صحيفة المثقف

موال البائع الجوال

صحيفة المثقفالحزن يأسر صوته مثل زجاجة حبلى بعصفور غريق يأبى السكوت على انغلاقه وينشد أن يستريح على غصن بهي ببستان العذوبة مطلق الجناحين كفراشة غادرت الشرانق الى غير رجعة، صوته مثل وردة متعبة تنتظر من يشم عطورها في قمة شاهقة عنيدة، لسان حال صخورها يجرح وجه النهار ويفترس ظلال الليال، غير إن انتظارها يشوبه قلق الرعونة من أن تموت ولن يراها معجب مفتون بالعطر الذي تسكب وبالألوان مفعمة فريدة تغادرها تبهت تبهت تبهت بتأن لحظة بعد اخرى، والملمس المخملي الذي ترتديه وشاح هيبتها يصرخ بالعابرين : أما التفاتة ... لذا هي تشكو بصوت فاتح كسماء في فصل الخريف . هكذا هو صوت نعمان البائع المتجول الذي ارتداه الظل واتخذه قريناً منذ سبعة أعوام وأسكنه دروب الضيم يبحث عن لقمة عيشه التي تهرب بعيداً كلما أوغل مسترسلاً في دروب الحياة . صوته معجزة لا تدانيها معجزة اخرى في زمن الصحو حيث بلابل الأحلام موثقة العيون الى نماذج الشك في الشيء قبل تمامه، تحبو الطفولة على سحنته لينتزعها بشراسة من كرسيها المعنى سراب . لا الحلم يرحل عن مقلتيه ولا اليقين من إن صوته معجزة معروضة على رفوف الاكتشاف، والشراة المترفون يغضون أطرافهم بلؤم عنها الى الأسمال اللواتي ترتديها قامة البائع المنسي طيفه، المأسور صوته قيد الحنين، والذي غادرته الفتوة لاغية العقد الذي يكبل هامته الى قائمة الأمل . فلا مد يرويها وليس سحابة ولا غيمة تؤشر بقعة وجوده في قوائم البشر الرافعين رؤوسهم في انتظار الفرج، الباسمين على الظمأ والراسمين الحلم بعد الحلم على جدر الحياة متنازلين شيئاً فشيئاً عن طموحاتهم وعن رائع الأغنيات، مفرغين رؤاهم من جموحها العابر ومن سفن تجوب بحر المنى مثقلة بالصور الملاح شفافة الأُمنيات، رافعين رايات استسلامهم لقراصنة المواهب بوشكون العزوف عن الرجا والركون بصمت الى ضفاف الضياع، فهل يصل الغيث في غيمة من سرور وغلالة بهجة لينتشلهم في اللحظات الأخيرة أم سيعتقهم الموت الرؤوم من سراب الانتظار . فيُسفح الحلم المأسور في قعر نفوسهم التي ثراؤها الوهم الى الثرى كقامة أرهقها النهار سعياً أو مثل شمس غلبها على أمرها الصدأ .

 

سمية العبيدي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم