صحيفة المثقف

تنامي الدين الرذيل وإشكالية مغادرة عقلانيته

رائد عبيسلا تشابه بين دين الرغبة ودين الرب، فكلمة دين توحي تنوع بعد ضمها إلى أي كلمة تحمل بعداً سلبياً أو ايجابياً، تبقى تشير إلى تأثير اعتقادي يترك أثره على المرء، وهذا التأثير يعزز في الإنسان أبعاد مختلفة واهمها هو البعد العقلاني، والبعد المعرفي، والبعد الخيالي. ما أن يتغلب اي من هذه الابعاد وبدون ضابطة ما على الآخر، سوف تنتهي بعلاقة المرء بدينه إلى علاقة مضطربة يسودها عمق من النفاق أو مستوى من السطحية.

ما المقصود بالدين الرذيل؟ الرذالة هي منقصة وسوء ومثلبة،التي تضاد معنى حسنة ومأثرة ومحمدة.

فالدين الحسن هو نقيض الدين السيء، والدين الناقص هو غير الدين الكامل، وتقابل الأضداد في كل معنى نضع قبله الدين ليكتمل أو لينتقص منه.

فالدين الرذيل: هو الدين السيء الناقص الذي لم يكتمل بأحكامه وتعاليمه وفقهه على وفق فهم الرجال له، فالدين لا يمكن أن تحكمه هذه المفاهيم وتحاكمه. بل فيه من العمق ما يجعل من الدين يتجاوز كل الاعماق المدعاة من قبل السطحيين الذي بهم يبدأ يتنامى الدين الرذيل ويقتصر على رؤى واحكام وأحلام فردية، تريد من الدين الحكم، والملك، والشهرة، وتوسيع الحاشية، وكسب الأنصار، والمؤيدين، وخلق المؤلفات من الفراغ، والاحكام من اللاشيء، واصدار الفتاوى الناقصة، والمبطنة بالفتن، والتكفير، والتفسيق، وتحريم المحلل، أو تحليل المحرم، والخروج عن الثوابت، وتشريع المستهجن، وتشريع سنن مشبوهة، وغيرها من الأفعال التي تؤسس على وفق افكار ونوايا مختلفة، مثل التي تسمى بالإسرائيليات، أو باليهوديات، أو بالشبهات، أو بالانشقاقات، أو البدع وغيرها من الأمور التي تؤسس بقصدية التخريب.

وعندما نعود إلى الأبعاد التي حددناها في مقدمة المقال، نجد بعد هذه الأسطر الأخيرة أن المبدأ الأول منها غائب تماماً، وهو العقلانية التي تختزلها الطروحات الدينية المعتدلة، البعيدة عن المزاجية والارتجالية، والأنانية التي تعاني منها الأوساط الدينية أيضا، بدوافع متعددة كالغيرة أو الحسد او التسقيط، وغيرها من الأمور التي تدخل في مسألة التنافس، فالدين لا يستدعي التنافس وان كان كل ما يصدر منه يشكل خاصية ذاتية بتجربة ما، كتجربة الرسول أو من يقترب منه، وهذه شهدناها في مزاحمة الرسول محمد على أمر الخلافة عند بعضهم، لأنهم يتصوروها ملك وسلطة.

فعقلنة الدين يعني اظهار كل محاسنه وكمالاته ومزاياه، وعندما تغيب العقلانية يدخل في تراذله و تهافته وضحالته. و عمق الدين يتضح في عقلانيته واعتداله وتسامحه.

إلى جانب العقلنة وسيادتها، تبدأ المعرفة بالموازاة،ويبدا الدين باظهار علومه المكنونة لفاهميه بهذا البعد، لمعرفة الدين وتحويله من دين احكام وتعاليم، إلى دين معرفة وعلم وفكر، نكون قد ركزنا الدين في عقول أجيال أتباعه اذا ما كسب اتباع جدد من ديانات أخرى بشكل ذاتي وقناعات فردية.

ما المقصود بمعرفة الدين؟

المعرفة الدينية من أجل أن تكون معرفة يجب أن تستند إلى عدة أمور أهمها :

١- اللغة الواضحة البريئة البعيدة عن التشنج والتشدد في العبارة بما توحيه من تقاطعات مع الآخر.

٢- الابتعاد عن الافكار والأحكام التي تعزز الذاتية والنرجسية العقائدية لما لها من أثر سايكولوجي يؤثر على علاقة صاحب الدين بالأديان الأخرى.

٣- محاولة إصدار أحكام وفقه ديني قريب من قناعات جميع أتباع الدين حتى نتجاوز بها الطائفية.

٤- المعرفة هي ضد التعصب للرأي والتعنت للأحكام لأنها توفر مساحة كبيرة من الموضوعية.

٥- المعرفة تزرع السلام العقائدي والتسامح والانبساط عند اتباع الدين.

إن أهمية تنامي البعد المعرفي في الدين، يعني أنه لا يسمح بتنامي التراذل في الدين و رذيلته ورذيلة متبعيه، كما كان عند القاعدة وداعش وغيرها من الحركات المتطرفة والتي تتبع البعد الثالث الذي ذكرناه في هذا المقال، وهو الخيال الديني الذي يتنامى عند الفرد نتيجة غياب البعد الاول والثاني، وبسبب هذه المغادرة للبعد العقلاني والمعرفي، ينشأ الخيال الذي تنميه الاوهام العقائدية والذي يظهر بشكل اساطير، وقصص مختلقة، وأحلام، وتصورات، وخيال جانح نحو أبعاد كبيرة وخطيرة منها إيروسية، وعبادية، وماورائية ميتافيزيقة، وفلكية وحتى طبيعية، كالتي تتعلق بالكرامات المزعومة باطلاً عند مقلدي بعض رجال الدين الأموات منهم والاحياء، فضلا عن قصص عقاب القبر البرزخ، وتخيلات الجنة والنار، وما يحاك حول يوم القيامة من روايات متخيلة بعيدة جدا عن منطق العقل، فضلا عن تصور شكل الله وتخيلهم له بصور متعددة، كبشر أو حيوان أو جماد.

مثل هذا الخيال يمسخ القيم الدينية المعتدلة والأحكام العقلانية عند متبعيه وليس من الدين ومضمونه، فالدين المتخيل هو دين متراذل سيء لا يحمل عمقاً معرفياً، ولا حقيقة تتفق مع العقل يمثل دين الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق، و السذج من شريحة كبيرة من شرائح المجتمعات التي تتلقى الدين بهذا البعد دون غيره، والمشكلة الأكبر في هذا الأمر أن هناك اجندات خارجية وداخلية يقودها ويمثلوها أناس ما مغرضون، يحاولون أن يكون الدين ممثل بهذا البعد فقط، لجرف المجتمع إلى متبنيات هذا الدين الرذيل، المتراذل بهم وبتوجهاتهم النفعية فيه.

ومن اجل أن يكون الدين عامل سلام بين الشعوب جميعاً، يجب إشاعة نمط عقلانيته المتضمنة فيه و بجوهره، وليس بتسطيحه أو تسخيفه وتسذيجه وتتفيهه في قناعات الناس فيه.

وللمقال تتمة ....

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم