صحيفة المثقف

النخبة الثقافية وعلاقاتها مع السلطة والمجتمع

بكر السباتينالأنتلجنسيا الحديثة (النخبة الثقافية وعلاقاتها مع السلطة والمجتمع) تعزز الانفتاح الثقافي على الأخر بموضوعية، والتحرر من الأنا الطاغية؛ لكي يكون المثقف العضوي المتمكن وحامل الرسالة قادراً على التواصل الفعلي مع مجتمعه، لذلك عليه أن يطور في لغته المفهومة بحيث لا يتعامل مع هذه اللغة انطلاقاً من المنافسة المعرفية القائمة على تغريب الصور الفنية، مع أقرانه، والتي تؤدي إلى ضبابية المعنى وغموض الأهداف، بل لكي يقدم المعرفة إلى المواطن العادي بعيداً عن لغة التعليم ذات الاتجاه الواحد، بل تحفيزه على التعلم من تجربة الكاتب نفسه خلال الحوار عبر اللغة الراجعة، المحملة بأسئلة المتلقي ومعطيات النقد المتاحة، كل حسب قدرته وما يملك من أدوات فنية، حتى لو سادت لغته الراجعة سذاجة الحكم على نص الرسالة.. فتطوير النص يقوم على ذلك. أي أننا نحتاج من المثقف الكاتب المبدع الحقيقي أن يتحول من شخص يتحدث إلى المجتمع من على برجه العاجي، إلى شخص آخر يخاطب المجتمع بعيداً عن النرجسية والتعالي، أو المهاترات النظرية والاختلافات التأويلية للنصوص النظرية. إن التواصل بين المثقف والمتلقي ليس مظهراً اجتماعياً بل هو لغة تأخذ مفرداتها من طبيعة الموضوع وسياقه العام.. إي أنها قناة باتجاهين (موجّهة وراجعة) ذات تقنيات تؤمن إيصال الرسالة بموضوعية وتتقبل النقد الإيجابي عبر الحوار وتقبل الآخر بما لدى صاحب الرسالة من ثقة بالنفس وإيمان بالفكرة ومقدرة على التواصل وفهم الآخر من خلال معرفته بالبرمجة اللغوية والعصبية التي تساعده على سبر أغوار المتلقي والتأثير فيه..

وينبغي التذكير أيضاً إلى أن المثقف الذي يعيش كالحلزونة في قوقعته لا يستطعم جوهر البحر وتداعيات الحياة في الأعماق، ولا يستطيع إدراك العلاقة بين سمك القرش والسلمون! وهو إن جذف بخياله في مياه النوافير المنتشرة في الفنادق والمتنزهات العامة حيث يرغب أن يتواجد؛ فهو لن يقدر على تحليل لغة الشلال الذي ينتهي إليه نهر الواقع بحلوه ومرّه.. وقس على ذلك حال المثقف الذي يتماهى مع الواقع وفق رغباته الحسية ومصالحة حيث أنه سيكون عاجزاً عن مواجهة القضايا الكبيرة حتى لو كان من أعمدة الثقافة.. من هنا يمكن فهم لماذا تنجح باكورة أعمال بعض الكتاب فيما تنطوي بقية أعمالهم في جوف الغياب.. الثقافة جوهر وسلطة محفزة على التغيير والكتابة الإبداعية تمثل موقف الكاتب كأحد المؤثرين في المشهد الثقافي وهي جزء من كيانه الإنساني ولعلها تمثل شخصيته بكل أبعادها في عالم يتغير ولا يمكن حبسه في قارورة..

هذا ينطبق على المثقف بكل توجهاته الفكرية والدينية والسياسية حتى لا يتحول الواحد فيهم إلى مُنًظرٍ مُتَفَذْلِكٍ أو رئيس عصابة..

من هنا يكون المثقف قادراً على استلهام الواقع والتاريخ وإعادة إنتاجهما ليحفزا ألطاقة الإيجابية في جيل الشباب من أجل التغيير نحو الأفضل..

 

بقلم بكر السباتين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم