صحيفة المثقف

حديث الساعة

حميد طولستعادة ما تختلف نوعية أحاديث الناس بحسب أهميتها وشدة إهتمامهم بها، فإذا توحدت آراؤهم في البيت والشارع والمقهى حول موضوع معين، فبالتأكيد سيكون ذاك هو حديث الساعة بينهم ؛ وحديث الساعة الذي شغل المغاربة مؤخرا، وصرف غالبيتهم عما ينبغي أن يفكروا فيه من عظيم قضاياهم  السياسية والمجتمعية المصيرية، بما أثاره من ضجة إعلامية صاخبة اشتد معها القيل والقال، كثرت حولها التفسيرات والتحليلات، واحتد بسببها الجدل والنقاش، والتي من المؤكد أنه "حدث الساعة" ليس هو ادعاء أحد الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مكان غير مكانهم وفي زمان غير زمانهم، بأنه "أذكى رجل في العالم".،  لأن ذلك شيء عادي لدى مجتمع مولع منذ وهلته الأولى بالإدعاءات، الذين يتورع جهلائها عن إدعاء المعرفة، ويسهل على حمقاها إدعاء الحكمة، و ييسر على ضعفائها الرفعة، ويهون على فقرائها الغنى، دون أن يحاول أي منهم أن يكونَ ما يدعيه، لإعتقادهم وإطمئنانهم إلى أنه لا أحد يجرؤ على نقد إدعاءاتهم أو تقريعهم على إنتحالهم صفات سامية لا يستحقونها، لمجرد إنتمائهم إلى أعقل الأمم وأكرمها وأشرفها واشجعها واذكاها، الذي جاء في قوله تعالى في سورة سورة آل عمران  الآية 110 "كنتم خير أمة أخرجت للناس" والذي يكتفي العالم العربي والإسلامي بالافتخار به فقط، دون أن يعمل أي منهما على تجسيد ذلك التميز على أرض الواقع، بتفعيل "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله " المذكورة في نفس الآية : "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" والتي يفصلونها عما بعدها، كما يفعل مع قوله تعالى "فويل للمصلين " الذي إعتدنا أن نتوقف عنده .

لكن الغير العادي والذي يستحق أن يكون بحق "حديث الساعة " هو السلوك الأرعن الذي وصل إلى أحط الدرجات التدني الأخلاقي،المستقى من الجهل المستحكم في ثقافتنا العرب/اسلامية، والذي يصعب معه على أي متابع للمشهد السياسي المغربي أن يتخذ موقفا حياديا تجاهه، والمتمثل في هجوم أحد محتكري القرار السياسي والتمثيل الديني ببلادنا، على العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ، واصفا إياه بأنه "حمار"، ليتبث أنه أذكى منه.

صحيح أنه يمكن أن تكون المجتمعات جاهلة ومتخلفة، ولكن الأخطر من ذلك، والذي يعد أسوء مصائب الجهل الذي لا يمنع صاحبه من الانحدار، هو أن نجد الذي يتبجح بالأخلاق الحميدة والفضائل الرفيعة في خطب الجمعة ومجالس الوعظ والإرشاد، هو من يحلل ويعلل ويؤول، حتى الذي لا يُحلل ولا يُعلل ولا يُؤول، ليجعل الجهل "مقدسا" ويبقي المجتمع يعمه في الجهالة العمياء وهو يظن أنه عالم..

حديث الساعة هذا، يذكرني أننا ننتمي إلى مجتمعات وقحة لكنها تسقط في كل إمتحانات "حسن السلوك" بنتيجة كارثية، وأختم مقالي هذا بــ،"الله يسبل علينا عقلنا" الدعاء الذي كانت تردده أمي، رحمها الله، أمام صور الجهل المركب..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم