صحيفة المثقف

الحقائق في الخيال العلمي

مهدي الصافيثبت ان العالم انشتاين لم يكن مخطئا في علوم الفيزياء، يوم حددت نظريته النسبية بعض الحقائق العلمية حول الابعاد الاربعة للاشياء، وتحديد قوة الجاذبية الهائلة للثقوب السوداء، والمسافات الزمنية الضوئية للمجرات والكواكب وبعدها عن الارض، حيث خرجت قبل عدة ايام وكالة ناسا لتظهرلنا حقيقة تلك الظاهرة الكونية الغريبة (صور الثقوب السوداء)، مؤكدة على ان الخيال العلمي لافلام هوليود كانت دقيقة وقريبة نسبيا من الواقع ...

نعتقد ان الخيال العلمي للعباقرة والمفكرين والعلماء والباحثين وبدرجات متفاوتة لبقية البشر (الذي يسمى في الازمنة الغابرة بالالهام او المعجزة او الاتصال الروحي مع السماء اوعلم الغيب او حتى مايقال عنه في الشارع المقدس بالوحي) هو الاصل في الاكتشاف والاستنتاج والتجربة والانجاز، اي بعبارة اخرى يمكن القول ان كل خيال علمي هو حقيقة او امر قابل للتطبيق ان توفرت له الظروف الملائمة،

ولعل اول من ركز على حقيقة التأمل والتفكر واعمال العقل في الكون لتوليد مجالات الخيال العلمي هي الحضارات القديمة(الاله والخلود والاختفاء او الصعود الى السماء)، والقران الكريم، وفلاسفة القرون الاخيرة، فكانت تلك الاشارات والمحاولات العلمية هي احدى اهم الاسس المنطقية للاكتشافات العلمية الحديثة، الا ان الاهتمامات العلمية والفكرية تبقى دائما داخل الاطر المحدودة، هي ليست مهنة او تجاربة مربحة، انما خيال علمي يتجسد في صورة حقائق علمية نظرية مؤجلة مخزونة في خيال المفكرين والعلماء، بمعنى اخر اننا نود ان نطرح تلك الظاهرة او هذه الحالة الخاصة (والعامة فلكل انسان خيال عاطفي وانساني واجتماعي وعلمي محدود او نسبي) على انها مفهوم او نظرية علمية شبه ثابتة، اي ان التسارع العلمي التكنولوجي الذي يراه العالم هو نتاج خيال علمي لدى الاذكياء، فتحت له الحضارة الالكترونية الابواب ليصبح اقرب للحقائق العلمية القابلة للتطبيق والتنفيذ كما ذكرنا، وهذه الحالة يمكن تصنيفها على انها ظاهرة متقدمة في مسألة تقارب او تقليص المسافات بين الحقيقة والخيال العلمي، اذ اصبح بالامكان ان يتم تطويع التكنولوجيا عقليا لانجاز اية مشاريع تعد خيالية بالنسبة للكثيرين، فقد بات يسمع في البرامج والنشرات والمجلات العلمية عبارة"العقل الصناعي"...

ان الحاجة والاهمية التربوية والعلمية في الاوساط التعليمية والاكاديمية لاعطاء فضاءات ومساحات واسعة لاستيعاب وتطور الخيال العلمي للاجيال المختلفة كبيرة جدا، عبر فتح مراكز بحوث ودراسات علمية متدرجة، تبدأ من المراحل الدراسية الابتدائية، مرورا بالمراحل الثانوية الى المراحل الجامعية ومابعد التخرج، واعتبارها جزء من دراسة العلوم التطبيقية الطبيعية العملية المعتمدة رسميا، تعطي مجالا كبيرا لتطوير طرق واساليب وادوات البحث والتفكير والابتكار والابداع العلمي، وكذلك تسمح للطلبة والشباب بالابتعاد جزئيا عن النمط الروتيني الكلاسيكي المتحجر او الجامد المعتمد منذ عقود في وسائل التربية والتعليم، اضافة الى انها سترفع من درجة ثقافة ووعي الشارع بتحويل الانظار لى تلك الاهتمامات الدقيقة والمتقدمة علميا، بتحريك العقول وتوجيهها نحو مجالات الابداع العلمي، ولهذا نؤكد على ان الثقافة والوعي لايمكن لها ان تؤثر في اي مجتمع متخلف علميا، مالم يتم اعتماد وسائل العلم والمعرفة الالكترونية، لتطويرالعقول السليمة وتشجيعها على استخدام الادوات والتقنيات القابلة لتنمية الادراكات العقلية لدى بقية بسطاء المجتمع، فتكون عندها القرية والريف عموما قادرة على التواصل مع حضارة المدن عبر وسائط الاندماج والتقارب للحضارة الالكترونية المتاحة، ثم يمكن بعدها ان تسجل النجاحات والطموحات النسبية للمحاولات الثقافية الجادة الموجهة للمجتمع لرفع درجة وعيه وثقافته، لم يعد الخبز كافيا لانقاذ فقراء المجتمع، انما بالعلم يمكن لهم ان يشاركوا بجدية في صناعة دولة الرفاهية، فقارة افريقا ليست اكثر فقرا من اسيا او اوربا، الا ان الجوع والفوضى والحروب القبلية والصراعات الداخلية والانخراط في مافيات تجارة الحروب جاءت بعد الفشل العلمي والاجتماعي والثقافي والاخلاقي المتجذر في المجتمعات البدائية ....

ان رؤية او معرفة وتشخيص مفهوم اونظرية الحقائق داخل الخيال العلمي الانساني، يمكن ان يلمسها الانسان عن طريق العودة بالذاكرة الى الماضي، وكذلك بالعودة الى معظم او اغلب الاسس التي استندت اليها ابحاث وتجارب وبدايات تفكير العلماء والمفكرين، سنجد انها بدأت بمايسمى بالفكرة والتأمل البسيط الذي تطور ليصبح حقيقة في المستقبل (كعلوم الطيران والفضاء والتحكم عن بعد، وجميع الابتكارات والصناعات الدقيقة)، فالخيال العلمي الواسع هو ليس امرا غريبا او خارج المنظومة الفطرية الكونية، انما هو اساس التفكير النظري العلمي، الذي يمكنه ان يشرح او يوضح للناس حقيقة الخلق والتكوين، ونشأة او بدايات تكون الحضارات والاساطير القديمة، والاديان والطوائف والمعاجز، وحركة وتطور المجتمعات الانسانية، وطبيعة حياة الكائنات الاخرى واسرارها، واسباب الانقراض والهجرة لقسم منها، ومعرفة مواقع النجوم والكواكب والمجرات بالنسبة للارض، وتأثير تغير المناخ والبيئة على الحياة الانسانية، الخ.

ان العصر الحالي هو عصر دراسة الفضاء الخارجي المحيط او القريب من الارض نسبة للمجرات البعيدة الغير مكتشفة، وهذا يعني ان العقلية او الفكر الانساني العلمي بدء مرحلة جديدة من البحث والاكتشاف، وهي في طور التكون كحضارة خاصة بعلوم وتكنولوجيا الفضاء التي يمكن اعتبار انها جاءت بعد مرحلة الحضارة الالكترونية او التكنولوجية، فالقوى والامم العظمى اليوم تتسابق فيما بينها في مجال العلوم والاكتشافات الفضائية، مما يتطلب من الدول النامية او الناشئة التي تعتقد ان مجرد الحصول على التقنية النووية او الذرية كافية للدخول في موسوعة او منظومة الدول القوية المتقدمة علميا وعسكريا، ان تبدا مرحلة الدخول الى حضارة تكنولوجيا الفضاء، من خلال انشاء مراكز البحوث والدراسات الفضائية...

الخيال الانساني العلمي او المنطقي او المعرفي هو اساس الفكر والابداع والابتكار والاكتشاف، يشعر الانسان المفكر او العالم ان كل ماموجود في الكون هو نتاج خيال علمي ينزل من السماء الى الارض كالمعجزة..

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم