صحيفة المثقف

تغريدة في صحراء الرّوح

849 الغرييسيفي متاهات القصيد

عند مُفْتَرَقِ الحروف،

بين تضاريس الكلمات؛

أراني أسير في صحراء الرّوح، بلا دليل

و في قفص الصّدر مصباح يطارد العتمة

في زوايا المستحيل..

تحاصرني أصوات جلبة قادمة من كوكب مارق:

صوت حبيبتي وهي تتوسّل إلي،ّ

 أن ننقذ ما تبقّى من حبّنا الفاشل..

صوت المؤذن خارج أوقات الصّلاة،

 وهو ينادي: حيّ على الجهاد حيّ على النّكاح..

صوت شاعر يكفر بالقوافي، وآخر يرفض التّطبيع مع قصيدة النّثر،

و ثالث يقولها عاليا: "لا رومانسيّة بعد اليوم"..

صوت فيلسوف من "المشّائين" في شارع الحبيب بورقيبة،

 وهو يتلو على رفاقه، ما تيسّر من بركات "ماركس"..

صوت قوميّ عربيّ ثائر،

 يريد توحيد الأمّة من الخليج العربيّ إلى الخليج العربيّ..

صوت مهمّش يائس، يهدّد أن يحرق نفسه على المباشر،

 أمام القنوات التلفزيّة و"مواقع التّواصل الاجتماعيّ" ..

صوت مومس تغنّي على رؤوس الملأ وقد تعتعها السّكر :

" قالوا زيني عامل حالة "

صراخ صبية يلاحقون معتوها فقد آخر خيط يربطه بعالم العقلاء..

أصوات المتسوّلين والباعة الجوّالين،

وحلقات النّقاش السّياسي على قنوات تبحث عن الشّهرة..

وأصوات تلعن خبز الفقراء وصلف الأغنياء..

وأخرى تغنّي نشازا، لربيع تمرّد على كلّ الفصول..

سبعون عاما قد مضت..

وها أنا تائه في صحراء الذّات،

 مبعثر الخطوات

مطوّحا بين المسافات،

أبحث عن زهرة برّية أستنسخ منها عالما يحتفي بالشّمس،

عن قطرة طلّ، أرضع منها جذور الأرض،

 فتنبت عنبا وبقلا

و تملأ صحراء روحي نخيلا وأشجارا وظلّا

كلّا وألف كلاّ ..

لن أترك الظّلام يطفئ قمري،

ولا سحب العواصف تطفئ شمسي..

سأرتق المسافة بيني وبيني،

سأعلّمني حروف الهجاء من جديد

ألمّعها.. أزيل عنها صدأ السّنين..

سأصنع لي ربيعا حقيقيّا

يأكل الطّير منه،

ملاذا للعاشقين

سأرتّب لبلابل أفكاري

عشّا تلوذ به من العاصفة..

سأعلّم النّوارس في وطني،

كيف تغنّي للعائدين من قوارب الموت..

سأعلّم طيور الأيك كيف تنشد

لوطن يحلو فيه العيش

وطن يكفر بالخيانة..

ويصنع المعجزات..

وبعدها سترفرف روحي عاليا

تنثر لعشاق الحياة أشعار الحبّ،

تعزف لهم سيمفونيّة الحياة

***

شعر: محمد الصالح الغريسي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم