صحيفة المثقف

رسالة الى الله في رمضان

873 توفيقلا لا تقاوم صدا عقول البعض فهي متحجرة

تقاوم حتى الزمن.

تجمع مجموعة من الشباب حول شاب قصير القامة اسمر. كان قد زار بعض المدارس ليعرف من يحب ان يسجل اسمه في فرقة مسرحية طلابية. عرفت لاحقا بانه المخرج. كنت انا وزميلي في الصف سمير المسيحي من رفعنا أصبعنا يحذونا أمل ان نصبح من الممثلين الكبار وهذا على الأقل كان في مخيلتنا ونحن نصعد خشبة المسرح لأول مرة في يوم رمضاني في إعدادية كركوك للبنين عام ١٩٦٨على ما اتذكر صحح لي صديقي الأستاذ والاديب فهمي الكاكائي التاريخ لانه كان معنا ومثل دور الحارس الليلي في المسرحية. عرض المسرحية في ثلاث عروض وشارك الفرقة الموسيقية للنشاط المدرسي في عزف الموسيقى..

الخيال اجمل ما منحه الخالق للإنسان بواسطته تمكن من اكتشاف جميع الاكتشافات العلمية وصولا الى عالم المعلوماتية وعصر غزو الفضاء.

طبعا لم أتحول الى ممثل رغم أني قدمت فقط الى أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد قسم الفن التشكيلي وأخذت تايد من مدرس الرسم الأستاذ خالد بعد نجاحي في الامتحانات النهائية (الباكالوريا ) في الإعدادية الشرقية في بغداد صيف عام ١٩٧٢ قبل ان يقرر الوالد رحمة الله عليه ورضوانه إرسالي الى الدراسة في الخارج لعلي اصبح طبيبا. حيث كان اخي الكبير علي قد سبقني ويدرس في كلية الهندسة. كانت الفترة بين إنهائي الامتحان والحصول على موافقة السفر من دائرة البعثات من الفترات الصعبة من حياتي لانها صادفت تأميم النفط وإغلاق الحدود ومنع السفر الى خارج العراق الا انه في نهاية الأمر حصلت على الأوراق الأزمة وفيزا لتركيا وركبت قطار الشرق في المحطة العالمية في بغداد متوجها الى تركيا وبعد ثلاثة ايام وصلت انقرة تعبا وحين نزلت من القطار لم اجد اخي في انتظاري.

انتظرت عند احد المصطبات وقلت لعله يأتي بعد حين فشاهدت شابين وفي يدهم صورة فوتغرافية وينظرون الى وجوه المسافرين. لم عا يلاحظوا وجودي لكن بعد ان فرغ المكان عادوا وفجأة شاهدوني من بعد فعرفني احدهم ومناداتي باسمي توفيق قلت نعم فقدم نفسه نامق فوجه قصاب رحمة الله عليه ورضوانه اما الاخر فقال عثمان اوچمان وعرفت من حديثه انه تركي كان يعيش معنا ابو عمر في نفس الشقة ويدرس في الجامعة قسم الآثار اصبح لاحقا مديرا لمتحف مدينة مرسين وانقطع أخباره. 

كل عام لي في العاصمة انقرة كنت أعيش في خيال دائم وادرس في الجامعة اللغة التركية. من الغرائب ان الجامعات كانت تقبل الطلاب الأجانب بدون امتحان ولكن حظي جاء مع قرار وزاري بإجراء امتحانات للطلاب الأجانب . بدأت في انقرة من جامعة الى اخرى حصلت على قبول في جامعة انقرة اولا في قسم السومريات.

كنت في محطة القطار انتظر قدوم احدهم من العراق لكنه لم يكن لين المسافرين وبعد انتظار طويل وجدت اخد الوجوه شاب في مقتبل العمر ينتظر وحيدا فعرفته اذ كان يدرس معي وفي نفس الصف في الإعدادية وكانت شعبانا دال فإذا به يطير من الفرح للقائي. هذا الصديق هاجر بعد اشهر الى الولايات المتحدة وهومن المسيحيين كان يحلم ان يكون صيدليا ويشتري سيارة كاديلاك. المهم بعد دقائق جاء صديقه الذي كان من المفروض ان يكون في انتظاره ذهبنا سويا الى شقتي وبقى معنا ولكننا عدنا بعد بضعة اشهر الى الوطن بعد ان أخذ الحنين بنا. عند زيارتي لصديقي وجدت مدى انزعاج عائلته من عودته على عكس ما كان اهلي وبعد سنوات فهمت ان قصده كان الهجرة. سافرت الى إستانبول لإجراء امتحان في كلية المعمار سنان على ساحل المضيق. اليوم الأول امتحنا في الرسم وكان السؤال تخيل كوب قهوة مقلوبة على طرف الماعون. تذكرت الوالد حين كان يراني حالما مع خيالي وانا يقظ يقول:

اترك الخيال وارجع الى الواقع يا بني. 

ما احوجي الى الخيال اليوم وانا اودي الامتحان كي اصبح معماريا ولو في الخيال. كنت كممثل للطلبة عام ١٩٨٨ في الجامعة الشعبية في مدينة يڤله السويدية وحضرت مؤتمرا في مدينة اوسا قرب القطب المتجمد الشمالي وكانت المحاضرة تردد قائلة:

شجعوا الطلاب على الخيال

ان الخيال سيودي الى النجاح

لا تنهروا الطلبة قط حين تجدونهم لأهون في أحلام اليقظة.

بعد الظهر كان امتحان التحريري وجاء السؤال حول قول احد الفلاسفة الإغريق

لا اتذكر النص الان ولكن مرة اخرى احتجت الى الخيال كي اعود آلاف السنين وأتخيل عالم ذلك الفيلسوف واكتب الإنشاء.

عدت الى الفندق الصغير في احدى ازقة بي اوغلو لأنام .

دق جرس التلفون في منتصف الليل فاستقضت فزعا لأسمع صوت اخي الكبير علي في الطرف الاخر ليخبرني باني حصلت على مقعد دراسي في كلية طب الأسنان في انقرة وعلي ان احضر غدا صباحا الى الكلية.

تركت إستانبول ليلا وتوجهت الى محطة آلحافلات متوجها الى العاصمة انقرة تاركا الامتحان حيث كان الجزء الثاني عبارة عن مقابلة شفهية لمعرفة مدى معرفتي للتركية.

لا اعرف طبعا نتيجة الامتحان لحد اليوم لكني بعد حوالي ٤٥ عاما وحدت نفسي مع زوجتي أمام بناية الكلية فحددثها عن تلك الأيام الخوالي.

المسرحية كانت من ضمن فعاليات جمع معونة الشتاء اخرجها سلمان فائق وشارك فرقة الموسيقية للمدينة في العزف. عرضت فيما اتذكر ثلاث مرات وفي شهر رمضان كان معظم الممثلين من الطبقة الفقيرة.

تدور حوادث المسرحية حول طفل يتيم مثل الدور صديقي سمير يذهب لكاتب العرائض كي يكتب له وسأله يشكوا فيها الخالق نفسه لانه أفقده أمه العزيزة.

اما انا فذهبت الى الكلية كي أدوم في اليوم التالي وإذا ب السكرتيرة تقول بان متقدما اخر باسم قاسم قلنجي قد سجل مكاني واني في الاحتياط. كانت العلاقات السياسية قد فعلت فعلتها و خسرت مقعدي في العاصمة انقرة وفي إستانبول.. 

كنت وعلى حالتي هذا أتمشى في الشارع الرئيسي للمدينة وإذا بأحد الأصدقاء وهو قريبين المرحوم الدكتور اكرم بامبوغجي  يضربني على كتفي من الخلف التفت اليه وعانقته. سالني عن حالي فرويت له ما حصل معي واني الان ممطر للعودة الى العراق بعد ان فقدت كل الامل بالحصول على مقعد دراسي.

قال تعال معي وبعد دقائق كنا امام بناية ليست بعيدة عن ميدان الهلال الأحمر وسط العاصمة. دخل الى غرفة العميد بهيبته وحقيبته الدبلوماسية ثم خرج بعد عدد دقائق ليصحبني معه الى غرفة العميد حيدر قرال الذي تحدث معي وسألني بعض الأسئلة فأجبت عليها ثم قال تعال في اليوم الفلاني سيكون هناك امتحان لان هناك العديد ممن قدموا للكلية. ذكرت ذلك لرفاقه في البيت فما كان من احدهم الا ان طلب الذهاب الى الكلية كي يقدم أيضا طلبا لان حالته كانت مشابه لما كنت انا عليه ذهبنا في اليوم المحدد للامتحان وبعد اجتيازنا بقينا معا اربع سنوات ولا زال صداقتنا مستمرة رغم كونه يعيش الان في جزيرة قبرص.

أودعنا تلكم الأيام ولم تكن القادمات احسن.

لنا عودة للموضوع لاحقا

 

توفيق التونجي

 ......................

من صفحات ( 3) ئالتون نامة- سيرة ذاتية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم