صحيفة المثقف

رُعاة الدين ورُعاعَه.. إشكالية التقليد وعواطفه

رائد عبيسماذا يريد الله من الانسان؟ لماذا اختاره لدينه؟ وهل أراد الله علاقة الإنسان به عن طريق الدين فقط؟ هذه الأسئلة وغيرها التي من الممكن أن تدور في خلد اي شخص، قد تكون مدخل لبحث، وتشخيص، وتحليل علاقة الإنسان بدينه، وعلاقته بربه، وعلاقته بالناس .إذ يعد الدين أحد العوامل الأساسية في التواصل بين البشر، ولا سيما بين أبناء الدين الواحد، أو أبناء الطائفة الواحدة، إذ تسمى الجموع البشرية المؤمنة به أمه، وتسمى المجتمعات المختزلة لهذا الدين بتعاليم محددة طائفة أو مذهب. وهذه الامة أو الطائفة، لها من يرعى دينها، وتعاليمها، وفقهها من علماء، وفقهاء، وخبراء، يتصدون لتمثيل دين الأمة، أو دين الطائفة، تمثيل خارجي أمام الأمم الأخرى، أو تمثيل داخلي أمام أتباعها، وهؤلاء الأئمة يسمون رعاة الدين، اي يرعوه ويصونوه من الشبهات، ومن الحركات الدينية الأخرى التي تحاول أن تنال منه، وتضعفه، وتشوهه، ومن انحراف أتباعه عن تعاليمه، والتنصل عن حمايته، هذه المهمة الابرز التي تبقى على عاتق الإمام، بكونه راعي للدين، ومسؤول عنه واتباعه. هذا مع افتراض لو أن راعي الدين وأمامه يريد فعلاً الحفاظ عليه وخدمة أتباعه.

كيف بالدين لو كان أمامه غير جاد في الحفاظ عليه ويريد بأتباعه الضياع والتهلكه؟ وكيف باتباع هذا الإمام الغير جاد لو كانوا يطيعوه بشكل أعمى؟ من أجل تحقيق الرغبة الاولى أي رغبة الإمام لتكون جواب عن السؤال فيها، يجب استغلال نتيجة السؤال الثاني لتكون جواب له. كثيرة هي الأمثلة من التاريخ الديني التي تظهر هذا الأمر بعمقه، اي عمق الزيف عند أئمة الدين النفعي، وأتباعه الرعاع الذين يتحركون أما جهلاً وسذاجةً ورعاعةً منهم، وأما يشاركون أمامهم منافع تبعية هذا الدين، فقد كانت فرق دينية كثيرة تأسست على هذا المبدأ البركماتي منه، مع ارتباط هذه الفرق بالسلطة الحامية لها، فإن تلاشيها وزوالها مرهون بتلاشي السلطة وزوالها، كذلك الحال مع خطوط التقليد ومرجعياته التي نجدها في المذهب الشيعي والذي يمثل المرجع عند اتباعه راعي للدين، فهو راعي لدينهم على أقل تقدير، لان هناك كثير من المراجع لا يحظون بسلطة كبيرة داخل مذهبهم، ويبقى تقليدهم محدود واتباعهم قليلون، بمعنى مرجعيته لا تكسب عاطفة العامة من الناس وان كسب عاطفة الخاصة من أتباعه.

هذه هي إشكالية التقليد الديني عند مؤيديه، ومقلديه، وعاطفتهم اتجاهه، واتجاه الدين الذي يقدمه لهم، إذ نجد أن عاطفة الدين تتشكل عند الجمهور الديني على أساس مزاجه، فمنهم يميل إلى التقليد الجديد في الدين والقراءات المدنية للدين مثل المرجع الديني محمد حسين فضل الله، ومنهم من يميل إلى المراجع المتزمتين المتشددين في خطابهم، ومنهم من يتماهى مع من يملك خطابا ثوريا من المراجع ويتفاعل معهم، كلٌ بحسب مزاجه الديني، وفهمه للدين، ورغبته في تناوله، وتبني طروحاته، وأفكاره، وتعاليمه، وهذا يعني أن الدين والتقليد الديني مزاج عند الجماهير، لا يتضمن القناعة العقلية، بل يمحوره المزاج، والرغبة، والعاطفة التي تجرفه والتي عادة ما تكون عاطفة جماهيرية، وليست عاطفة ذاتية فردية، وهنا يكمن عمق الاشكال، لان هذه العاطفة الغير واعية، غالبا ما تنتج مقلدين رعاعيين همج غوغاء، يتمادون في تحويل العاطفة الدينية إلى عقيدة مغلقة، ترفض الحوار، والتسامح، والاعتدال، وهذا ما نراه في التيمية واتابعها، وما رأيناه في داعش وأتباعه العقائديين، أو القيادة الشخصية لهذه العقيدة، هذا التقليد الأعمى الذي تنتجه التبعية المغفلة، أو المغلفة، بأبعاد سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو خيلائية، أو حتى إيروسية، والأخطر من ذلك، وهو البعد السايكولوجي الذي يتمظهر في أشكال أخرى على شخصية المقلد، دون أن يشعر، يعني باللاوعي، وهو أن الإفراط بالتقليد ينتهي إلى كبت كبير، تتحقق اثاره في السلوك لدى المقلد حتى يصل إلى الإستحمار التام، والشذوذ، والنفاق وغيرها، لان عقدة، وحلقة، وقيد التقليد يبقى رفيقه، فيمنعه من إعلان مواقفه، إزاء الاشياء وصدور الأحكام اتجاهها، فيبقى متذبذب ينتابه القلق، والنفاق، والازدواجية، ويشعر أن ارتهانه خارج إرادته، وخضوعه خارج رغبته، وهذا من شأنه ينتج اتباع مترددين في المواقف، متخاذلين في الملمات، متناقضين مع انتماءهم، هذه تراكمات تنمو بطريقة غير مباشرة في وعي كل مقلد، حتى تحول عاطفته إلى عقيدة، وليس فقط عقيدته الى عاطفة، يشعر أن نقاشها خذلان لراعي دينه ! فهو لا يتيح لعقله اي تداول نقاشي للفكرة، لأنها تتناقض مع إرادة قلبه ورغبته. فالإفراط في العاطفة الدينية بهذا الشكل، والمساندة الى مرجعية متشدد، تنتهي بالمقلد أن يتحول الى شخص رعاعي همجي لا يقبل جدال بالدين ولا نقاش فيه، ويصبح عنده الآخرون من اتباع المراجع الآخرين كمفتعلي الكبيرة، فيبدأ بتخطئتهم وتجريمهم وتفسيقهم وتكفيرهم، وكان الحقيقة انتهت إليه وكانت من نصيبه، هذا التزمت وهذه القناعات هي وجه من وجوه الرعاعية والهمجية الدينية التي يظهرها الهمج من رعاته المزيفين لاتباعهم المغفلين.

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم