صحيفة المثقف

صلاة الشارع في رمضان!!.

حميد طولستيتلقى الكثيرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي،  عشرات الصور لمشاهد الصلاة على قارعة الشوارع وملتقيات الطرق، بعضها مفبرك وبعضها الآخر حقيقي، والتي تبقى في مجملها صلاة مستحدثة "ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب" ولا يُبتغى بها مرضاة الله، ويروج لها الذين يرغبون في نشر صورة مجتزأة وغير كاملة عن الإسلام والمسلمين، نعم الصلاة واجبة ومؤكدة،  ومحمود وجميل أن يؤديها المسلم في وقتها، والأجمل منه والذي يحمده لنفسه، ويحمده الناس له، ويجازيه ربه عليه يوم الحساب، أن يصليها في المكان المخصص لها، وألا يعطل بها مصالح غيره بإقامتها في الشارع الذى هو ملكية عامة لكل المواطنين بما فيهم هو نفسه، وإن فعل فلن تكون صلاته إلا ومزايدات هجينة على العبادات ورياء ونفاقا ودعاية كاذبة، ولن تكون قطعا تلك الصلاة الراقية المتحضرة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتلزم المصلي باحترام الآخرين والاعتراف بحقوقهم، الأمر الذي من أجله سن الله الصلاة وأجبها على المسلم ..

لكنه الخواء الفكري، القنبلة الموقوتة التي تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية ويلاتها في زماننا هذا، حيث أن خلو العقل مما ينفع، وإمتلاءه بما لا يفيد من التأثيرات الخارجية السلبية، والتأثر بأي فكر واه وأي مَنهج غير إيجابي، بِغض النَظر عن محتواه وَدرجة صحته وَموافقته للشريعةَ الإسلامية، لهو الكارثة العظمى التي تحركها الأصابع الشيطانية الماهرة، المقنعة بقناع الصلاح والتقوى والمبادئ الدينية والقيم الإنسانية، والتي تهيئة السبل وتمهيدها للوصول لغايتها الخاصة، التي غالباً ما ستكون وخيمة العواقبها على الفرد والمجتمع، اللذين لابد أن يستفيقا من غفلتهما - وربما من غبائهما- ويكفا عن الربط بين صلاة المصلين، وصلاحهم وتقواهم ونزاهتهم، حتى ولو صلوا في كل شوارع وطرقات الدنيا، لأن الشرط الأساس للصلاح والتقوى والنزاهة، هو العمل الفعلي ذو المردودية الواقعية المباشرة على الناس، و ليس العبادات-على صحتها- كيف ما كان شكلها، وإن بعض التطرف خارج حدود الشرك أخطر من الشرك، فرب مشرك مسالم، لا يشكل أي خطر بشركه على الناس، ولا يستغل عقيدته، ولا يفرضها على غيره، خير من مصل يستغل الصلاة في الشوارع لتشويه الإسلام والإساءة للمسلمين وغيرهم من الناس..

وما أظنها إلا حيلة قد أنكشف أمرها -كما الآلاف غيرها- ولم تعد تنطلي حتى على البسطاء من الناس، الذين لم تعد تهمّهم لا صلاة المصلين ولا ابتهالاتهم ولا أذكارهم، بقدر ما أصبح يشغلهم معاشهم وحقوقهم المهضومة، بعد أن تغير الوضع وتغيرت أدواته ومدخلاته ومخرجاته وقوانينه مع انتشار شبكات التواصل الإجتماعي التي كشفت المستور، ولم يعد يحتمل معها المزيد من الإستحمار..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم