صحيفة المثقف

حقلنة الوطن وتدجين المواطن إشكالية ألفة الذل وثقافته

رائد عبيسكيف نعرف كرامة الإنسان العراقي؟ من هذا السؤال المثير لموجع كل أبناء الشعب العراقي، نبدا بتحليل المفاهيم المشوهة المكونة لتعريف الوطن، والمفاهيم المبلورة لمفهوم المواطنة، فأن طبيعة المجتمع العراقي الذي تقتضي التفكير المتأمل والناقد والمفكك لكل القيم السلبية المتكلسة في تاريخ هذا المجتمع والتي ساعدت ورسخت اماكنية تحويل البلد إلى حقل كبير، واذا أقتصرنا الحديث على المراحل الحديثة والمعاصرة من تاريخ العراق، نجد أن عمق الإشكالية يرجع إلى ابعاد اجتماعية خاصة بطبيعة المجتمع والى العوامل والبرامج السياسية التي استغلت هذه الطبيعة، بتسذيج المواطن العراقي سواء عبر الاقطاعية التي مسخت كرامة الإنسان العراقي مدة طويلة أو استغلال سكوته وصبره على الحاكم، وقد جسد به صبره، وقدرة تحمله، واستيعابه الذي تحول فيما بعد إلى ذل مفرط، وهدر كرامة، واعتياد الظلم وتسخيف الحياة، دون أي تنظيم مستمر يذكر، ونعتقد أن سبب التقلبات السياسية ترجع إلى هذا المزاج الحاكم لطبيعة المجتمع. هذا ايضا يفسر الحراك السياسي بطريقة "الفورة" وليس "الثورة" لان الفورة تتبعها الفوضى والثورة المنظمة تنتهي الى نظام واستقرار.كما في تجارب بعض الشعوب العربية التي انتهت بها ثوراتها إلى حكم ثائريها الذين حولوا الثورية الى دكتاتورية، وحكم حقب استمرت لتحفاظ على الثورة وليس على الدول أو الشعوب، وعندما تفقد هذه الثورات بريقها ويضمحل نظامها، تبدأ بتهدد بقاء هذه الدول واستقرار هذه الشعوب، فنراها تتلاشى ويتخلخل المجتمع، ويفقد أمانه ويدخل في أتون حروب محلية كما في اليمن أو طائفية مثل سوريا والعراق أو مصلحية مثل ليبيا. ربما أسهبنا بعيدا عن عنوان المقال وتسائلنا فيه حول كرامة الإنسان العراقي وذكرنا شواهد من العالم العربي، لان ظروفه متشابهة ومتداخلة مع الوضع في العراق وسبب مهم في وجودها فيه، لاسيما حقبة الملكية وبعد الربيع العربي. كيف بدأنا نشعر أن الوطن تحول إلى حقل كبير ؟ وكيف بدأنا نشعر أن المواطن أصبح مدجناً الى حد بعيد ؟ وكيف أدركنا أن كرامته وذلته باتت سياسة عند حاكميه؟ وكيف اصبحت ونمت ثقافة الخضوع المطبق عند هذا الشعب؟ ولماذا هي مستمرة به رغم عالم التواصلية الذي كشف كثير من الحقائق وأعلان المسكوت عنه؟ إن أدرك ذلك لا يحتاج كثير من التأمل عند قلة النخب وأصحاب الوعي الذين انكشف لهم ستار الوهم عن حقائق إدارة هذا البلد، وبدايه تغيير مفهوم الوطن عند ساكنيه إذ أصبحت حدوده لا تحيط بوعي أجياله الذين بدأ يفكرون بطريقة غير تقليدية ومختلفة عن جيل عصر حكم النخب، والرموز، والفكر الرتيب الذي ينتمي إلى عصور القروطسية. إن بدايات التنوير الواعي كفيل بأن يشعرك أنك تعيش ليس بين حدود وطن حاضن بل بين حاضنة حضيرة، تنتظرك للتفقيس لتنشه له جيل مدجن كما الفه بيئته. فشعورنا بأن بلدنا أصبح أشبه بحقل كبير يحتوي اعداد كثيرة من الأفراد الداجنة التي اعتادت كل أنواع العيش وبكل الظروف واقساها، لا يمكن أن تنتهي إلى ثورة عارمة تجتاز حدود ذلك الحقل وعواقب القبول بحدود الضيقة، ما هو مؤلم فعلا أن طبقات مجتمعنا فئاته باتت تنذر بانقسامات كثيرة، تمثل لهم حقولهم المألوفة الذين اعتادوا فضاءها وغذائها وهواءها. يمكن لنا الحديث عن طبيعة المجتمع العراقي بطريقة نفترضها هي تقسيم المجتمع إلى مجتمعات "فكرة تعدد المجتمعات " فمجتمعنا لم يعد مجتمع واحد في الواقع بل هناك عدة مجتمعات متنوعة ومختلفة عن بعضها في الاهتمامات والتفاعلات، مثل هناك مجتمع للسياسيين، وهناك مجتمع لرجال الدين، وهناك مجتمع الجامعات، وهناك مجتمع الفيس بك، وهناك مجتمع تويتر، وهناك مجتمع كروبات التطبيقات المختلفة،وهذه كلها مجتمعات صحيح لها مشتركاتها الكبيرة ولكن لها خصوصياتها الكثيرة ايضا، تدجين هذه المجتمعات أصبح أمر سهلا وبسيط عند كل موجه للتحكم بهذا المجتمع أو ذاك. بمعنى أن مجتمعنا ومواطني بلدنا اصبحوا مدجنين في حقلهم الكبير وهو العراق بعشرات الطرق والأساليب، والمشكلة الكبرى أن جزء من هذا التدجين يأتي طوعي وبقرار ذاتي وبرغبة حقيقية بقبولها، قبل اي سياسة تتبع بحقهم بهذا الاتجاه، أما أخلاقيات ما بعد التدجين فلا أحد يسأل عنها أو يعير لها أي أهمية، بل تأتي نتائجها يشكل بطيئ وستصدم الجميع لما تتركه من أثار خراب ودمار لضمير ووجدان الإنسان العراقي. وللمقال تتمة...

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم