صحيفة المثقف

الإعلام العراقي والذوق العام

رائد عبيسيمثل الإعلام نقطة تحول في وعي كل المجتمعات البشرية، لما له من أثر التحكم بقناعات العامة، وتشكيل نمط من القبول، عند مجتمع مختلف التوجهات والانتماءات، وهذا يحتاج إلى سياسة إعلامية محكمة، في توجيه برامجها واجنداتها،والا تنتهي إلى فشل، كحال كثير من وسائل الإعلام التي تأسست وتلاشت،بسبب الافلاس، والتقاطعات الأيديولوجية، أو التفاهمات السياسية، ومصير وسائل الإعلام فيها. كحالها في العراق الذي انتقل من نمط موحد، ونسقي, في منظومته الإعلامية الى بلد تتنوع به وسائل الإعلام، بكل أشكالها ومنافذها، الورقية، والإلكترونية، والمسموعة، والمشاهدة وصولا إلى منصات إعلامية، شبه مجانية كبرامج التواصل الإجتماعي, وتطبيقاتها، هذا التنوع شتت الاهتمام بوسيلة محددة من وسائل الإعلام، وفتح الباب على مصراعيه أمام ذائقة المتلقي، فنجد هناك ثلاث أصناف من المقيدين، بتوجيه وسائل الإعلام من الجمهور والتي تختزل وسائل الإعلام برامجها بهم، بكونهم أصناف مستهدفة لمادتها الاعلامية. وهم ؛ الجمهور المستجب، والجمهور الرافض، والجمهور الخام، الاستجابة الجماعية، لتأثير وسائل الإعلام، يأتي نتيجة عوامل كثيرة، أولها الجهل بطبيعة الأجندات، المحاكاة الخادعة لواقعهم، أو التعبير عن مشاكلهم بطريقة تبكيهم، وهذا الجمهور ينساق وراء عواطف المادة الإعلامية التي تُعد لهم، لتوهمهم أنها قريبة منهم ومن طموحهم، واحيانا الجمهور يرفض تسخير وسائل الإعلام لحاجاتهم ومشاكلهم، لا سيما بعد كشفه أجنداتها، وبرامجها المرتبطة بالخارج، أو بالداخل المختلفة مع العملية السياسية، أو الطائفية، أو الاجتماعية، ونموذج هذا الجمهور عادة ما يتقاطع مع وسائل الإعلام هذه،كما حدث مع فضائيات، مثل الجزيرة والبغدادية وغيرها من وسائل الإعلام التي كانت ضد العملية السياسية، أو تحاول أن ترسخ الطائفية بالمجتمع،او زرع الفرقة الاجتماعية، وقد ترتب على الوعي بهذه الأمور حراك شعبي رافض، لمثل هذه السياسات الإعلامية، كالتظاهر ضدها، والاعتداء على المكاتب الخاصة بها، وغيرها من الممارسات، أما الجمهور الخام التي تحاول وسائل الاعلام أن تكسبه، هو جيل الشبيبة،جيل الأحداث،جيل من هم دون سن النضج، التي تحاول أن تستدرج ولاءهم واهتمامهم، ومتابعتهم، والتأثير بهم، فهم مادة خام بالنسبة لها، تحاول على الدوام التدخل لتشكيل وعي لهم، قريب من اجندتها، وسياستها، ونمط ثقافتها، وميولها. فالشارع العراقي هو مادة تجارب يوميه، لكل وسائل الإعلام، وما تبث، وتنشر، وتعد، وتخطط، فتخطيطها السنوي الذي عادة ما يعلن عنه كموسم انتاجي لها، أصبح في شهر رمضان، إذ يعد ربيع الإنتاج الدرامي لكل وسائل الإعلام، وما تنتج من برامج تلفزيونية وكوميدية ومسرحية، وافلام وغيرها. وهذا الإنتاج عادة ما يظهر أمور مختلفة، تخدم أجنداتها بوجودها أو محاولة ايجادها، كتعبير عن واقع حال، أو تشويه واقع، أو محاولة إيجاد واقع، وهذه الأجندات الثلاث،تقابل تصنيفنا للمجتمع الإعلامي أعلاه، أما أن يكون مجتمع مستجيب لما يطرح، وهو يكون واقع حال، أو هو جمهور ممانع، فتحاول وسائل الإعلام هذه جذبه لها، وتشويهه، بما يخدم اجندتها الموجهة، أو محاولة صناعة جيل لها، وهذا ما قصدناه بمجتمع الخام الذي عادة ما يكون مصدر جذب، وتأثير، وتحضير عند هذه الأدوات الإعلامية و غرضيتها. فالقيم الأخلاقية المجتمعية، تعبر كذلك عن هذه الانماط، أما تكون منجذبة لها لأنها تكشف، وتعلن، رغبتها بنمط العيش التي تطمح به، أو تكون رافضة؛ لأنها تكشف المستور، ولا تعبر عن قيم المجتمع المحافظة، وأما تكون متطلعة، لتصنيف المجتمع وتربيته على وفق برامجها المعدة لها، وتغذيتها للجمهور به.لذلك نشاهد في المجتمع العراقي، هناك جمهور خاص بكل فضائية، وبكل وسيلة إعلام، تحدد وتكشف عن ميولهم القيمية، والاجتماعية، والسياسية، ويظهر ذائقتهم ورغباتهم، واعلانها بذات أخرى في بطل مسلسل أو ضيف برنامج، يعبر عما يجول في أذهانهم و يختزل ميولهم، وهذا ما يخلق الازدواجية، ومرجع ذلك هو الإعلام المتأدجل بأدواته النفعية التي لا تدخل مصلحة الذوق العام قيد اهتمامها.

 

 الدكتور رائد عبيس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم