صحيفة المثقف

الكوكب الخفي (10 و11)

قصي الشيخ عسكرالفصل العاشر

لم يعد يخشى من نسيان المعلومات فذاكرته بعد تجربة غرب المجرة أصبحت مثل كتاب مصور يمكن أن يستعيد أية لحظة عاشها قبل ثلاثين عاما بدقة متناهية .

لنعد أنفسنا في سباق مع الروس من لحظة العثور على"ضحى العبد الله "فأنا مقتنع تماما أن روسيا أدركت خطأها.. حين كانت اتحادا سوفيتيا حاولت إلغاء الماضي بصفته برجوازية ورأسمالية الآن تحاول أن تروِّضه بعد أن شعرت بخطأها الفادح. تفكك الاتحاد السوفيتي بمفهوم العلم: الماضي قتله أنهاه. ومحاولة روسيا ترويض الماضي تجعلها أكثر شراسة نحن لسنا في عداء مع الماضي منذ البدء لكن نستطيع أن نتفاعل معه بشكل آخر!

القراءة الدقيقة لكل الصفحات الأيونية التي ماتزال تنهال في كتاب الكون!

ماذكرته في تقريرك الخاص إنك خلال احتكاكك بالآيونات المتدافعة تستطيع أن تتوغل في زمنك الماضي فتتذكر تفاصيل ثلاثين سنة إلى الوراء ثانية بثانية إلى يوم كنت طالبا في جامعة البصرة!

المسألة ليست تذكرا فقط بل معايشة ومعاناة أيضا!

قل لي لو حاول أي فرد منا أن يطلع على آيونات سلالة عائلته إلى ماض بعمق عشرين مليون سنة هل تستوعب ذاكرة ذلك الشخص تلك المعلومات؟

ران صمت قصير وواصل المدير"هنري " أو حياة حشرة وسلالتها.

اعتقد أننا أمام أمر مهم هو أن نجعل العمل جماعيا بعد أن ننتخب المهمَ والحسّاسَ الإيجابيّ َ من الماضي والصحيحَ فنلغي الخطأ الموروث الذي أثقلنا نحن ومن سبقنا!

فابتسم رجل المخابرات ابتسامة ماكرة:

لتتعد مهمتنا مجال القراءة وهي النقطة التي توقفت أنت عندها فمشروعك الذي جعل عالما يَعْلَق بالمستقبل وآخر يعود إلى الأرض ليستقيل من عمله وينزوي بعيدا في منزله الريفي يجب ألا يتوقف عند حدود القراءة فقط.

ماذا تقصد بالضبط؟

أقول علينا أن ننقل الأيونات نفسها من شرق المجرة باتجاه الغرب وهذا ممكن من الناحية الفرضية فنصفيه إنه نوع من الاستنساخ إذا قدر العقل البشري أن يستنسخ على الأرض عجولا وأغناما فبإمكانه أن يستنسخ ماضيا في الفضاء ثم نعيد ذلك الماضي من المستقبل إلى الحاضر فنكون سلفا عرفنا نقاط ضعفه وسلبياته .

سويسرا الصغيرة الوادعة الجميلة بلد التزلج والساعات الدقيقة الفاخرة تكشف عن نفسها بعقلية عالم تمتزج بفكر مخابراتي ُيعنى بشؤون الفضاء. إنها ترشيح وغربلة للماضي عبر المستقبل وليست قراءة. لقد قرأ الماضي بعقلية عالم لم تطغ عليها عقلية رجل المخابرات. الساعة السويسرية حددت توقيت العالم..كان غاغارين عالما قبل أن يكون رجل مخابرات.. فلم يكن ليعرف أن الأرض سوف تقتله لا الفضاء الذي كان أول من هاجر إليه ..والدكتور معه في المكتب لم يتنازل عن عقليته المخابراتية يتمعن في العالم بعقل عالم ورجل مخابرات سيعيد الماضي نفسه عبر ترشحه من فلتر المستقبل خاليا من السلبيات والإنسان يريد عالما مثاليا خاليا من الكوارث والأمراض سواء عبر القراءة أم الاستنساخ وفي هذه النقطة تتفق كل العقول من دون خلاف حول التفصيلات:

أقول بصراحة أنا مندهش للفكرة فمتى نبدأ؟

فقال وهو يهز كتفيه ثم تنقلب قسماته:

ليس قبل أن ننتهي من قصة "ضحى العبد الله"!

وكانت تلك الجملة كافية لأن تجعله يتنفس الصعداء فما قاله رئيس لجنة مخابرات علوم الفضاء يعني أن الرحلة يجب أن تنطلق ثانية باتجاه الكوكب اللازوردي من دون أية شروط وأن اعتمادا ماليا سوف يفتح لها عما قريب ولن تلغى محطة الأبحاث على الكوكب القزم بانتظار النتائج الجديدة لكن صوت المدير استدرك قائلا وهو يتطلع بعينيه على نحو مريب:

هناك مسألة مهمة في علاقتك بالسيدة "ضحى" قلت إنها كانت من ضمن مجلس النوابغ الذي اختاره البروفيسور " برهان الفضل " مؤسس قسم الفيزياء في جامعة البصرة!!

لقد ذكرت ذلك لمجلس تحقيق البلدية حين قررت حكومة بغداد أصدار مرسوم يقضي بمعاقبة كل شخص يواصل الدراسة على نفقته أو على جهة ما حينها فضلت أن استمر على نفقة سويسرا ثم حين منحت الجنسية السويسرية وطولبت بكتابة تقرير مفصل عن حياتي ذكرت المعلومات نفسها لقسم الداخلية ثم تكرر الموضوع حين انضممت هنا في بحوث الفضاء!

ماذكرته لاغبار عليه لكن مايهمنا نحن أن نعرف مدى علاقتك بالآنسة "ضحى".

" هنري" سويسري من عرق نمساوي .. مستودع أسرار مركز البحوث..يشك ولايشك.. مطلق الصلاحية .. سخي في الصرف على البحث والرحلات الفضائية لكن عقليته المخابراتية تتفوق أحيانا على مركزه العلمي وقد ظن بعد المحاورة أنه لم يعد يُعنى بالتفصيلات :

ماذا تقصد بالضبط بكلمة علاقة؟

هل كنت تحبها؟

تردد قليلا حتى خشي من أن يفضحه تردده:

أبدا ليست هناك من علاقة سوى الزمالة!

وعنها هي؟

لاأعتقد ذلك!

لماذا تستبعد الأمر؟

كنا مختلفين في التفكير هي شيوعية متحمسة غارقة حتى أذنيها في المباديء وانا كما تصفني برجوازي لكنني غير متخلف!

لكن ألم يتبين لك عنها شيء ما خلال قراءتك لآيونات الماضي!

موقف حرج.. أرق البارحة ثانية.. صراع الليل والضمير.. الواجب والعواطف صراع بين الأرق والنوم:

لأن كلا منا كان ينصرف إلى المستقبل والبحث!

أرجو ألا تضايقك اسئلتي فأنا أريد فقط أن أعرف عن تجليها لك أهو بسبب حب قديم منك أم منها أم منكما معا أم كان ظهورها لك ناتجا عن مطاردة خططت لها المخابرات الروسية منذ زمن وكنا نحن غافلين عنها وعن مركز حجبوه عن العالم ولم يظهروه إلا لك وحدك!

بدا لين الملمس شأنه كلما شك في شيء فتنفس" بهاء" الصعداء وقال:

مادمت سأصعد وأواصل البحث فأرجو منك ان توافيني عنها بأية معلومات تراها ضرورية لمواصلة رحلتي القادمة.

الحق اتصلنا ببعض اصدقائنا في وكالة الفضاء الروسية كما سألنا بعض العلماء الذين هاجروا من روسيا إلى الخارج ومنهم من وصل إلى جنيف فلم يعرفوا عن هذا الاسم شيئا!

لاأي ملف أو..

فقال كالواثق من نفسه:

هناك العشرات من علماء الفضاء الروس مخفيون عن زملائهم.. إنهم ذوو مواصفات خاصة وقدرات فائقة حتى المخابرات الروسية ومخابرات الفضاء لاتعرف عنهم كثيرا من المعلومات بعضهم استقر في الفضاء يواصل بحوثه ولاينزل إلى الأرض إلا لبضعة ايام ومنهم من سكن الفضاء يواصل بحوثه هؤلاء مثلهم كالمتصوفة والرهبان المنزوين في صوامعهم وأنا بدأت أشك بعد تقاريرك العلمية وقضية الكوكب الجديد المخفي أن يكون هناك علماء روس اتخذوا من أحد الكواكب مستعمرة لهم ليعودوا إلى الأرض فيعلنوا عن نظام شيوعي جديد يسمونه الشيوعية الثانية تمييزا عن الشيوعية الأولى التي انطلقت من الأرض إلى الفضاء!

وهذا ماتوقعته أنا من قبل

قال عبارته التي ختم بها لقاءه مع السيد " هنري" ذي النفوذ الواسع في مركز البحوث الأرضي!

الفصل الحادي عشر

ابتسم وهو يتلقى سائلا أزرق شفافا في وريده يقيه اختلاف الغضط بين الفضاء والأرض. كان قد اعتاد على تلقي ذلك السائل كلما صعد في رحلة جديدة وربما لم يغب عن عينيه مشهد أول طلعة فضائية له وحقنة الوريد ومنظر فأرين حُقن أحدهما بالسائل ذاته واستثني الآخر لكنه شعر بالارتياح حين انطلقت مركبته ثانية إلى الفضاء فقد كان يخشى من أن يحول تغير الأنواء الجوية دون انطلاق الرحلة من جديد في وقتها المحدد إلى مجرة درب التبانة حيث الكوكب القزم ثم الاتجاه إلى شرق المجرة مرة أخرى بحثا عن الكوكب اللازوردي و " ضحى العبد الله"

الكوكب اللازوردي!!

 ذلك السر الغامض الذي بقي مخفيا عن العالم إلى هذه اللحظة واختص به وحده من دون خلق الله أهو الحب القديم المخفي أم عمليات مخابرات؟

ربما تذكر وهو غير بعيد عن نطاق الجاذبية الأرضية أن الآنسة "ضحى العبدالله" قد لاتلتقيه ثانية.بالتأكيد سوف يضع نفسه في موقف حرج فتزداد الشكوك حول احتمال هلوسة وخيالات راودته لمح إليها في آخر اجتماع العالم الكرواتي المتحمس" توداج" الذي حذر من عبث المحاولة ودعا لإلغاء الرحلة. كم من المبالغ صرف المركز الأرضي لبحوث الفضاء من أجل كوكب لم يره إلا هو.. وأي دليل لدينا فنعرف أنه كوكب حقيقي وليس انعكاسا لولبيا لضوء تكثف في رقعة هائلة من الفضاء لسبب ما؟. كان الرائد " بهاء"عاجزا عن أن يقدم عن الكوكب الجديد المجهول صورة مطبوعة على اللوح الألكتروني ولا عن الآيونات السادرات شرق المجرة السابحات باتجاه عمق الكون اللانهائي اللائي أطلق عليهن المتجردات فقد امتنعن و امتنع الكوكب نفسه عن طبع ذاته على أي لوح مما تأكد له مدى تقدم تكنولوجيا علم الفضاء والاتصالات لدى الروس:

أيها السادة المجتمعون سأروي حادثة مرت بي وأنا طالب في الجامعة أظنها تعزز حججي التي بين أيديكم أذكر بعد انقلاب البعثيين في العراق عام 1968 بسنة زارت بارجة روسية البصرة ورست في مياه شط العرب مقابل منطقة تسمى الخورة حيث نسكن.كان طلاب المدارس الثانوية والجامعة يحاولون أن يلتقطوا صورا للبارجة وهم على ضفتي نهر شط العرب أنا نفسي جربت .. للأسف كل الصور كانت تمحى بعد الغسل والتحميض تبدو بيضاء.هذا يعني أيها السادة والسيدات أن من يستطع أن يمنع الرؤيا عن عدسة كاميرا صنعت بمواصفات العين يمكن أن يحجب رؤية أي شيء عن العين نفسها.تذكروا أن روسيا أرسلت كاكارين إلى الفضاء في ستينيات القرن الماضي ثم بعد فترة وجيزة جعلت مركبة تهبط على القمر ماذا يعني ذلك إنه يدل بكل تأكيد على مقدرة الروس في ذلك الوقت وخبرتهم الفائقة في علم الاتصالات، فهل يبقى بعد شك في نفوسكم حول قدرة الروس؟

كان يستعرض كلمته البليغة في مجمع العلماء فيخالطه زهو بانتصار سريع حققه على الأرض في الوقت نفسه كانت " ضحى" التي تحفَّظ أن يكرر اسمها وسط المحفل ذاته تواجهه بثقب صغير نتج عن سائل حارق سقط خطأ من دورق في يدها المرتجفة كأن الثقب نفسه كبر وأصبح فضاء شاسع الأبعاد ظهرت فيه فحدثته ثم تقلص الفضاء إلى حجمه الأول وتوارى فدست نفسها فيه واختفت تماما فعاودته الوساوس والأفكار السوداء من جديد!

هل يكون اختفاؤها أبديا ياترى؟

هلوسة... انعكاس ضوئي... أم حقيقة..

كيف يعود إلى الأرض إن لم يعثر عليها.. سوف تتحق بلا شك نبؤة الهلوسة المزعومة!

ليس هناك من حل سوى التوجه إلى شرق المجرة وبدلا من مراقبة الأيونات وهي تزيح بعضها بعضا يحاول أن يتأين هو نفسه يصبح ماضيا ليعثر عليها قد يعود إلى سنوات الدراسة طالبا في جامعة البصرة في السنة الثانية وهي طالبة في السنة الأولى ثم يقومان بتجربة الثقب والمغسلة من جديد يمازجان بين علمي الفيزياء والكيمياء وفي ذهن كل منهما تصور عن المستقبل لأنهما عاشاه من قبل. سوف يصبح المستقبل ماضيا والماضي حاضرا ومستقبلا فقط فيعيدان وفق تلك الرؤيا صياغة العالم من جديد!

ماهي إلا بضعة كيلومترات قطعها مبتعدا عن جاذبية الأرض حتى شعر بارتجاج في الجانب الأيمن من المركبة..إنه في مكان أبعد مايكون عن النيازك والغبار الذري فتوجه بنداء إلى الأرض والمركز الأرضي في الآن نفسه:

ألو المركز القزم هل تسمعني هل تسمعني؟

ألو المحطة الأرضية... المحطة الأرضية..

المركبة تتعرض لهزات هل سجلت المجسات مايحدث في الخارج؟

أنا مازلت قريبا من الأرض لم أبتعد كثيرا!

يبدو أن الإرسال أخفق فأعاد المحاولة ولم يسمعه أحد.. اللوحة الحساسة على الواجهة لاتشير إلى أي خلل..جهاز الإشعار بالخطر لاينم عن شيء..إنه بارد ساكن مثل المحيط الخارجي..صندوق التبؤ بالكوارث لايشي عن أي أمر يثير القلق.. سكون وظلمة وكواكب متناثرة في الفضاء. هكذا لاح لعينيه المشهد ثم في بضع ثوان أسفر الفضاء عن اتجاه غائم كما لو غطى الفراغ كله جٌو يشبه وقت الفجر على الأرض. فجر لايشوبه أي لون آخر..

فجأة...

هكذا فجأة من دون مقدمات أبصر خلال النافذة الجانبية على مسافة غير بعيدة من مركبته الكوكب اللازوردي..ثمة بياض وخضرة وزرقة واسعة غطت كوكب الأرض ثم راحت تتلاشى عن عينيه شيئا فشيئا ليحل محلها وسط عتمة الفضاء الباردة كوكب غريب الشكل..هنا في هذا المكان الذي لايبعد إلا بضع كيلومترات وفق القياس الأرضي يحقق الكوكب اللازوردي حضوره.لم يكن هو الزمان الذي حقق فيه حضوره المرة الأولى ولا المكان. بضعة كيلومترات عن الأرض.. يمكن أن يجذب أي منهما الآخر فتحدث الكارثة الكامنة في نفس أي إنسان عن خراب العالم المنتظر! لعبة أخرى من الروس.. انعكاس ضوئي أم إنهم قاموا باستنساخ ظل الكوكب الأصلي فقطعوا عليه الطريق..التلاعب بمكونات الفضاء مثلما يفعل التايلنديون والصينيون حين يستنسخون ساعات أصلية..شيء محير...تقنية متطورة لنسخ الكواكب أو ظلالها. اغلب الظن أنهم كانوا يراقبونه ولا يستبعد زرعهم أجهزة حساسة في مركبته ولربما رشوا على جسده مادة مخفية نقلت لهم كل كلمة قيلت خلال اجتماعاته مع لجنة العلماء في مركز المخابرات الفضائي.الاتحاد السوفيتي انهار على الأرض لكنه لم يسقط في الفضاء..السماء باقية له وخاضعة لنفوذه حرب نجوم بدأت بعد رحلة كاكارين ولمح إليها خروشوف يوم ضرب هيئة الأمم المتحدة بحذائة فقال عنه الغرب فلاح همجي ..الحرب الباردة لم تنته ومن عاشر "ضحى العبد الله " يعرف جيدا أنها لاتحب الهبوط إلى الأرض سوف تجد لها كوكبا آخر تطبق فوقه شيوعيتها التي لم تستوعبها الأرض!

ولفت انتباهه شيء جديد طرأ على الكوكب التركوازي..شيء لم يره من قبل ولم يدونه في الألواح أو التقارير المكتوبة على الورق.. كيف ظهرت تلك الهالة الحمراء فوق سطح الكوكب فبدا أشبه براقصة شرقية يلتف على خصرها شال من الحرير الأحمر الشفاف!

كانت الهالة تدور بعكس اتجاه الكوكب الأم.. وظهورها المفاجيء مع ذلك الكوكب الذي استقر دائرا قرب الأرض أوحى إليه بلعبة روسية متطورة . مازالوا أسياد الفضاء فالاتحاد السوفيتي سوف يبني قوته هنا في الفضاء لكي يعيد نفسه على الأرض فيكون أقسى وأشرس وأقوى فهو الآن إما يقابل كوكبا مستنسخا أو حدثا مرعبا لعله رسالة أولى حمّله إياها الروس عبر " ضحى" بعد ذلك يكلفونه بمهمة أخرى مباشرة من دون الحاجة لصديقته القديمة.

الكوكب القزم... المركز الأرض...الكوكب الخفي غيّر موقعه إنه قريب من الأرض الآن!

كانت اللوحة تشير إلى استلام الرسالتين الصوتية والمرئية من دون أن يجيبه أحد..بقي يتأمل الكوكب لحظات ويتمعن في الهالة الحمراء المحيطة به وتساءل ترى أين هي "ضحى"؟

الكواكب تغير مساراتها تستنسخ نفسها حقيقة أم خيال؟

ومع الحيرة التي أخذت تشده للكوكب والهالة الحمراء أدار المقبض ضغط على الزر الألكتروني فاهتزت المركبة هزة ثقيلة اندفع خلالها إلى الخارج فخالطته وهو في أول الطريق متجردة فتساءل كيف جاءت في هذا الموضع القريب من الأرض فوجد نفسه في الفضاء على مسافة من المركبة معها هي وجها لوجه. تلك الساعة لم تكن غريبة عنه فقد رآها ضمن طلاب السنة الأولى الجدد القادمين من الثانوية...كل الوجوه الجديدة تصبح مألوفة بعد مرور بضعة ايام. بعد ستة اشهر بالضبط كما تشير متجردة الزمن في وسط الفراغ الكوني ستة أشهر وثلاثث ساعات ... اربع دقائق وخمس عشرة ثانية .. بدت في قميص نهدي وتنورة طويلة زرقاء داكنة وثمة صليب يتأرجح فوق فتحة قميصها.. لوحة الفضاء تقرأ كل شيء،أما السمرة فتلاشت وأما البياض فقد ساد وجنتيها ساطعا لامعا ككوكب يبهر عينيه من قرب:

زميلك الطالب بهاء

قال ذلك الأستاذ فتصافحا ثم جلسا متقابلين

أهلا ومرحبا

أهلا بك

وأضاف البروفيسور الذي بقي محتفظا بلونه:

الآنسة "ضحى العبد الله" عبقرية مجتهدة أثبت حضورها خلال الأشهر الستة المنصرمة والطالب" بهاء" عبقري مثلك يمكن أن تتعاونا في البحوث والتجارب وإن صعب عليكما أمر تستطيعان استشارة الطالب الأقدم في السنة الثالثة قبل أن تعودا إلي!

الشيء الذي التفت إليه وهو يقف أمام المتجردة أن الاشياء كلها احتفظت بألوانها من دون سطوع البروفيسور نفسه وشجيرات الممر المفضي من باحة الجامعة إلى الكلية. لونه هو نفسه لم يكن ساطعا .. هناك مفاهيم أخرى غامضة تربكه .. حسابات دقيقة .. مادام قادرا على أن يغير لونا ما بصفته جزءا من التجربة فبإمكانه حقا أن يعيد الماضي متجردا عن سلبياته مثل عالِم النبات الذي يختلق أنواعا محسنة من النبات تقاوم الأمراض.. عالِم الفضاء يقدر على استساخ الماضي ثم إعادته خاليا من كل السلبيات ليعيش الناس في دورة جديدة من عالم المثال.

كان عليه أن يبدأ الخطوة فيقطع على الزمن والمتجردات عنصر المفاجأة .هذه المرة لم يدع المتجردة تقتحم عليه المركبة من الفتحة العلوية التي اعتاد أن يتخذ منها باب طواريء للعودة كلما خرج يتفحص المركبة من الفتحة الجانبية حيث تربض شجيرة الصبار!

إذن كانت تراقب عن بعد .. مازالت تريده لها ومازالت تحتفظ به كأي ماض قديم أصيل لايرغب في أن يتحرر من جوهره فأيتهما المتجردة وأيتهما الأصل:

ها أنت أتيت بنفسك!

الكوكب اعترضه في هذا المكان الذي لايخطر على بال .. ظهورها المفاجي وقد ظنها في مكان ما.. وكان يستجمع شتات ذهنه ليفصل بين الصورة والأصل:

كنت أعلم أنك ستأتي!

كانت سيدة الفضاء تتنصت بلا شك:

هل يهمك حضوري!

بالتأكيد مثلما يهمني حضورك!

على الأرض هو الذي يتابع تجربتها بحكم الأقدمية وفي الفضاء هي التي تراقبه إحدى المتجردات بل المتجردة الوحيدة التي تهمه ..ثانية من ثواني الزمن كانت تدعى على الأرض "ضحى.."ظن أنه على الأرض يفهمها فاكتشف خبايا كان غافلا عنها أولها أنه لم يضحِّ بها للطالب الأقدم تخلصا من شبهة سياسية قد تلحقه من مرافقتها وثانيها ارتياحه لتكليفها من قبل البروفيسور "برهان الفضل "بمرافقة طالبة جديدة قدمت من الثانوية العام التالي :

لاأريد أن أفقدك مثلما فقدتك بعد التخرج!

هزت رأسها وقالت بلطف:

لن أتركك سوف تأتي معي!

فتردد بعض الوقت وأردف وهو لايُعنى بما يقول:

يمكنك أن تأتي معي عندنا في سويسرا الامتيازات أكثر والحال أفضل.. روسيا الآن في اضطراب والأمور لن تتحسن قبل أن يمر زمن طويل!

راحت تنظر في عينيه كما ينظر منوم مغناطيسي في عيني زبون قلق حائر، فنسي الأجهزة الحساسة والتنصت وتفوق الروس المخابراتي واندفع كطفل يفصح عن ذاته دون تعقيد:

أنا تخليت عن الجنسية العراقية وأظنك حصلت على الجنسية الروسية لم يعد هناك من مبرر لبقائك في بلد مضطرب اللهم إلا إذا كنت تحاولين أنت وبعض العلماء الهيمنة على كوكب آخر تعيشون فوقه وفق ماتريدون!

لاتتوغل في الحلم بعيدا.

ليت زميله الألماني يفلت من قبضة المستقبل فيأتيه بالخبر اليقين عما يحدث غدا فيعرف فيما إذا كان هناك انقلاب جديد يقع في روسيا بتحضير من علماء الفضاء عندئذ سيصرخ الرئيس الروسي بالعالم انعونا ونحن أحياء لكن روسيا لن تكتفي بالشيوعية لها وحدها بل تجبر العالم كله على تذوق الكعكة التي تحط على الأرض من أعلى. قال بيأس:

إذن هل تأتين معي!

بل أنت!

ثقي إني كنت أفكر فيك بعد التخرج وأتابع أخبارك قبل أن أعرف أني أحبك بزمن طويل" وصمت برهة ثم واصل" أنا على يقين من أنك بدأت التجربة ذاتها معي سوف أقول لك أمرا قد تكونين لمسته مثلي هو أني ارتحت كثيرا حين علمت أنك أصبحت بعد أن نجحت إلى السنة الثانية مرافقة مسؤولة في مجلس النوابغ عن طالبة قادمة من الثانوية .. طالبة .. ربما هي الغيرة..و أني لم أكن جادا في التخلي عنك يوم فكرت أن اقترح على البروفيسور" الفضل"  أن يعين خليل العمران " مشرفا بدلا مني لكني لم أجرؤ قط!

فهزت رأسها كالشاردة:

الآن لايهمني ذلك!

ألم تكشف لك التجربة أني في الليلة ذاتها حلمت بك." توقف محاولا أن يقترب منها لكنه شعر بثقل يكبل رجليه إنها هي التي تلاحقه فلا يقدر إلا على الجري خلفها برجلين موثوقتين. عجيب...الأمور مقلوبة تماما .لم تطارده الدولة في العراق إذ لم ينمُ بعد للحزب الحاكم مخلب وبعدئذٍ طاردتها .. وهنا في الفضاء الواسع بدأت "ضحى" تطارده .. تتعقبه خطوة خطوة فكيف يصبح العلماء رجال أمن يتجسسون:

كدت أتخلى عنك لأني خفت أن أستدعى للتحقيق..

اتعرف أين "خليل العمران" الآن؟

مدرس في إحدى الثانويات !

امتد إصبعها إلى حيث الكوكب:

إنه هناك على الكوكب نفسه وقد ارتدى من أجله زنارا أخضر يوم قدومه!

كل شيء يتطلب صياغة جديدة..رآه في سيل الزمان الهاديء منزويا فلم يلتفت إليه.كان يجلس في المقهى يدخن أو يغادر منزله محبطا إلى المدرسة. يكاد يقرأ اسم المدرسة لكنه لايعنيه.. زادت أناقته وترفعه فكيف بدا لي الماضي بهذه الصورة.. لم تكن هلوسة ولا أحلاما..هي الحقيقة أن تقف في الفضاء تجعل منك محورا والكون كله يسري من حولك. كانت على مايبدو سبقت تلك التجربة..فأعادت الماضي وفق رغبتها..سوف تصوغه وفق إطار جديد..قالت له ذات يوم: ليس المخلص المسيح ولا المهدي المنتظر بل هو الناس أنفسهم..ذهب به الظن أنها استغلت التجربة فأعادت صياغتها وفق نظريتها القديمة .. لابد أنها جعلت الزمن يتشذب من انقلاب عام 1968 فهيّأت الظرف لـ "خليل العمران".. جعلته يحوز على بعثة ثم صنعت منه رائدا للفضاء بدلا من كونه مدرسا في مدرسة مهملة بإحدى النواحي، وفي هذه اللحظة الحالكة والبرودة الثقيلة آوته إلى كوكب مخفي عن العيون وأجهزة التكنولوجيا المتطورة، فهل كانت تحبه من قبل. لكن ماعساه أن يقول.. فجأة يئن في رأسه سؤال غريب بعيد:

وماذا عن "نوال غريب"؟

ظلت صامتة فألح:

هل تعرفين شيئا عنها؟

كذلك لم تنطق فتجاوز الصمت إلى الحديث عنها هي تلك الواقفة أمامه التي لاتنطق فلعلها ترغب في أن تشكل معه على الكوكب الغريب الجوال مثلثا آخر يضمهما هو وهي مع خليل العمران:

دعينا من كل شيء الآن الحق بقيت قلقا عليك بعد سفري حتى علمت من بعض العابرين أنك هاجرت إلى الاتحاد السوفيتي بعد الحملة التي شنها البعثيون على الحزب الشيوعي عقب إلغاء الجبهة!

كل ماوصل إليك من معلومات كانت غير دقيقة؟

ماذا؟ ماذا تقولين؟

فكررت جملتها السابقة:

لم أسافر إلى الاتحاد السوفيتي!

ماذا تقولين؟

أقول كل ماسمعته خاطيء؟

شيء لايصدق.صديقته الشيوعية العنيدة ليست في الاتحاد السوفيتي. لم تعايش سقوط الشيوعية المفاجيء وهي الآن معه في الفضاء تخوض تجربته نفسها لايشك أنها سبقته فكيف اخترقت الأرض ولأي ٍ ّ من الدول تعمل. إنه يقف حائرا أمام هذه المرأة التي امتازت بالوضوح والشفافية إلى حد الغموض والابهام:

أين كنت إذن؟

فقالت على البديهية:

كنت في العراق؟

أكملت دراستك هناك؟

كلا لم أكمل دراستي!

صدمة أخرى تلقاها. لم يعرفها كاذبة.. وضوح آخر يقربه من عالم مبهم.. رائدة فضاء.. العراق.. الحصار.. المشاكل..الدكتاتورية.. التمرد.. الحرب أم أي تشويه ياترى تعرضت له الآيونات فبدت المتجردة مختلفة كل الاختلاف عن الماضي بل لعلها في موقفها هذا الاسوأ:

هل تمزحين؟

أنت تعرف بصفتك رائدا للفضاء أن الفضاء لايسمح بالمزاح!

 لعبة أخرى وعليه أن يستسلم.. يتبعها لا أن تتبعه قوانين الفضاء تختلف عن قوانين الأرض ففاضت أمامه جارفة إليه الفضاء كله يقدر أن يلمسها ويسمع صوتها من غير ما حاجة لأن يغادر مكانه لقد جاءته تلك الثانية المتجردة بالكون كله فما قيمة العراق وسويسرا وما ذا تساوي الأرض كلها، لعبة أخرى وعليه أن يستسلم يتبعها لا أن تتبعه قوانين الفضاء تختلف عن قوانين الأرض ففاضت أمامه جارفة إليه الفضاء كله يقدر أن يلمسها ويسمع صوتها من غير ما حاجة لأن يغادر مكانه فقد جاءته تلك الثانية المتجردة بالكون كله فما قيمة العراق وسويسرا وما ذا تساوي الأرض كلها أو قد تكون تلك المتجردة ثانية استعصت على الترجمة إلى الواقع فانحدرت باتجاه معاكس من الزمن فرأت نفسها لم تغادر العراق كاد يترنح إذ تخيل ذلك لأنه منذ البدء غفل عن تقدير الأمر لولا قسوة عنيفة سرت فيه.. وغاب عنه الانفعال تلاشى الخوف والرهبة وبقي شيء من الحيوية.. عليه أن يجد "ضحى "الأصلية المتجردة غير المستعصية التي لامجال أمامه إلا أن يذهب معها:

معك حقك لكن يبدو أن الصدمة جعلتني أفقد توازني!

أنا أفهمك جيدا .. هناك وقائع وحقائق لاندركها حقا إلا إذا حولناها إلى مبهم أقرب إلى الأساطير.

قال يائسا:

مثل موقفي الآن معك. تقولين لم تغادري العراق وأنت هنا في الفضاء.لغز جديد أم تمويه آخر .

كاد يترنح لولا قسوة عنيفة سرت فيه وغاب عنه الانفعال..تلاشى الخوف والرهبة وبقي شيء من الحس:

أنا فعلا لم أغادر العراق فكل ماوصل إليك عني خطأ؟

بماذا تعليلين لقاءنا هنا؟

إسمع جيدا.. بعد إلغاء الجبهة مباشرة تم إلقاء القبض علي عذبت وشردت .. اعتقلت عدة مرات .. خضع والدي لابتزاز من الحزب الحاكم وفكر في مغادرة البلد إلى بريطانيا. كان يعتزم الرحيل بعد أن يبيع عيادته ويصفي حساباته . كنت أعارض فكرة السفر على الرغم من أني عذراء وتعرضي لأي اغتصاب يجعلني في موقف حرج من قبل مجتمع متخلف عنيف لايرحم مع ذلك صرخت في وجهه وامتنعت.

كانت عيناه تنتقلان بين الكوكب التركوازي وعينيها ووجهها الذي شف بياضه عن جمال نقي هاديء:

كان عليك أن تغتنمي الفرصة وتهربي عبر كردستان.

أبدا قلت إذا هربت أنا وهرب غيري فلمن يبقى البلد.

اندفع بحماس:

لكن كثيرا من الشيوعيين غادروا العراق وهم أقل منك درجة في السلم الحزبي.

لكل في الحياة طريقته وقناعاته. كنت أرفض مبدأ الرحيل إلى الخارج في حين كانت السلطة تظنني أحاول الهرب فدبرت مكيدة اغتيالي حيث خرجت عصر أحد الأيام من عيادة والدي بعد نقاش حاد حول مهادنة السلطة كنت أسير مجتازة محور عمارة النقيب حين اندفعت نحوي سيارة يقودها سائق مخمور هكذا سمعت الناس يتهامسون وهم يتجمعون حولي قبل أن ألفظ أنفاسي الأخيرة: سائق مجنون من سجل رقم العربة؟!

ماذا تقولين!

نعم قلها ولاتتردد قل مت!

كشف آخر أم هبة نسيم قدمت من جهة غرب المجرة مع الألماني الذي تمكن من الإفلات.. صمت. لاشيء بين يديه سوى الصمت حتى الدهشة اختفت وتساؤل يكاد لايخرج من شفتيه:

ميتة؟ميتة؟

وأنت كذلك!

خرافة أم واقع والفضاء لايعرف المزاح.كيف تستنسخ الكواكب والنجوم وتنقل من محلها في عمليات تمويه.أم ياترى هذيان رائدة فضاء من هول مااكتشفته وهاهو حي فتقول عنه ميت:

إني أبصرك وأبصر نفسي وكان الكوكب اللازوردي من قبل وحده ولاهالة حمراء تدور معه!

لقد ظهرت لتعلن عن قادم جديد هو أنت!

تمعن فيها وفي الكوكب وقال:

مازلت في شك!

ألم تقل إنك تحب أن تعيش في الكوكب اللازوردي . أنت اخترته من قبل وجئت إليه من تلقاء نفسك!

وأشارت إلى المركبة بإصبعها:

انظر في الداخل!

التفت إلى حيث أشارت واطلق لنظره العنان فرآى نفسه واقفا عند حافة النافذة جنب شجرة الصبار التي اشرأبت تبحث عن بصيص ضوء في حين راح يحدق في الكوكب اللازوردي، وكانت تواصل: تلك هي جثتك، هناك في هواء الأرض مطبات تسمى الجيبوب الهوائية وهنا في الفضاء مطبات الخلاء في الفراغ.. بعض جيوب الخلاء التي إذا مااجتازتها مركبة فضائية اختلف الضغط على جسم رائد الفضاء ..الم أقل لك سوف تأتي وكنت متأكدة من مجيئك هيا لنذهب معا!

كل شيء اتضح الآن.. وازداد غموضا في الوقت نفسه..أهي "ضحى العبد الله" التي قتلت بحادث سير مفتعل في البصرة ذات يوم أم ثانية متجردة فصلتها نحوه تجربته الجديدة التي حذره من نتائجها سلفا زميله السيد " بيزاري " المدير السابق لمحطة الكوكب القزم الذي فر خشية من أن تصيبه بعض شظايا تلك التجربة!

أيعقل حقا أنه هو نفسه وقف يدافع قبل يوم عن مشروع موته أمام لجنة العلماء ومسؤول المخابرات الدكتور " هنري" دون أن يدري أن جميع تقاريره كانت على خطأ... . خطأ وأي خطأ.. معلوماته السابقة وهم.... خرافة.. ليست هناك من سيطرة للروس على الفضاء ولا للأمريكان أو اليابانيين... كنا نبني معلوماتنا على دلائل غير دقيقة.. مغفلون .. مخدوعون..رسمنا حول أنفسنا والآخرين هالة من العظمة وقد ظننا أن كل شيء اصبح خاضعا لقبضتنا كان ينعم النظر في جثته التي غادرها داخل المركبة الفضائية التي أخذت تتلاشى هي وشجيرة الصبار عن عينيه شيئا فشيئا ، فاستدار نحو "ضحى" فلم يبصر شيئا حتى الكوكب اللازوردي بهالته الحمراء بدأ يختفي رويدا رويدا فأحس أنه يتمدد مع رغوة الفضاء.. لم يعد هناك من غموض قط..فلا يهمه من هو ولا من هي ضحى فكل شيء يتداخل في شفافيته الواسعة حتى الظلام نفسه تلاشى وكذلك ضوء النجوم... شعر أنه أصبح هو الفضاء الواسع المترامي الأطراف الذي لانهاية له بل لانهاية ليديه ورجليه ولاثقل لجسده وثمة ارتياح كبير يعتريه من دون حدود قط!!

تمت

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم