صحيفة المثقف

عن سِحْرِ الشعْرِ وحِكْمةِ البيان

مصطفى عليفي البَدْءِ كانَ الحرْفُ ناراً

من بُروقٍ في سماء الكلماتْ

*

ثُمَّ إستوى كالشمسِ في قلبِ

الفتى الساري الى وجدانهِ

المفتونِ في سِحْرِ الُّلغاتْ

*

أعني لُغاتِ الوجْدِ مُزدانٍ

بِبذْلِ الروحِ والإخلاصِ

لا نحْتُ النُحاة

*

أوما إليها جَفْنُهُ النعْسانُ من

طولِ النوى والإغترابْ

*

سارا معاً خلْفَ السرابْ

حتى إذا ما بَلَغا سوراً قديماً للبلادْ

تَفَتّحتْ أبوابُهُ الكسْلى مساءاً وإنتشتْ

بالزائريْنِ القادميْنِ من قلبِ الضباب

*

هاجا غناءاً يتْلوانَ الشعْرَ في

سوحِ الديارْ

*

كي يهجُرَ المأزومُ ديجوراً

تمادى عابراً نحو النهار

*

فاضتْ بُحورُ الشعْرِ أنواراً

كما فاضتْ بحار

*

في قلبِ صِدّيقٍ تعافى من قيود الوهْمِ

أو زيفِ الهوى والمغْريات

*

صارَ البيانُ المُنتقى درباً وحيداً للنجاة

إذ كادَ يلقى في سِلالِ الوجْدِ

لولا الريحُ أسرارَ الحياة

*

أوّاهُ ما أحلى وما أقسى الحياة

إنّي أنا المُغْترُّ فيها رغْمَ كابوسِ الطُغاة

لكنّني مازلْتُ يُغريني بها

بُقيا بَصيصٍ من قناديلِ الجمال

*

نوراً يُحاكي لُغتي حَدَّ إرتشافِ

الشعْرِ أنهارَ الخيال

*

ها قد سألتُ الكاهنَ العرّافَ عن

سِرِّ القوافي والمجاز

*

مُذْ دارَ حوْلَ ألسِدْرةِ السكرى

يُغني كالهزارْ

*

قدّتْ أناشيدُ الورى قُبْحَ النشاز

*

في المعبدِ المهجورِ في آشورَ

والورْكاءَ والفُسْطاطِ أو

أرضِ الحجازْ

*

سائلْتُهُ عن (سَبْعةٍ)

عُلِّقْنَ فَوْقَ الكعبةِ الجذلى

بها الضِلّيلُ لو تدرينَ فازْ

*

رافقْتُ حادي العيسِ في

حَجٍّ إليها ضامِراً دُونَ جَوازْ

*

سائلْتُهُ عن حِكمةٍ تغفو بأهدابِ البيان

*

إذ هكذا قد قالها من أشْعلَ التنّورَ

في روحِ الكيانْ

*

أيْقونةً صارتْ لأصحابِ النُهى

عَبْرَ الزمان

*

فالخلْقُ يرْقى حينما يسمو

بأرواحِ الورى أسمى الكلام

*

مَنْ يُشْعلُ الفانوسَ ليلاً

في لِسانِ الضادِ إذ تاهَ الأنامْ

*

يالاعِناً طُغيانَ أربابِ الخطايا والشُرور

*

هل ترتضي أشباحَ من ناموا دهوراً

في دهاليزِ الظلام

*

قُمْ نرفعِ الاوهامَ عن أكتافِ تاريخٍ بَدا

في اللاوَعي الجمْعيِّ كوماً من رُكام

*

عن عقْلِنا الجمْعيِّ غيماً

من دُخانٍ أو غُبارْ

*

طوبى لحرْفٍ يمنحُ الأشعارَ

ضوءاً في كُهوفِ الذاكرة

*

طوبى لشعرٍ في قوافيهِ غيومٌ ماطِرة

تُطفي لظى الأرواحَ عند الهاجرة

تبتلُّ فيها كُلَّما ضاقتُ نفوسٌ حائرة

*

فالشعْرُ كانَ المُبتدا

والمُنتهى شعرٌ بهِ مِسْكُ الخِتامُ

*

واللهِ لولا ذلكَ السِحْرُ المُوشّى

بالهديلِ العذْبِ من سِرْبِ الحمام

واللهِ لولا سكْرةُ الأشعارِ صُبْحاً

في صدى فيروزِ معسولاً

بأوجاعِ الغرام

لولا دُموعُ أللهِ فجراً في ندى الأزهارِ

سكرى من أبارقِ الغمام

*

لإنتابني شكٌّ مريرٌ بالذي

قد قالهُ العُشّاقُ يوْماً

في أناشيدِ السلام

*

في لُغتي يخضرُّ صُبّارُ الفلا

في ظِلِّهِ يعدو ويختالُ الغزال

في بهجةٍ يتلو لأهلِ الضادِ أنغامَ الوصال

لا شيءَ إلّا لُغتي

ترْفو ثُقوباً في طواميرِ السِمالْ

*

ربّاهُ ما أحلى وما أشقى الديارْ

والناسُ في أرجاءها ، أعني هُناك

من أطلسيٍّ هادرٍ حتى عباءاتِ الخليجْ

حيثُ الردى في صرْخةِ السيّابِ

يعوي والنشيجْ

*

والسوسنُ المدفونُ في كُثْبانها

خانتْهُ واحاتُ البوادي

فإنزوى عنهُ الأريجْ

*

قد لاذَ بالإيقاعِ والمعنى نفوراً

من تخاريفِ الضجيج

*

والناسُ في أرجاءها ، قومي هُناك

تاهوا سُكارى دونما حادٍ

بوديانِ الغسق

*

إذ لاحَ طوفانٌ ولا لوْحٌ تراءى

بين كُثبانِ الرمال

أو لا نبيٌّ كي يرى

ألْواحَهُ الحُبلى بآلامِ السُؤال

*

هل ثمَّ ضوءٌ في نهاياتِ النفق

هل ثمَّ ( نوحٌ ) أو نذيرٌ

يُنذِرُ القوْمَ بأهوالِ الغرق

*

يا ويلكم ، نادى عليكم شاعِرٌ من نسلِكم

فالتسْمعوهُ مرّةً

حسْبُ المُعنّى في هوى أسلافِهِ

أن صيّرَ الأشعارَ ناقوساً لَهُ

لمّا رأى الزرقاءَ في أحلامِهِ مذعورةً

أقعى على الناقوسِ مذعوراً ودقْ

ياليتهم قد أنصفوا صبّاً

نصوحاً قد صدقْ

***

مصطفى علي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم