صحيفة المثقف

العندليب في القفص

بكر السباتينها هو عنترة يمتشق سيف الرجولة متباهيًا  بشاربيه كأنهما خلقا ليقف عليهما الصقر.. ويستحوذ صاحبنا الغضنفر على انتباه عبلة.. تزوجها وهي كاتبة مشهورة، بناء على قصة حب جمعتهما وتقبل على مضض نشاطاتها الأدبية وخاصة في مجال كتابة القصة القصيرة، وسمح لها عنترة بالمشاركة في فعالياتها المنتشرة في العاصمة والمحافظات، وكان المرافق الأمين لها حتى لا يكون الشيطان ثالثهما في خلواتها البريئة مع الجمهور أثناء قراءتها للنصوص الإبداعية، فيمارس معها دور المحرم كأنهما  يقصدان أرض الحجاز؛ ولكن حينما مرضت ابنتهما وارتفعت درجة حرارتها، فلم تنخفض مؤشراتها بفعل الكمادات الباردة ولا السهر عليها موصلة الليل بالنهار، فتضطر لأخذ إجازة طارئة من العمل حتى تتفرغ لابنتها التي حنطها الصقيع، فتجد نفسها مضطرة لإدخال صغيرتها المستشفى.

وفجأة تباغت عبلة عاصفة قادمة من اليباب المتجمد دون مقدمات، إذ يدخل عنترة المشهد بسيفه الخشبي المسلول ويكشر عن أنيابه، حيث أخذ يعامل زوجته رغم مصابها الجلل دون مراعاة لمشاعرها، كشيء يمتلكه دون أن يكون له كيان، فيعتقلها حتى آخر فكرة تنبض في عقلها أو رعشة تنتفض في قلبها.. اتهمها زوجها بالتقصير والإهمال، ومنعها من مزاولة نشاطاتها الأدبية، وصرخ فيها قائلاً:

 "فقط مارسي الكتابة وأنت في البيت ولا داعي للندوات التي تهدر وقتك،حتى لا تتعرض ابنتك مرة ثانية لوعكة صحية كهذه، ألا يكفي أنني تقبلت كونك موظفة في المحكمة على حساب راحتي!"

مع أن عنترة كان يواظب على حضور ندواتها  حتى قبل زواجهما، حيث تعرف عليها في إحداها.. وظل بعد الزواج يواظب على الحضور بمعيتها ربما من باب الغيرة، والتوجس، هذا قبل أن يغلق على العندليب القفص بحجة مرض ابنتهما، حتى أنه حلف عليها أخيراً يمين الطلاق إن هي تواصلت مع الأدباء ولو هاتفياً في أمور تتعلق بالأمسيات القصصية.. آمراً:

 "هذه صفحتك على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك أنشري عليها ما تشائين وكفاك تسيباً"..

وفي حومة كل ذلك كانت منطوية على وجعها ومأخوذة العقل والوجدان إلى مرض ابنتها، تاركة عنترة يقارع طواحين الهواء بسيفه الخشبي خارج المشهد الحميم.. وكانت على  يقين بأن حبيبها عنترة وفي مجالسه الخاصة يتباهى دائماً بأنه زوج عبلة، تلك الكاتبة القصصية التي لا يشق لها غبار.. وها هو الأمل يبتسم في قلب عبلة ،الأم، التى هدّها التعب حتى أوشكت على النوم، حينما شاهدت مؤشر الحرارة في الجهاز المتصل بذراع صغيرتها وهي على سرير الشفاء، يهبط إلى المعدل الطبيعي.. ويصدر أصواتاً تحذيرية مع وميض الأمان الأخضر المتقطع.. ستتصل إذن بحبيبها كي تطمئنه على صحة ابنتهما. وفعلت  ذلك وقد وجدته مستيقظا. فيطير قلبه فرحاً وقد هرس عقب السيجارة الأخير في المنفضة الممتلئة برماد همومه المتلظية في عقله وقلبه، كأنه حطم سيفه الخشبي أو أدخله في غمده.. ليس تدري!!..

 

بقلم بكر السباتين

قصة واقعية، الثلاثاء ١٦ أكتوبر ٢٠١٩

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم