صحيفة المثقف

كرسي اليونسكو للحوار في جامعة الكوفة والفضاء الوطني

رائد عبيسمثلت فرصة حصول العراق على اول كرسي له وفي جامعة الكوفة عام ٢٠١٥، تجربة جديدة نحو مأسسة الحوار الوطني داخلياً، وانفتاحه على تجارب مماثلة مع دول المحيط الإقليمي والعالمي، ونقل افكار غير نمطية عن طبيعة الحوار الداخلي، ومؤهلات الاستعداد له وطنياً في المحافل الدولية، فضلاً عن تجربة كتابته وتوثيقه وارشفته، وتبديد اوهام الآخر بعد مكاشفته، ومصارحته بطبيعة المخاوف المشتركة، المتولدة من القطيعة التي خلفتها الهواجس، الغير مشروعة للعنف، والمواجهة، والاقتتال بين أبناء التنوع العراقي.

المساحة الوطنية لمشروع الكرسي، والفضاء العالمي له بكونه مرتبط بمؤسسة كونية وأممية، منحاه صبغة جديدة للحوار غير التقليدي المشجع لكل الأطراف أن تخوض غمارة وتسمع الأفكار النقدية المشخصة لكل مشاكل العراق المحلية والإقليمية والدولية، الصادرة من نشاطاته العلمية عبر الندوات، والورش، والمحاضرات والكتابات، فلها صفة الجدية والعلمية غير ما اعتيد عليه أطراف الصراع، عند جلوسهم على طاولات مستديرة، أو بيضوية، أو باجتماعات أبروتوكولية، كالتي يتبناها الساسة، وهذه توضح عمق الفارق بين متبنيات السياسة من الحوار، ومتبنيات المعرفة ودورها في التشخيص والحل، روح الشفافية النابعة من العلم والمعرفة في تحليل الاشياء وتقييمها، يمنحاها مشروعية القبول اكبر من اي حوار من اي دائرة كانت، وهذا هو الفارق الذي حققه كرسي اليونسكو للحوار في جامعتنا وطموحه للانفتاح وطنياً وتوسيع فضاءه لكشف زرقته التي غطاها دخان الحروب ولبدته غيوم الكراهية، كان هذا عبر جملة من المفاهيم والأفكار كموضوع السلم الأهالي والعنف والإبادة وخطاب الطائفية والتسامح وإمكانياته في المجتمع العراقي، بكونه مجتمع متنوع بكل أنماط التنوع الديني، والثقافي، والعرقي، والقومي، ومكونات هذا التنوع المتعايشة منذ أمد بعيد، ولكن أحدثت السياسات الكابتة والقامعة لها، ردود أفعال متناقضة، لاسيما بعد أن انفتح فضاءها بعد التغيير نحو طموحات كبرى، منهم من فكر بالانفصال، ومنهم من هاجر، ومنهم من لديه طموحات الأقلمة، وطموحات سياسية اخرى، اتسعت بعد أجواء الديمقراطية المتاحة التي نالوها بعد عهد الديكتاتورية. هذه المشكلات التي ظهرت لم تتمكن المؤسسات السياسية من احتواءها على الرغم من نظام المحاصصة، وسياسة المراضاة، وغيرها من الإمتيازات التي حصلت عليها هذه الأطراف، وهذه الحلول بالنسبة للمراقب والمتفحص للشأن العراقي،  هي حلول ترقيعية فشلت في تحقيق اطمئنان تام عند هذه المكونات، والسبب في ذلك هو أن المراضاة السياسية غير المراضاة المجتمعية التي تحتاج إلى استثمار قيم التسامح والتعايش التي كانت سائدة،  بروح جديدة تعبر عن الرغبة بالاحتضان الوطني لكل المكونات، وهذا من وجهة نظرنا يحتاج جهود أكاديمية وبحثية تدرس الظاهرة و تشخصها، وتحاول مأسسة الحوار بينها، لتثبت حسن النوايا الوطنية لاحتواء الكل بفضاء وطني جامع، فجاءت جهود كرسي اليونسكو للحوار ومبادراته لتعضد ذلك الطموح، وترسم خريطة التفاعل بين هذه المكونات وأطيافه المجتمع العراقي، عبر ندوات مشتركة، وابحاث، ودراسات واستكتابات، وفعاليات أخرى، كانت قد فتحت بها باب التعريف بالهوية الوطنية، بطريقة مختلفة، ونفست عن ذلك الكبت، بأثارة صريحة لكل مشكلات الواقع العراقي لأجل تخطيها، إتجاه السلم المجتمعي والتصالح التذاوتي، اذاً كيف نستثمر قيم التسامح الاجتماعي في بناء الدولة؟ وكيف نشخيص أثر العنف الاجتماعي في إنتاج العنف السياسي؟ وكيف نشخص القصديات في تعزيز الاختلاف لتبديد التسامح من قبل أطراف داخلية وخارجية تحاول أن تهدد السلم في المجتمع العراقي؟

هذه التساؤلات الأخيرة تدعونا إلى توفير الإجابة عن سؤال أكثر أهمية،  هو كيف نُستثمر كل التجارب المتاحة التي تنتج عن كرسي اليونسكو في توسعة الفضاء الوطني إلى تجارب جديدة، تشخص، وتعالج وتضع الحلول لكل مشكلات الواقع العراقي؟ لأجل الانفتاح على المجتمع والاقتراب من همومه وطموحه، وتجاوز النرجسية النخبوية القابعة خلف يوتوبيا الأمل الذي نبغاه بدول عمل!

 

دكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم