صحيفة المثقف

مذكرات الرحالة في العصور الوسطى

كاظم شمهودكان للمسلمين السبق في ميدان الرحلات والاكتشافات الجغرافية والعلمية في العصور الوسطى. وكانوا متفوقين على غيرهم بعدة قرون ثم بدأوا يؤلفون ويؤرخون في تقويم البلدان ويصنفون اجزاء امبراطوريتهم وما جاورها من الاقاليم . وكان المؤرخون العرب هم في الحقيقة رحالة مثل المسعودي واليعقوبي والمقدسي، البيروني، ياقوت الحموي، الادريسي، ابن حوقل، ابن فضلان، ابن وهب القرشي، ابن بطوطة، ابن جبير الاندلسي وغيرهم .. . وقد ذكر بعض هؤلاء بان كتبهم ومذكراتهم قد نهبت وسرقت اثناء رحلاتهم من قبل الهنود في الشرق الاقصى والصليبيين في بلاد الشام. وكان امتداد الامبراطورية الاسلامية من الصين الى بلاد الاندلس شجع على الاسفار والرحلات على طول وعرض الامبراطورية والتي لولاها لما كان لنا ان نعرف اليوم شيئا عن ثقافات وتقاليد وعادات وعمران تلك الامم السابقة .

901 شمهود 1

من طرائف الرحالة:

يذكر بان ابن فضلان كان في رحلة عام 961 م الى بلاد البلغار والتي تقع جنوب روسيا في مهمة دينية فوجد من عادات الناس المسلمين هناك ان يضعوا على رؤسهم القلانس وعند التحية يرفعها ويضعها تحت ابطه مع انحناء الرأس احتراما، وهذه العادة عبرت الى اوربا في القرون اللاحقة .. كما ان من الاشياء التي اتعبت ابن فضلان في النصح والارشاد هي ان الرجال والنساء كانوا ينزلون الى النهر عراة فيغتسلون ولا يستر بعضهم من بعض ( ...؟) وقد كتب المؤرخ المستشرق الروسي فلادمير مينورسكي بان ابن فضلان كان دقيق الملاحظة والوصف حيث وصف حفل دفن زعيم روسي وصفا دقيقا حتى جاء احد الرسامين في القرن العشرين ورسم صورة لهذا المشهد اعتمادا على وصف ابن فضلان، واليوم الصورة تزين المتحف التاريخي في موسكو .. وكان معظم المؤرخين المسلمين قد اعتمدوا على مذكرات ابن فضلان مثل المؤرخ المسعودي .

901 شمهود 2

ومن الرحالة ايضا ابن وهب القرشي الذي انطلق من البصرة عام 256 هجرية / 870 ميلادية متجها الى الصين، وساح في بلاد الهند ثم دخل الاراضي الصينية وطلب مقابلة الامبراطور فسمح له بعد انتظار طويل، وعندما التقى بالامبراطور رحب به ودار حوار بينهما ثم عرض عليه الامبراطور بعض الصور لعدد من الانبياء مثل نوح في السفينة وموسى وبني اسرائيل وعيسى على حماره والحواريون معه .. ثم عرض عليه صورة تمثل محمد على جمل واصحابه محدقون به وقال له هذا صاحبك .. وتعتبر هذه الصورة من اقدم الصور الشخصية للنبي محمد –ص- ان لم تكن الاولى في تاريخ الفن الاسلامي، ثم جاء بعد ذلك الفنانون الايرانيون بعدة قرون ورسموا صور شخصية خيالية للنبي والائمة وبعض الصحابة خاصة في زمن الدولة الصفوية في بداية القرن السادس عشر ..

ويذكر ان رحلات المسلمين اقبل عليها المستشرقون الاوربيون بتشوق واعجاب كبير في القرن التاسع عشر ودرسوها ثم ترجموها الى اللغات الاوربية ثم طبعوها مثل رحلات ابن وهب القرشي التي طبعت عام 1811 على يد المستشرق الانكليزي لانجلس LANGLOS ، واعتبرها الدكتور حسين فوزي بانها من اهم الآثار العربية في ادب الرحلات الى الشرق الاقصى .. كما ترجمت وطبعت رحلات ابن دلف عام 1845 بعناية المستشرق فون شاوزر واتصفت بالايجاز والدقة في التدوين .

901 شمهود 3

ونتيجة لطول السفر والتعب والمخاطرة يبقى الرحالة سنوات بعيدين عن الاهل والاوطان مما يظطرهم الى الزواج، فذكر بان ابن بطوطة في رحلته تزوج في مصر مرتين وفي جزر الملديف اربع مرات، كما ذكر ابن بطوطة بان الرحالة يتزوجون ويخلفون اولادا ثم يرحلون عنهم اما الزوجات فلا يخرجن من بلداهن ولو اعطيت لهن ملك الدنيا ..

ومن الطرائف الاخرى ما دونه الرحالة سليمان السيرافي في حوالي 237 هجرية / 851 م حيث بدأ رحلته من البصرة في احد السفن التجارية المتجهة الى الشرق الاقصى، وقد اعتبرها المؤرخون من اول الرحلات الاسلامية الى الصين فاهتموا بها كثيرا لما فيها من غرابة ووصف لتلك الشعوب البعيدة ..، وقد وجد في احد الجزائر في المحيط الهندي بانه اذا اراد احد منهم الزواج لم يتزوج الا بقحف رأس رجل من اعدائهم فاذا قتل اثنين تزوج اثنين واذا قتل خمسين زوج خمسين امرأة ..؟ 

اما الرحالة الاندلسي الكبير فهو ابن جبير فقد قام بثلاثة رحلات الى الشرق حيث كتب مذكراته تحت عنوان – تذكرة بالاخبار عن اتفاق الاسفار – وقد طبعت بعد ذلك ونشرت على يد المستشرق الانكليزي رايت عام 1852 –W-Wright - وكانت رحلته الاولى قد بدات عام 1183 م . وقد مر ابن جبير على بغداد ووصف اهلها وصفا قاسيا ( ان هذه المدينة العتيقة وان لم تزل حاضرة الخلافة العباسية قد ذهب اكثر رسمها ولم يبقى فيها الا شهر اسمها، اما اهلها فلا تكاد تلقي منهم الا من يتصنع بالتواضع رياء، ويذهب بنفسه عجبا وكبرياء ...)

 وفي رحلته الثالثة الى الشرق كانت عام 614 هجرية / 1217 . ويذكر ان سبب هذه الرحلة وجده وآلامه على زوجته عاتكة التي توفت في تلك السنة والتي نظم فيها ديوانه (نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح)، ثم استقر في الاسكندرية في مصر وهناك توفى عام 1217 .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم