صحيفة المثقف

السرد القصصي في شعر الرومي

احمد الكنانيالقصة الشعرية عريقة بعراقة الشعر ذاته، وما الملاحم في الشعر القديم الا نوع من أنواع القصص الشعري، نعم هي قليلة او نادرة لخصوصيات في الشعر الجاهلي كما يسمونه، وكذلك في الفترات المتعاقبة الأموية والعباسية، اذ يحكي الشعر حالاتهم الخاصة وتجاربهم في العشق، والقصص جاءت على هذا النحو، لكنها في الشعر الحديث أخذت منحاً اخر تكاملت به القصة بكافة عناصرها ومفرداتها من المقدمة وحتى الخاتمة .

والمنكرون للقصة الشعرية أرادوها منحصرة في النثر خاصة؛ لقدرته على استيعاب مقوّمات القصة ومطاوعته لها بخلاف القيود الشعرية من الوزن والقافية ومقاومتها للغة القصة المتقوّمة بالوصف والتحليل .

ولهذا تعتبر القصة الشعرية فناً راقياً يجمع بين حلاوة القصة وجزالة النظم الشعري .

لكنها عند مولانا جلال الدين تعني شيئا اخر يتصل بالمعاني الصوفية المتسامية التي يريد ايصالها لإهلها، فالقصة الشعرية في المثنوي تحمل رسالة معبّرة عن التجربة الثرية التي أهدانا إياها مولانا في بعدها المعنوي والأخلاقي .

القصص الشعرية في المثنوي لا يمكن استنتاج قاعدة جامعة لها لاِختلافها بالمضامين والرسائل المراد ايصالها، فهي بحاجة الى دراسة مستقلة والى تفكيك رموزها والتركيز على الرسالة المتضمنة لها .

اول سرد قصصي يواجهنا في المثنوي هو قصة الملك والجارية، ويصفها مولانا بأنها تنتقد وضعنا:

بشنوید ای دوستان این داستان

خود حقیقت نقد حال ماست آن

*

استمعوا أيها الأحباب لهذه القصة

فهي بحق تنتقد حالنا …

هذه القصة في غاياتها

                   تصقل الأفكار في آياتها

لو كشفنا ذاتنا في الحالتين

                  لسعدنا أبداً في النشأتين

*

بود شاهی در زمانی پیش ازین

 ملک دنیا بودش وهم ملک دین

 

اتفاقا شاه روزی شد سوار

با خواص خویش از بهر شکار

 

یک کنیزک دید شه بر شاه‌راه

شد غلام آن کنیزک پادشاه

يتحدث عن قصة الملك الذي اجتمعت لديه نعمة الدنيا والدين معا، وفي رحلة صيد للظبي في الصحراء مع صحبه والمقرّبين اليه انقلبت الآية فأمسى هو الفريسة والضبي هو الصياد .

في رحلة الصيد هذه اعجب بجارية ايّ إعجاب، لتبدا قصة البحث عن مالكها ليدفع لها بمبلغ طائل وليحظى بعشرتها :

 

شد غلام آن کنیزک پادشاه

اصبح عبدا والجارية هي الملكة

*

ملك في سالف العصار كان

                     أمل الأمة في ذاك الزمان

راح والأحباب يصطاد الظبا

                       يقطع البيدَ سهولاً وربى

فرماه الحب سهما فهوى

                   خائراً يشكو تباريح الهوى

اذ رأت عيناه في ذاك المجال

                 ظبية تصطاد آساد الرجال

أمة تستعبد الحّر الكريم

              فغدا السلطان في هّم عظيم

لكن الأقدار سارت على خلاف ما يشتهي الملك، اذ مرضت الجارية وساءت حالها .

لعبةُ الأقدار في دنيا البشر

            لم تزل تجري عليهم في صور

ربّ حاف لم يجد ما بنعله

                 وحمار لم يجد ما يحمله

ربّ كوز لم يجد ماء وما

      لم يجد كوزاً لكي يروي الظمأ

 استدعى تردي حالتها قدوم الأطباء لعلاجها، وبعد ان يأسوا من حالتها التجأ الملك الى العبادة والتضرع حتى ابتلّ موضوع سجوده من كثرة بكاءه، فغشيه النعاس، فسمع في منامه هاتفاً يخبره بقدوم طبيباً حاذقاً سينقذه فيما هو فيه من همّ .

فالتقى بطبيب قدم له النصح بما يجب فعله لشفاء الجارية، وبسؤاله للجارية ومن اي البلاد هي قادمة يعرف الطبيب بحنكته انها تعشق شابا سمرقندياً .

يجُلب الشاب السمرقندي ويعطيه دواءاً ليمرض هو الآخر وتشتد حالته ليخرج حبه من قلبها لتعود خالية الفؤاد للملك .

القصة طويلة وفيها من الحِكم الشئ الوفير، والرسالة التي أراد مولانا ايصالها لقارئيه ليست قصة حب الملك للجارية وما رافقها من احداث، وإنما هو اللقاء الذي صوره مولانا بأجمل تصوير بين الملك والطبيب الحاذق .

لاعتبارات عديدة يمكن جعل لقاء الملك بالطبيب هي الرسالة المتوخاة من هذه القصة، اذ جعل مولانا القصة تعبر عن نقد لحالته الخاصة، ولا وجود لشئ فيها شبيه بحالته سوى اللقاء الذي غير مجرى حياته …

تفاصيل القصة في مناسبة قادمة ..

 

احمد الكناني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم