صحيفة المثقف

الاستقراء كنهج حياتي ومنهج فقهي استدلالي..

عقيل العبودالمنطق الارسطوي إنموذجا

ان يستقرئ العالم النص القراني، معناه ان يستنبط حكما شرعيا بناء على مساحة الانتقال الذهني-العقلي  من الكلي الى الجزئي، ذلك بحسب المعنى المتعارف عليه في تعريف الاستقراء. 

وتلازما مع التعريف، يتوارد الى الذهن المنطق الأرسطوي، باعتباره به يشار الى تحليل القضايا وفقا لعملية الاستدلال.

ذلك من خلال استكمال التدقيق اللغوي، وإنشاء مقدمات البحث المنطقي والانتقال بها من المقدمة الكبرى الى النتيجة، باستخدام الصغرى.

فمثلا بحسب هذه المقدمات نقول:

الحب دائما يؤدي الى السعادة....مقدمة كبرى

 العالم بكسر اللام يحب........مقدمة صغرى 

إذن العالم سعيد.....النتيجة

وفي الدراسات الحوزوية يعد علم المنطق من المناهج الأساسية كونه مادة للبحث الإستدلالي، ومنطق أرسطو، ومنطق المظفر كأمثلة لذلك.

وخلاصة ما تقدم، ان الفقيه يعتمد قراءة السورة القرانية، باعتبار ان الأحكام الشرعية تقوم على الكتاب، والسنة، والإجماع، ويضاف اليها بحسب المذهب الأثني عشر، العقل.

باعتبار ان تقرير الأحكام الخمسة والتي هي الحلال، والحرام، والإباحة، والكراهة، والإستحباب إنما  تعتمد على هذا التصنيف.

وهنالك عنوان اولي، وعنوان ثانوي للحرمة، والعنوان الثانوي استقراء نتيجة، اما العنوان الأول فهو استقراء مباشر.

 فحرمة الخمر مثلا وقعت بعنوان المسكرية، أي ان الخمر يذهب بالعقل، وغياب العقل يقود الى الوقوع في الفواحش من باب أولى.  والفواحش تم تحريمها بحسب النص القراني، في قوله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )

ولذلك تقرر حكم تحريم الخمر بناء على الجمع بين الآيتين،

حيث ورد في قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

إذن اجتناب الرجس في الآية الثانية، جاء استكمالا لمعنى الاستقراء الأول بناء على التعريف اللغوي للفواحش، والتي تنقسم الى فواحش، ظاهرة، وأخرى باطنة.

والخمر كونه يذهب بالعقل فهو يقود الى الوقوع بالفاحشة والتي من ضمنها الكلام والتصرف غير المنضبط، والفحش بحسب معناه في قاموس المعاني تجاوز الحد، والفحش في الكلام والتصرف.

ومن الضروري الإشارة  هنا الى ان العالم- الفقيه يعتمد كفاية الأصول كمنهج للعمل في القواعد الاستتدلالية، فمثلا قاعدة (كل شئ لك حلال حتى تعلم حرمته) وقاعدة الفراغ اليقيني في الصلاة.

هذا اضافة الى علم الكلام والرجال، (والعنعنة) كمصدر اخر للإستدلال وهو مصدر مهم في نقل ما ورد عن النبي والأئمة والصحابة مع مراعاة صحة السند.

وهذه الأمور مجتمعة تفيد في ربط الأحكام العامة بالأحكام الخاصة باعتبار ان قوانين المجتمع هي قيود أمضى عليها الشارع بينما احكام الدين قيود أمضى عليها الشرع، وهذه الأحكام جميعا يمكن دراستها وربطها واستفراء الفراغات التي توجب الخلاف والتزاحم بينها.

 ولذلك لناقلة القول، احب الإشارة تنويها الى ان هنالك بحسب اعتقادي (استقراء تزاحميا) وهو ضروري لردم الهوة اوالخلاف في فهم الأحكام ومطابقتها باعتبار ان احكام العامة غير الخاصة، فالعالم غير العام، والمتعلم غير الجاهل، والموضوع له تشعبات تفيد المعني بإمكانية الاستفادة من مقولة الإستقراء في باب السياسة والمجتمع والحياة  وعلى غرار ذلك استقراء المستقبل من خلال الحاضر، لذلك يمكن للمتعلم ان يكون متبصرا مبحرا في كليات ما يحدث ربما املا بادراك الجزئيات والتي من خلالها يمكن التعايش مع الواقع وتطويعه لترقية العقل الإنساني.

 

عقيل العبود

.......................

مصادر مهمة للمراجعة:

كتاب المنطق للشيخ محمد رضا المظفر

منطق أرسطو

كتاب كفاية الأصول تأليف الاخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني

الأحكام الشرعية الخمسة

كتاب  شرح الأصول البحراني 

سورة الأعراف آية ٣٣

سورة المائدة آية ٩٠

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم