صحيفة المثقف

العلمانية والإسلامية وإشكالية التَضَادّ

رائد عبيسكثيرا ما تعاني المجتمعات العربية والإسلامية من جراء هذين التوصيفين من مشاكل مزمنة، اذا لم تعد هذه الصفة هي مجرد تعبير عن اعتماد منهج أو فلسفة أو نظرية أو ثقافة، بل تعداه الى بعد وأعمق من ذلك، وهو تحول هذه الأوصاف الى إيديولوجيا وممارسة. تحتم على كل من يملك أي من هذه الجهات أن يعكسها بشكل استفزازي ومضاد للآخر، وكأنما هناك صراع مفاضلة وكل طرف يحاول أن ينال غايته على الطرف الثاني. ممكن أن نرجع اسباب ذلك إلى عدة مسائل :

١ - النُعَرَةٌ الذاتية القائمة على الأنانية.

٢- سيطرة القبلية المستبطنة على المتبنيات اي كان مصدرها وانماطها.

٣- ثقافة المزاحمية والمنافسة اللا موضوعية بناء على منطق الغلبة والتضاد.

٤-  البيئة التاريخية تطرد الدخيل الثقافي بعامل الوراثة وحكم التاريخ.

٥- هيمنة الدين على المزاج الفكري العام الذي يجعل من التبدل الثقافي أمر متذبذب.

٦- قوة الدين الشعبوي الذي يمزج بين العشائرية والمتوارث الاجتماعي والفلكلور والحكايات والأساطير، تطرد ما هو معرفي وان كانت هذه المعرفة تحمل صبغة ايديولوجية.

٧-  غياب المعرفة والثقافة والعلم، يعد من أبرز العوامل التي تؤدي إلى الخلط بين مفهومي العلمانية والإسلامية.

8 - المقارنة غير الواقعية بين العلمانية بكونها نتاج نظري بشري وبين الاسلام بكونه دين مقدس. يجعل من عوامل الترجيح تميل إلى المهيمن منهما أو هيمنة الدين على الفضاء العام.

هذه أبرز الأسباب التي تعد مصدر لإشكالية التضاد بين العلمانية أو الاسلامية والتي يذهب بها المجتمع إلى حد المغالات والمبالغة وصنع المخاوف بينهما بطريقة غير عادلة.

فالمجتمع المتظالم يحرك هذا التضاد بطريقة إيديولوجيا متخاصمة، يحدث على أثره صراع اجتماعي، وربما ينتهي إلى حروب، كحال العراق في بداية دخول الشيوعية وانتشارها بين الأوساط الجماهيرية، أو كبداية ظهور حزب البعث الذي اختفت معه أحزاب أخرى مشابهة، وصراعه الأيديولوجي مع حزب الدعوة الإسلامي، هذه عناوين أما متخاصمة مع الشبيه أو متخاصمة مع الضد أو تحولها إلى ما يشبه ضدها حتى يخفف النقد عليها دون الإيمان بها، حجة منه للعمل على مخاطبة مزاج الجماهير المتطلعة إلى أنماط أخرى من الحياة بعد أن ملت حياتها بلون واحد، كتحول حزب البعث من حزب علماني يميني الى حزب مؤمن بالحملة الإيمانية التي قادها ليعضد سلطته بإيمان أتباعه المضمر خلف ولاء علماني مزيف.

في أيام القسوة، أو الكبت السياسي، وصراعه، وسطوته اتضحت قضايا ذات بعد سايكولوجي تجد فيه الناس اكثر تمسكا بمبادئها اتجاه قضاياها لان هناك مصدر تهديد واحد يحاولون على الدوام أن يتصلبوا أمامه ويعضدوه.

أما بعد التغيير بعد ٢٠٠٣ تلاشت قيم الحرس على المبادئ وذلك لسبب سايكولوجي ايضا ولكن تحت تأثير عوامل مختلفة،منها الانفتاح، وكثرة الأطراف المعادية، وشعور من كانوا مُتصديين لقضية التصلب لتلك المبادئ ضعفت بسبب تحقيق أهدافها، وهي سقوط الديكتاتورية وحصولهم على مكاسب سياسية، ومادية وغيرها اشغلتهم عن عصامية النضال ورسالته.

فضلا عن تبني نظريات سياسية خارج سياق التفكير التقليدي لزمن المعارضة مثل مفاهيم الديمقراطية وتطبيقاتها، وسياسة المحاصصة، وسياسية الاعتراف بالمكونات وتنوعها،  وقضية هوية الدولة بعد أن كان طموحهم إدارتها بصيغة حكم إسلامي كما يدعون. فضلا عن تحول بعضهم من اليمينية إلى اليسارية أو العكس،فضلا عن الانشقاقات بين الأحزاب وظهور قوى اجتماعية غير متوقعة وتنامي سطوتها داخليا ككيان سياسية واجتماعية موازي لمشاريعهم السياسية الطموح تطبيقها وتبنيها.

هذه كلها خيبات ترادفت على العملية السياسية ومتبنيها فأضعفت توصيفاتها في الوسط الاجتماعي، بل وأصبحت منبوذة ومستنجنة، وعلى الرغم من ذلك لا يتردد جمهور العلمانية أو جمهور الإسلامية من التراشق بالنبذ وكيل التهم ونسب الفشل لبعضهم البعض. وكان العلمانية هي المسؤولة عن إخفاق متينيها أو الإسلام مسؤول في إخفاق أتباعه.

هل ممكن أن يتجاوز المجتمع هذه التوصيفات ليدرك أن المشكلة فيه وحده؟

هذا سؤال بحاجة إلى جواب جماعي متأني وصبور وغيور حتى يكسب صفة الموضوعية والمنطقية والواقعية، لندرك به أن المجتمع الذي يناقش مفاهيم وهو متجاوز لكل اشكالياته، إنما هو مجتمع واع بكل متطلباته التي تحتاج إلى تجاوز مفاهيم وإشكاليات عاجز عن تحديد أبعادها على المدى القريب، أو البعيد وبهذا يكون قد فقد مستقبله.

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم