صحيفة المثقف

هيفاء الأمين ومطرقة الإلتباس في لغة المفردات

حتى لا يشاكسني المشاكسون

أقول: لم أكن يوماً متحزباً لجهةٍ ما، لحزبٍ ما، ولا أُؤمن بلغة النفاق، وازدواجية المعايير، وأرتداء المعاطف في مواسم الصيد، والتملق لكائنٍ من يكون حتى لو نُصبت لي ألف مشنقةٍ وألف مدفع، ولم ابع قلمي وفكري وقناعاتي لشخصٍ ما، في يومٍ ما، على مدى سنوات عمري الممتدة من أول دمعةِ ألم لآخر دمعةِ وجع.

أُؤمن أن الإنسان ولدَ حراً وعليه ان يبقى حراً بفكرهِ وإرادته وتوجهاتهِ، وأن لا يكون عبداً لغيرهِ على حساب الحق والحقيقة ودمعة الفقراء، دمعة الله.

أحببتُ الفكر الماركسي حينما تصفحتُ اوراقهُ وتعمقتُ في نظرياته فوجدت فيه احتراماً لآدمية الإنسان، ولكن مع ذلك بقيتُ مستقلاً بتوجهاتي ولم أنتمِ لأي حزبٍ سياسي او أي جهةٍ سياسية مذ ولدتي أمي على هذه البسيطة لحد لحظة كتابة هذه السطور، رغم المحاولات الكثيرة التي حاول بها الكثيرون أصطيادي بصنارات صيدهم وأغراءهم لي، ومحاولاتهم ادخالي في معبد عوالم أحزابهم السياسية.

 لكني رفضت .. والحمدُ لله أني رفضت الإنتماء والإرتماء بأحضان كل الأحزاب بكافة أسماءها ومسمياتها وألقابها سواءً العلمانية منها أو الإسلامية أو القومية أو اليسارية أو حتى القروية.

أنا أنتمي فقط للإنسانية ..

أنتمي لفقراء الأرض ..

أنتمي لدمعة الله في بلاد الله ..

وحتى لا أشتت فكرة كتابة هذه السطور.

سأطلق كلماتي دون محاباة أو رياء أو مراوغة أو تغيير في الموقف الإنساني الذي جُبلت عليه.

أنا لستُ مع النائبة هيفاء الأمين ولستُ ضدها، لأنها لا تعنيني بقدر ما يعنيني فقراء الوطن، معذبَّي الوطن، بسطاء الوطن.

ولكن لنكن مهنيين وواقعيين في تقييمنا للسيدة هيفاء، ولكلِ متحدثٍ تخرجُ من فوهَّة فمهِ كلماتٌ ليست كالكلمات، قد يراها البعض موجعة، ويراها البعض الآخر حالة طبيعية كردة فعل لما يحدث في مجتمعنا المقيد بالوجع.

ولأنها امرأة دعونا نحسن الظنَّ بها ولو قليلاً قبل أن نهاجمها بصواريخ أسلحتنا الفتاكة، ونرديها قتيلةً في ساحة المواجهة الفكرية.

مبدئيا، أرى أن هيفاء الأمين اخطأت حين تحدثت عن المجتمع العراقي، وخصوصيات المجتمع العراقي، وتحديداً عن ابناء الجنوب في بلادٍ ليست معنية بالقضية، وليست معنية بإيجاد الحلول لمشاكل العراق والعراقيين، فالغرباء لا يبنون لنا وطناً، ولا يتوجعون لعذاباتنا مهما تعاطفوا معنا، ومهما ذرفوا دموعاً سرعان ما تجففها مناديلهم الورقية.

كان يفترض من السيدة الأمين، إن كانت فعلاً جادة في سعيها والله أعلم ما في النوايا، أن تعقد ندوةً موسعة في الجنوب وتدعو العشرات من وجهاء المدن، شيوخ المدن، النسوة المثقفات، الشباب المثقف الواعي، أصحاب الفكر والدراية من المثقفين والمتحمسين لتأسيس مجتمع مدني ودولة مؤسساتية يشعر فيها المرء بأنه فعلاً إنسان مصانةً حقوقه في ظلِ حياةٍ حرةٍ كريمة، وتدعو ايضا وسائل الأعلام، وتناقش بشجاعةٍ وهدوءٍ وشفافية تامة كل السلبيات والأخطاء الكبيرة التي تشهدها الساحة العراقية أمام العشرات من السيدات والسادة، وتفسح المجال لكل الحاضرين بالتعبيرعن آراءهم أن كانت آراء صائبة أو كانت آراء مغلوطة لكي تتفهم ما يجري في العراق من تغييرات ومتغيرات تقحم الإنسان العراقي بكم هائل من الألم والغليان.

ما أرادت أن تبينه السيدة الأمين هو تشخيص لأخطاء فادحة في المجتمع العراقي مقارنةً بالبيئة او المجتمع السويدي الذي عاشت فيه، وهنا يحق لها كأنسانةٍ أن تُدلي بدلوها ولكنها اخطأت من حيث المكان الذي صوبت فيه كلماتها بإعتباره مكان لا يصلح فيه التشهير بسلبيات المجتمع العراقي، حتى وأن كانت بحسن نية، والله أعلم ما في الصدور، وهي بلا شك سلبيات من حيث المبدأ او كما تراها هي السيدة الأمين، ولكن مع ذلك كان يفترض أن لا تجاهر بتلك السلبيات في مكانٍ آخر لا ينتمي للعرقيين.

مسألة التخلف والجهل لا أحد ينكر تلك الحقيقة سواء كانت تلك الحقيقة موجعة ومؤلمة، ولكنها حقيقة لا يمكن اخفاءها والتستر عليها، وربما السؤال الذي يطرح نفسه بشجاعة:

من الذي اوصل المجتمع العراقي الأصيل، مجتمع الحضارة والطيبة والإنسانية التي نجاهر بها ليل نهار أمام الغرباء إلى هذه الحالة المأساوية؟ 

أليست الحكومات المتعاقبة لأكثر من نصف قرن هي من أغتالت الإنسان والإنسانية؟

أليست الحكومات المتعاقبة التي طالما أرتدت جلباب الوطن والوطنية المزيف لباساً لها، هي من حوَّلت المجتمع العراقي إلى مجتمع مفكك، متهالك، مقيد بالقهر والتخلف والفقر والجهل؟

هل المجتمع العراقي هو من لبس جلباب الجهل والتخلف بنفسه؟

إذن، برأيي المتواضع، على السيدة هيفاء، إعادة تقييم المشهد من خلال ندوة جماهيرية موسعة، وأن تستقطب عدد كبير من الجماهير وتشركهم في إبداء رأيهم بشجاعةٍ وعقلانيةٍ وهدوء بعيداً عن اجواء الغلو والمهاترات والنرجسية والغرور سيما وهي أي السيدة هيفاء تملك صوتاً في البرلمان العراقي بإعتبارها ممثلةٌ لكلِ العراقيين بصرف النظر عمن انتخبها، او من لم ينتخبها لأنها الآن تمثل صوت العراقيين، وليس اصوات من انتخبها فقط تحت قبلة ما يسمى بالبرلمان العراقي، شاء زيدٌ او رفض عمرُ.

*         *          *

على أرصفة الوجع

لا تطلب من فلاحٍ يمتلك عشرات الآلاف من الدونمات أن يصلح أرضه وينتج محصولا زراعياً ناجحاً بدون مساندة ومؤازرة الدولة متمثلةً بهيئات ومؤسسات زراعية.

ولا تطلب من التلميذ أن يبدع في المدرسة وأنت تتركه بدون مستلزمات الدراسة، من قاعة دراسية يتوفر فيها الحد الأدنى من المؤهلات التعليمية والمختبرية والإنسانية، أضافة إلى الزي المدرسي الموحد كما كان عليه في الستينات، والسبعينات، وحتى في الثمانينات ليميزه بأنه تلميذ، فقط تلميذ، وليس مزارعاً في حقلٍ او عاملاً في مصنعِ، أو في مهمةٍ أخرى.

وكيف تطلب وتطالب من الشباب إلا ينحرف وأنت تحرمه من حقه في العيش الطبيعي كما هو الحال عليه في دول الخليج وبلاد اوروبا، وتحرمه من كل المناخات الطبيعية من مساعادات مادية، سكن يليق بالإنسان، فرص عمل، رعاية صحية، أهتمام حكومي؟ 

وكيف وكيف وكيف؟ 

طابور طويل من علامات الإستفهام يبحثن في ضمير الوطن عن أجوبة واقعية ومقنعة.

وآهٍ من دمعةِ الفقراء حين تنثرها الريح في ليل الاشتهاء.

وشبيدي يا روح ...

 

أحمد الشحماني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم