صحيفة المثقف

صفقة القرن بين بيانيّ قمتيّ مكة.. تأييد عربي ورفض إسلامي

بكر السباتينبيان قمة منظمة التعاون الإسلامي الختامي الذي أنهى أعماله في مكة المكرمة لم يأت وفق شروط صفقة القرن التي حققتها القمة العربية خلال بيانها الختامي في ذات الزمان والمكان..

ولنبدأ بالقمة العربية التي ركز بيانها الختامي على العمليات التي قامت بها الميليشيات الحوثية على السعودية مؤخراً، والإشارة إلى أن الصواريخ التي يقول الحوثيون بأنهم صنعوها ما هي إلا إيرانية الصنع وتمثل عدواناً سافراً على السعودية، دون الإشارة إلى قصف طائرات التحالف العربي (السعودية والإماراتية) لليمن دون أي اعتبار ولو ضمنيّ لسقوط آلاف الضحايا من المدنيين.

ويبدو أنه في الجلسات السرية، كما رشح من أخبار، لم تستجب لجنة صياغة البيان الختامي إلاّ استحياءً لمطالب الرئيس محمود عباس حتى يتم إدراج عبارة "التمسك بقرارات القمة العربية السابقة بخصوص القضية الفلسطينية، وتحقيق أمن واستقرار المنطقة العربية"، دون الإشارة ولو بالتلميح لجرائم "إسرائيل" وانتهاكاتها في غزة وبناء المستوطنات، أو حتى انتقاد دولة البحرين التي سيترأس فيها كوشنر (ورشة المنامة الاقتصادية) التي رُفِضَتْ فلسطينياً من قبل كافة الفصائل في إجماع فلسطيني قل نظيرة.. وقد ألمح كوشنر بأن هذا الرفض الفلسطيني سَيُصَعِّبَ عليه مهمة إنجاح هذه الورشة التي ستساهم في تنفيذ أهم بنود صفقة القرن المتمثل بالتطبيع العربي المفتوح مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لم يعترض عليها بيان القمة الختامي.

وجاء تأكيد البيان الختامي للقمة العربية الذي أنهى أعماله مؤخراً في مكة ليضعنا أمام السبب الحقيقي الذي يقف وراء انعقاده في ظل هذه الظروف التصعيدية ضد إيران من خلال التركيز على تضامن وتكاتف الدول العربية في وجه التدخلات الإيرانية، وإدانة تدخلات إيران في شؤون البحرين ودعم الجماعات الإرهابية فيها. وقد استُثْنِيَ في هذا البيان الدور السعودي والإماراتي المُنْتَقَدْ عالمياً في كل من سوريا واليمن.. على الأقل حتى يخرج البيان متوازناً وقابلاً للتصديق، حيث بدا وأنه يسعى لاعتبار إيران هي العدو الوحيد للعرب بدلاً من "إسرائيل" التي تحولت آخر المطاف إلى حليف إستراتيجي في إطار صفقة القرن الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.

ولنقل بأن مساعي السعودية قد نجحت في سياقها العربي وتمكنت من حرف البوصلة عن "إسرائيل" باتجاه إيران.. وهذا ما فشلت في تحقيقه في سياق مؤتمر قمة منظمة العمل الإسلامي الذي أنهى أعماله في مكة، من خلال ببيانها الختامي الذي رفض كل شروط صفقة القرن بطريقة غير مباشرة دون الإشارة إلى ذلك مباشرة ربما بضغوطات أمريكية سعودية. وقد شاركت في القمة إيران التي انبرت للدفاع عن القضية الفلسطينية بكل ما أوتيت بقوة أسوة بالدول الإسلامية المؤثرة كتركيا وماليزيا حيث جاءت القرارات في البيان الختامي منصفة لحقوق الشعب الفلسطيني.. حيث تم التركيز على مركزية قضية فلسطين والقدس الشريف كعاصمة للدولة الفلسطينية. وأن السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، كخيار استراتيجي لن يتحققا ألاّ بانسحاب "إسرائيل" الكامل من أرض دولة فلسطين المحتلة منذ العام 1967، وفي مقدمتها القدس الشريف، وفق القانون الدولي وما نصّت عليه القرارات الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية (التي تم طيّيها عربياً). وهذا بدوره سيسحب البساط من تحت صفقة القرن الرامية لحرق كل ملفات القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وهو رفض ضمني للصفقة.

ودان قادة قمة منظمة التعاون الإسلامي "الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية الممنهجة وواسعة النطاق والتي ترتكبها سلطات الاحتلال، بأدواتها المختلفة، من حكومة، وجيش ومستوطنين، ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وحصارها المتواصل منذ إثني عشر عاما لقطاع غزة." ومن المؤسف أن هذا المطلب كان الأولى بأن يدرج في بيان القمة العربية الختامي في مكة وهو ما لم يحدث.. ليجد من يثبته في البيان الختامي للقمة الإسلامية في مكة الذي شدد أيضاً على أن سياسات وممارسات "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية تُعرض السلم والأمن الدوليين للخطر وتقوض وحدة دولة فلسطين وتهدد فرص التوصل إلى حل سلمي على أساس حل الدولتين.

وقد ذهبت قمة منظمة التعاون الإسلامي في بيانها الختامي إلى أكثر من ذلك، حيث أكدت على "جميع القرارات، وتوصيات التقارير، ولجان التحقيق وتقصي الحقائق، الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنظمة اليونسكو، ومجلس حقوق الإنسان بشأن انتهاكات "إسرائيل" لحقوق الشعب الفلسطيني، في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وكذلك القرارات الصادرة عن حركة عدم الانحياز والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية". وهو المطلب الذي لم يتطرق إليه العرب في مؤتمرهم وكأن فلسطين جزيرة تقع في بحر الصين .

ودان البيانُ الختاميُّ ما كان يُنْتَظَرُ عربياً ولم يحصل، نقلَ سفارتيّ كلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية وغواتيمالا إلى مدينة القدس الشريف والاعتراف غير القانوني بمدينة القدس الشريف عاصمة لإسرائيل، معتبراً ذلك "اعتداءً سافراً على الحقوق التاريخية والقانونية والطبيعية للشعب الفلسطيني واستهدافاً لتطلعاته المشروعة لنيل حريته واستقلاله، واعتداءً على الأمة الإسلامية، وعلى حقوق المسيحيين والمسلمين في العالم أجمع، الامر الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين."

وزيادة في الحرج الذي أصاب الدول العربية المطبعة مع "إسرائيل" وهي إشارة ضمنية رافضة لصفقة القرن وورشة المنامة الاقتصادية فقد دانت القمة الإسلامية في مكة فتح هنغاريا مكتباً تجارياً لها في مدينة القدس الشريف، في مخالفة واضحة للقانون الدولي، ولقرارات الأمم المتحدة، داعياً الدول الأعضاء في المنظمة إلى اتخاذ كافة الاجراءات التي من شأنها حث هنغاريا على إغلاقه والالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وقد حثت قمة مكة الإسلامية جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على مقاطعة تلك الدول التي قامت بالفعل بافتتاح بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف، ووقف أي نوع من العلاقات والتبادلات التجارية والزيارات معها سواءً كانت فعاليات سياسية أو ثقافية أو رياضية أو فنية مشتركة إلى حين تراجعها عن ذلك والتزامها بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.. وهي إشارة غير مباشرة إلى سلطنة عمان التي زارها نتنياهو، وقطر التي استقبلت وفداً رياضياً إسرائيلياً، والإمارات التي لديها تعاون استخباراتي واقتصادي مكشوف للعيان مع تل أبيب، ناهيك عن العلاقات الإسرائيلية السعودية المتنامية، ولم تذهب الإشارة بعيداً عن الأردن الذي وقع على معاهدة وادي عربة ومصر التي كانت المبادرة عربياً في إبرام معاهدة كامب ديفيد في عهد السادات منتصف العقد السابع في القرن الماضي، حتى السلطة الفلسطينية التي بوسعها على اقل تقدير وقف التنسيق الأمني مع المحتل الإسرائيلي والوقوف إلى جانب المقاومة لو حسنت النوايا.

وفي ضربة قاضية لصفقة القرن التي تقوم على الانفتاح التطبيعي الإسرائيلي غير المشروط على الدول العربية فقد دعت منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي في قمتها التي اختتمت مؤخراً في مكةِ الدولَ الأعضاءَ التي أقامت علاقاتٍ مع "إسرائيل" والتي كانت قد شرعت في اتخاذ خطوات تجاه العلاقات مع "إسرائيل" في إطار عملية السلام إلى قطع هذه العلاقات، بما في ذلك إقفال البعثات والمكاتب وقطع العلاقات الاقتصادية ووقف جميع أشكال التطبيع معها حتى تقوم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بقضية فلسطين والقدس الشريف والنزاع العربي الإسرائيلي تنفيذًا دقيقًا وصادقًا وحتى إقامة السلام العادل والشامل في المنطقة.

وبالنسبة إلى الجولان السوري، فقد أكّد القادة المجتمعون في مكّة رفض وإدانة "القرار الأميركي الخاص بضمّ الجولان للأراضي الإسرائيلية، واعتباره غير شرعي ولاغ ولا يترتّب عليه أي أثر قانوني".

ففي البنود السابقة يمكن القول بأن صفقة القرن انتهت في إطار منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي واستعادت القضية الفلسطينية عافيتها.. ورغم ذلك حاول البيان بما يتعلق بإيران الخروج بمعادلة متوازنة رغم أن البيان تجاهل الحديث عن تدخلات كل من السعودية والإمارات في بعض الملفات العربية في ليبيا والسودان واليمن.. وخاصة عمليات القصف التي تتعرض لها الأخيرة وما نجم عنها من ضحايا يندى لها جبين البشرية وعلى رؤوس الأشهاد. وعليه فيمكن تفهم الضغط السعودي في سعيه الدؤوب لتثبيت بند إدانة منظمة التعاون الإسلامي لل"الاعتداء الإرهابي على محطات الضخ البترولية بمدينتي الدوادمي وعفيف في المملكة العربية السعودية والذي يستهدف (كما يقول البيان) مصالح الدول وإمدادات النفط العالمية" دون الإشارة إلى الحوثيين مباشرة أو إيران كما هو دأب الإعلام الخليجي أو إدانة الدور السعودي الإماراتي التخريبي في اليمن.

وأخيراً وعلى ما جاء في البيان الختامي للقمة العربية من توافق تام مع صفقة القرن إلا أن البيان الختامي لقمة منظمة التعاون الإسلامي جاء لينسف الصفقة ويفرق أجزاءها في وجه الريح دون اعتبار لأهداف الدولة المضيفة التي أصيبت كما يبدوا بالخيبة.

 

بكرا السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم