صحيفة المثقف

التكرار في نص من يحبك مثلي

التكرار في نص من (مثلي يحبك)، للشاعر ثامر الخفاجي، قبل   السفر الى النص، لابد لنا من اشارة ولو مقتضبة الى ان الشاعر ثامر الخفاجي، ليس من الطارئين على واحة الشعر فهو صاحب تجربة شعرية ناضجة قد حجزت مقعدها في دارة الشعراء الذين تلبسهم الشعر بوحيه فاستقبلوه بطاقته المكتملة العدة والعدد، لاسيما لغته الشعرية التي تشعر القاريء بانه امام لغة تمتلك اصالة الوجود في وضوحها وسهولة الفاظها وقوة تعبيرها عما يرمي اليه الشاعر من رؤى وافكار، فهو بذلك غني عن بهرج الكلام، فالنص الذي بين ايدينا استوقفتني فيه احدى الظواهر الادبية والمهمة في الشعر العربي على امتداد عصوره، واقصد بها ظاهرة التكرار، التي اخذت من اهتمام النقاد والدارسين المساحة اللائقة بها والتي تستحقها، والذي دعا الى الاهتمام به انه من الاساليب التعبيرية التي يلحأ اليهاالشاعر لتقوية المعاني وتعميق الدلالات، مما يمكن النص من الارتفاع في قيمته الفنية الى المستوى الذي يمنحه صفة الابداع، ولما كان التكرار رؤية شعرية خاصة بقصدية الشاعر فهي مخالفة للرؤى الشعرية الاخرى عند الاخرين، وتتمركز قيمة التكرار في القصيدة في ناحيتين الاولى موسيقية النص وبناء ايقاعه بالصيغة المعبرة عن رؤياه، وجانب معنوي متمثلا في التاكيد، باعتباره عنصر من عناصر البلاغة، يؤتى به من اجل الايحاء بسيطرة العنصر المكرر والحاحه على فكر الشاعر اوشعوره او لاشعوره، وقد اهتم النقاد والدارسون بالتكراراهتما ما بالغا، وقد فتحت الشاعرة العراقية نازك الملائكة باب التكرار من خلال اهتمامها به وهو ما سطرته في كتابها قضايا الشعر المعاصر الذي اصبح منهجا للنقاد والدارسين،ومن هذا الاهتما م بدراسة التكرار عرفنا ان للتكرار دورا مركزيا في النص الشعري يفوق ما اكتشفه الاقدمون فيه، ففي معالجة الشعر الحديث اوصلهم البحث عن الوظيفة الاسلوبية للتكرار، فتوصلوا الى انه يهدف بصورة عامة على اكتشاف المشاعر الدفينة في نفس الشاعر، والى الابانة عن دلالات داخلية فيما يشبه البث الايحائي، وعند قراءتنا لنص (من يحبك مثلي) نرى الشاعر عمد الى طريقة اراها مبتكرة من صور التكرار وذلك بان عمد الى تكرار العنوان الذي هو ثريا النص تسع مرات، وهو بفعله الابتكاري قداراد ان يستجلي مختلف الاحاسيس التي تستوطن نفسه، ويجعلها امام المتلقي مرأة تعكس شعوره ولا شعوره من خلال تحول النص نتيحة تكرار (من يحبك مثلي) الى تسع لوحات فنية شعرية اتسمت بالانسجام الايقاعي، الذي يحسه ويتمتع به المتلقي وهوينتقل مع النص من رؤية الى اخرى وهو يتابع ذلك الخيط الرؤيوي الذي يربط مقاطعها، في وحدة عضوية تمتع قراءتها، ولما كان للتكرار وظائف بلاغية متعددة، فقد حقق النص تلك الوظائف بقدرة فنية تكشف عن الحس الابتكاري عند الشاعر، ففي اللوحة الاولى يضعنا الشاعر داخل اطار صورة توحي بان الشاعر ملتهب الاحاسيس من خلال اقراره بمعرفة الاخر ومدى خظورة المغامرة معه، وهوباختياره لالفاظه بالدقة والانتقاء يجعلنا مقدما اما نص يعني ما يقول في كل الحالات والمواقف، فهويرسم صورة تهويلية تفجر التردد والخوف في نفس من لايعرف، وهذه الرؤية سنراها تتكر في اللوحات الباقية رغم اختلاف الرؤية ودلالتها اذ ان كل لوحة قد استقلت برؤيتها على امل اكتمال الصورة الكلية التي يسعى اليها الشاعر، وهو في اللوحة الثانية،فهي تكشف عن صورة من الاصرار على الوصول الى الغاية رغم علمه بوحشة الطريق الذي يعمل على تبديدها بما يرسمها من الصور الجميلة في خياله، وهو في اللوحة الثالثة يلجأ الى المواجهة للدلالة على معرفته بالعواقب فينفجر باسلوب التوبيخ الذي تدل علي الفاظه التي صاغها بعناية (انك قدر) (لايرحم) وفي اللوحة الرابعة يوحي الى المتلقي بانه لايزال يطمح ان يحقق مايريد بالاعتراف بانه لايزال مستعبدا لها ولكل ما يمثله، له في اللوحه الخامسة يثور كانه شعر بغرابة الاصرار على متابعة التجاهل فيندفع موبخا ومتوعدا (فحذار) وهنا يبلغ الشاعرذ روة انفعاله وايمانه بصحة سير ه، فيصرح انه يعرف ان الوصول الى الهدف (الجنة) يعني لابد من المرور الى النار، ويواصل التحدي في لوحته السابعة وهو يعرف بان السيف سيف حقيقي لانه لايحمله الاثائر كامل، وفي المقطع التاسع والاخير وبعد ان استكمل كشفه عن تلك المحبوبة التي حاول ان يخدع المتلقي بها واصر على عدم فك طلاسمهاورمزيتها خوفا عليها اوغيرة ممن يدعيها، وهو مؤمن بانه الوحيد يعرفها فتمسك بحبها اما الاخرين فهم عابروا سبيل.

 

احمد زكي الانباري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم