذه المفاهيم لأنها تتعلق بالممارسة الفعلية لتكوينها وتطبيقها.

طالما نجد ان ادوات تطبيق هذه المفاهيم تستند إلى اخطاء جسيمة تدخل كمعايير أخرى بعيدة عن روح المواطنة مثل المحسوبية أو المنسوبية أو الولاءات والانتماءات البديلة عن الانتماء الكبير وهو انتماء الوطن. العراق وأبناءه يتطلعون إلى تجاوز نمطية التفكير القروي، أو القبلي، أو العشائري، أو الحزبي، أو العقائدي أو النفعي في إدارة البلد، لأنهم يطمحون الى تحقيق المواطنة والعيش الكريم وبناء بلدهم بأسس صحيحة ينالوا بها حقوقهم ويعزز إليه انتماؤهم.

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم