صحيفة المثقف

لقاء مع الفنان المسرحي التونسي رؤوف بن يغلان

939 سونياالمكان مكتب الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان

من يكون الممثل رؤوف من يغلان؟

أولا: رؤوف بن يغلان مواطن تونسي تتجذر فيه روح المواطنة إلى حد النخاع..

ثانيا: أنا لست ممثلا.. لا مصلحا اجتماعيا.. لا مدربا.. لا.. ولا.. أنا فنان مسرحي.. والفنان عقل وروح.. فكر ووعي.. الفنان مبدع.. والمبدع هو الشخص الذي يخلق الشيء من اللاشيء.. الذي يجعل قيمة لما ليس له قيمة.. يعطي معنى للافكار التي لا معنى لها.. المبدع هو الذي يخلق الصور وينفخ في السواكن فيحركها ويحييها ويعطيها روحا.. هو الذي يزرع في أذهان التائهين والمضطربين واليائسين حيرة وأملا.. حيرة لطرح الأسئلة والبحث عن مكامن العيوب والاخلالات العويصة المعقدة داخل نفوسهم لاكتشاف ذواتهم وتثبيتها لكسب الثقة ولبناء شخصية قوية لا تتزعزع ولا تهزها تيارات للتّمكن من فكّ الغموض والإبهام عن استفسارات لا أجوبة لها من قبل الغير.. بل يجب أن تصدر الأجوبة والحلول المنطقية والجذرية منهم وعنهم وإليهم لخدمة ذواتهم وللحدّ من شدة الأزمات ووقعها على مستقبلهم وبذلك يتم العلاج بالمبادرة في الإصلاح والسعي في العمل وبالإنجاز الفعلي وعدم الاختصار على الأقوال والشعارات الكاذبة والبيانات التافهة..

هذا هو المنطق الذي يتحدث به الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان الذي وضع لنفسه استراتيجية عمل وخطوطا ممنهجة ليكون مخالفا لما يقوم به غيره من الممثلين المسرحيين ويبدو ذلك جليا على جميع المستويات الفنية والتقنية والركحية والأضواء والديكور والعرض.. الى نص السيناريو الذي يعدّه ويشتغل عليه والفكرة التي يطرحها..

رؤوف بن يغلان قبل أي عرض مسرحي له يقوم بجولة في ربوع المدينة المعنية التي سيعرض فيها مسرحيته فتراه يتجول في الأسواق والمقاهي والدكاكين والشوارع ليحتكّ بعامّة الناس فيها قبل العرض ولا يريد أن يقف عمله عند ما يطلق عليه الرجل الواحد للمشهد One Man Show بتقديم سكاتشات مع قطع موسيقية.. ولذلك تجده يلتقي بمتساكني المدينة من جميع الفئات العمرية والثقافية لمجادلتهم واستفزازهم للحديث عن مشاغلهم وهمومهم ومعرفة احتياجاتهم وأسباب غضبهم واستيائهم من فساد تفشى في صفوفهم وبين ذويهم وتغلغل في نفوسهم..

وعلى ضوء تلك الشهادات وتلك اللقاءات الخاطفة والمعطيات التي يحصل عليها ويسجلها في ذهنه يعمل بن يغلان على تبليغ أصواتهم للعامة والخاصة بطريقته الفذّة والذكية وحنكته وخبرته في الأداء على ركح المسرح..

كما يعمد رؤوف بن يغلان الى تكوين جلسات أو ورشات تواصلية حوارية قبل وبعد العرض فوق الركح لمناقشة القضية المشكل بحضور جمهور متنوع وبتشريك مسؤولي الجهة وحتى رجال الدين والأيمّة ويجعل المواجهة وجها الى وجه بين المواطن والمسؤول فيكون النقاش حادّا وحيا ونارا تتقد، وكانت مسرحيته الأخيرة : ارهابي غير ربع " برعاية وإشراف وزارة الشؤون الدينية والتي واكبت وحضرت عدة عروض له وأبدت عن إعجابها بالفكرة وأشادت بهذا العمل الجريء المبدع ووعدت صديقنا بالتعاون مع الجميع من المشهد العام من أجل بعث مسرح تفاعلي..

المسرح لدى رؤوف بن يغلان ليس عرضا فرجويا وكفى بل مشروعا يشتغل عليه ويسعى إلى تحقيقه من خلا ل نظرته الاستشرافية الهادفة إلى الإصلاح والتغيير ولا يحصل ذلك دون توعية وإثارة وعمل ونضال وثقافة حقيقية..

ماذا يمثل المسرح لدى رؤوف بن يغلان؟

رؤوف بن يغلان لم يجئ الى المسرح من أجل التسلية والترفيه.. لا للبحث عن النجومية في الساحة الثقافية والأوساط الاجتماعية كي يتحدث عنه المجتمع ووسائل الإعلام والإعلان.. ولا للظفر على الربح وطائل الأموال..

رؤوف بن يغلان جاء الى المسرح هربا من محنة..هربا من ضياع وتشرد.. هربا من انتحار كاد يكون.. لجوءا لحماية في فترة عصيبة عاشها في طفولته إثر وفاة والده وهو في سنّ الثّامنة وكان عليه أن يحلّ محلّ الوالد ويكون اامسؤول على عائلة تتكون من تسعة أنفار ووالدة.. وهذا الثقل من العبء على شخص راشد وبالغ مآله الاضطراب النفسي والذهني قد يصل الى حدّ التّأزّم والانزواء فما بالك بطفل يافع.. وهذا الخوف والكبت ولد فيه الإنفجار.. والانفجار بداية الإبتكار والانتصار على الأوضاع.. ورؤوف بن يغلان وجد في المسرح ضالته ودواءه..

ومن هذه المأساة قرر رؤوف بن يغلان جعل المسرح قضية ورسالة.. واختار القيام بهذه المهمة التي لا يسميها وظيفة فهو يريد أن يدخل البهجة التي افتقدها في طفولته إلى كلّ القلوب وليثير في الأذهان حيرة ورغبة في السؤال.. بحثّهم على التفكير بعمق في طرق الخلاص والنجاة من المشاكل وكيفية تجاوزها (الفقر والبطالة والجهل..) بالبحث عن بديل إيجابي لها..

رؤوف بن يغلان على حد تعبيره جاء ليتكلم على لسان الآخر من مختلف الأعمار من أبناء المجتمع التي قع تهميشها واحتقانها فاختارت أن تعيش في عزلة وخوف ويأس وبؤس بعد أن تعطل الحوار فيما بينهم وبين المسؤولين المعنيين في جهتهم.. ولذلك هو يسعى إلى تشجيع هؤلاء الناس على التخلص من عقدهم التي جعلتهم يفقدون الثقة بالنفس أولا وبكل من حولهم ثانيا.. وهذه العقد هي موروث التربية الغالطة والعادات السيئة التي تمنعهم من التعبير عن حاجياتهم واحتياجاتهم وأبسط أمورهم الطبيعية وما يداخلهم من اضطرابات نفسية ومخاوف مفزعة من المجهول الذي ينتظرهم والعالم المبهم الذي يكتنفهم.. وهذه العقد قد ورثوها من المجتمع والعائلة والأقارب والسلطة فظلّوا في سجن الصّمت.. سجن الخوف.. سجن الغربة.. وغرقوا في العتمة وأصيبوا بالخرس بسبب الكبت والمقت وبما عبر عنه بثقافة العقد التي يجب الاشتغال عليها لعلاجها ومن ثمّ جاءت مسرحيته الشهيرة " نعبر ولاّ ما نعبّرش " ثم " آش يقولولو " التي كانت بطلب من مسؤولة في التنظيم العائلي غايتها ترشيد الناس وتوعيتهم الى مخاطر مرض السيدا الناتج عن العلاقات الجنسية الغير شرعية والخجل من خوض الحديث في مثل هذه المواضيع..

وظيفة هذه الأعمال المسرحية توعوية وتحفيزية أكثر من أي شيء آخر.. فهي تجعل الناس يعبرون عن ذواتهم ويطرحون مشاكلهم وهمومهم أمام الجميع المعنيين وغير المعنيين لتحليلها ومناقشتها..

كما أشار الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان أن المشهد الثقافي في السنوات الأخيرة يسير نحو الانحدار والانحطاط بسبب تغييب لكل ما هو طرح ثقافي وإقصاء للمثقفين وعدم تشريكهم في الحراك الثقافي لمحاولة الاصلاح ووضع حدّ للأوضاع المتدنية بالبلاد التونسية واجتثاث جذور الفقر والحد من البطالة والجهل..

ويرى أن الفترة الانتقالية ما بعد الثورة لم تأت في الثقافة إنما جاءت في السياسة وقد كانت له استضافة من الرئيس المنصف المرزوقي إثر ترشحه في الانتخابات بصفته مواطنا تونسيا وناشطا ثقافيا وفنانا مسرحيا ويطرح في هذا اللقاء هواجس المرحلة الانتقالية وتجليات أزمة الحكم بإطلاق صيحة فزع للنهوض بواقع الثقافة والاعلام وأسباب تفاقم المشاكل وتواجد الإرهاب والفساد في تونس بعد الثورة المزعومة والسؤال عن كيفية حلّ الأزمة وما هي الاستراتيجية المثلى لذلك ( الحوار متواجد على اليو تيوب سبتمبر 2013 ) ويقول بن يغلان أن الشخص الوحيد الذي تكلم في مسألة الفكر والطرح الثقافي هو الشهيد شكري بلعيد.. وبسبب هذا التهميش والإقصاء للمثقفين والمبدعين كانت النتيجة وخيمة على المجتمع التونسي فما نشاهده اليوم من عجز وخور وفساد على مسرح الواقع أكبر برهان ودليل على ذلك وهذا ما أحدث خيبة كبيرة في نفوس التونسيين وكسر خاطرهم..

كيف إذن يتمّ علاج وإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

- بعد تفشي الفساد والإرهاب والخوف والهلع في صفوف العباد وتردّي الأوضاع الإجتماعية والفلاحية والصناعية والإقتصادية والتجارية والسياسية في البلاد أعدّ وأخرج رؤوف بن يغلان عمله المسرحي " إرهابي.. غير الربع ".. عنوان هذه المسرحية وحده كفيل لإثارة الجدل والجدال.. التحليل والنقاش..

فمن هو الإرهابي..؟ كيف يصير الإرهابي إرهابيا..؟ ولماذا قسم رؤوف بن يغلان الإرهابي إلى أربعة أجزاء وكأن الإرهابي جسم مادي ملموس أو خبزة او أي شي علما وأن الإرهاب صناعة..؟ ومما تتألف الثلاثة أرباع للإرهابي..؟وأين الربع الأخير منه وماهي مكوناته؟ في إجابة سريعة الثلاثة أرباع من الإرهابي هو التونسي والربع الأخير هو المواطن الذي يحب وطنه ويغير عليه.. ولمعرفة المزيد لابد من حضور عرض مسرحية "إرهابي غير ربع" لاكتشاف الحقيقة وللإجابة عن جزء هام من هذه الأسئلة..

متى بدأ رؤوف بن يغلان المسرح وماهي أعماله المسرحية؟

- أول مسرحيات رؤوف بن يغلان هي " شي يهبل" وجاءت إثر ترجمة لنص وقع اقتباسه من الكاتب المسرحي الروسي نيكولا قوقول Nicolas Gogool والتي قام بعرضها على دار الثقافة بابن رشيق ومعهد كارنو فوقع رفضها في تونس سنة 1968 بالتالي تم عرضها بمدينة وهران الجزائرية عملا مشتركا مع الفنان المسرحي الجزائري فرحات يمون..

وقد كانت تسمية مسرحية " شيء يهبل " الأصلية "حمق سليم" والتي جاءت على إثر تأثر رؤوف بن يغلان بمسرحية "  Le général  Dunford" وبمناسبة عودته من فرنسا التي أقام فيها فترة ما بين أواخر سنة 1968 بداية 1969 الى أواخر 1973 وأوائل 1974.. لكنه تفاجأ عند عودته من الجزائر بعد العرض لمسرحيته بإيقافه في تونس من قبل وزارة الداخلية لمدة عشرين يوما وبقي على ذمة التحقيق وعمره وقتها 22 سنة.. ولاستنطاقه واستجوابه وقع ممارسة شيء من العنف والضغط والقوة لمعرفة إذا كان وراء عمله المسرحي ذلك دوافع سياسية أو حركة معارضة معينة تدفعه وتدعمه خصوصا أن خال رؤوف بن يغلان الاستاذ مصطفى بن ترجم كان أستاذا مختصا في علم الاجتماع وكان ايضا من المعارضة Perspective من جماعة آفاق وبعد ذلك انتمى إلى أحمد بن صالح..

كما كان لرؤوف بن يغلان فرصة اللقاء في فرنسا بعدة نجوم وشخصيات من كبار الفن والمسرح والسينما والتمثيل والثقافة على سبيل الذكر المفكر والعالم والفيلسوف ميشال فوكو Michel Foucault والذي درس في تونس وإقامته بباريس جعلته يعاشر هذه النخبة من المثقفين ويختلط بهم ويأخذ منهم وقد أضافت له هذه العلاقات شساعة ثفافته ونضجها سريعا.. هذا التميز جعله يحظى بالمشاركة بالتمثيل غي السينما وآداء عدة أدوار بطولية وأول مشاركة له في فيلم إيطالي باللغة الإنجليزية وكان عمره 24 سنة 1972 عنوانه العتبات الممنوعة وآخر عنوانه المسيح سنة 1974 فالابن الضال le mauvais fils الفرنسي سنة 1979 وفيلم la balance سنة 1982 وأيضا Tou feu Tout flammes سنة 1985 وسلسلة تلفزية لمدة شهر بعنوان القنطرة مع قناة تلفزية سنة 1987 وغيرها من الأعمال السينمائية والتلفزية والمسرحية..

ومن حكايا رؤوف بن يغلان أنه التقى بوزير الثقافة الشاذلي القليبي في تلك الفترة في مهرجان قرطاج المسرحي بتونس فعبر له عن شجونه وآلامه وخيبته في المشهد الثقافي وما لقيه من معارضة حادة وصارمة لحرية التعبير ولعدم الموافقة على عرض مسرحيته " شي يهبل " وكانت نتيجة إصراره في التشبث بمواقفه الصارمة الرمي به في المنأى بتعيينه للعمل أستاذ مسرح في المناطق الداخلية بعيدا عن الأضواء منفيا في الظلمات حتى لا يكون قريبا من أجواء العاصمة ومن الحقيقة وحتى يقتلوا فيه الموهبة والطموح.. وجاءت إجابة الوزير ردّا على مكاشفته بما حدث له هازئة وأن يحمد ربه على أنها جاءته" جلدية."

وقرر رؤوف بن يغلان العودة الى فرنسا سنة 1975 لمواصلة دراسته ومباشرة النشاط الثقافي والعمل المسرحي هناك..

فدرس رؤوف بن يغلان في جامعة باريس 8 علم الاجتماع لمدة أربعة أو خمسة سنوات إلى موفى 1979 كما قام في ذات الوقت بالتدريس والتنشيط الثقافي في جامعة باريسية في فرنسا سنة 1982\1983 كما كلف بمهمة فريدة من نوعها تتمثل في القيام بدراسة لثمانية أحياء باريسية فقيرة ومهمشة وخطيرة بتأطير متساكنيها وخاصة شبابها المدمن.. تأطيرا ثقافيا توعويا تحسيسيا بصفته مؤطر ثقافي فرؤوف بن يغلان يرى أن" الفنان المبدع هو الذي يمتلك المشروع وينفذه" وصادقت على مشروعه الجبار والفريد من نوعه وقتئذ والذي راهن عليه بن يغلان وزارة الشباب والتنمية الثقافية بفرنسا ونال شهادات الشكر والتقدير في ذلك العمل وحقّق فيه نجاحا باهرا..

أعمال رؤوف بن يغلان المسرحية عبارة عن حلقات مترابطة لعمل هادف وهي على التوالي:

شي يهبل 1973\1974

ضمير مستتر 1994

مثلا 1995\1998

آش يقولولو 1998

نعبر ولا ما نعبرش

الحرقة 2009

حارق يتمنى 2011\2013

مازال يتمنى

ارهابي الا ربع

(قد كانت للفنان المسرحي رؤوف بن يغلان فرصة اللقاء بالشباب الذين حرقوا من تونس وليبيا الى إيطاليا ووقع إيقافهم والتحقيق معهم في الحكومة الإيطالية إذ ذهب لزيارتهم والتواصل معهم وتأطيرهم ليغالبوا يأسهم والتشاور مع المعنيين في الأمر لإيجاد الحلول وللنهوض بهؤلاء الشبان وإنقاذهم من التشرد والوقوع في الانتقام والإرهاب)

ماهو دور الفنان المسرحي في إصلاح المجتمع وتوعيته للنهوض به؟

- يرى رؤوف بن يغلان أن الفنان المسرحي يجب عليه قبل أن يفكر ليكون نجما ناجحا.. أن يفكر كيف يُمتع الجمهور وكيف يجعلهم يتبنون قضية من خلال الرسالة التي يبثها لهم بين السطور وأثناء العرض المسرحي ومن خلال أجواء الفكاهة والضحك التي يثيرها بغاية التحفيز وإنارة النفوس والعقول إذ الفنان المبدع هو الذي يأخذ بزمام الأمور ويمسك بطرف من كل الفنون ويتعلم من كل المدارس والمذاهب والنزعات الفنية لتكون له ثقافة شاملة واسعة فالفنان يُقدّم عملا إنسانيا قيّما ومقدسا قبل أن يقدّم عملا مسرحيا أو فنيا لكي يتسلح بما ينفعه ويفيده وليؤثث لذاته قاعدة عمل فنان ناجح يليق به طرحه وتوجّهه الفكري التوعوي ويناسب وضعه بصفته فنانا مبدعا وعليه أيضا خلق شروط النجاح لنفسه ولعمله الأدبي المسرحي الدرامي ويضمن النجاح له بدراسة كل الأبعاد الفكرية والنفسية والإجتماعية والثقافية وذلك لا يتمّ إلاّ بخلق التناغم والتناسق في رؤيته الفلسفية الابداعية وبتقديم قراءة جديدة للمسرح وأفكار مترابطة، متكافئة وواضحة..

فعمل الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان لا يقف عند دور "الوان مان شو the one Man Show" بل في المونودراما بطرحه للقضايا الفكرية والاجتماعية وبفرض وخلق علاقة مرنة وذكية بين الممثل والمتلقي.. فالعمل الدرامي يستلزم كتابة ركحية دقيقة والمونودرامي يشرك جمهوره في عمله..

المسرح عند رؤوف بن يغلان رسالة يخطط لها ويعدّها مسبقا اعدادا طيبا وحسنا يتمّ من خلالها معالجة اليأس ومصالحة الذات مع الطبيعة ومع الواقع ومع الآخر بكيفيّة تجعل الجمهور يُقبل على العمل المسرحي فيضحك ليس للضحك بل للضحك على ما يضحك عليه وعلى ما يُؤسفنا ويبكينا ويسلينا وكما يقول المثل الشعبي " كثر الهمّ يضحك " وهذا الضحك هو الآخر يعتبر فنّا من الفنون وعلما يجب أن يُدرس ويقرأ للتمكن من فهمه..

دور الفنان المسرحي إذن ليس هيّنا لا سهلا ولا كلاما.. دور الفنان المسرحي يستجوب مقاومة ونضالا وصمودا لمقاومة السخافة والاستخفاف بالآخرين.. والمبدع الحقيقي لا يخشى الإرهاب بقدر ما يخشى الاستخفاف بالارهاب وبمن يرمي إلى زرعه وترسيخه وبعثه وتنشئته ويخشى موت العقل والفكر ومَن يجب أن نخشاهم هم أولئك الطّغاة الذين يعملون على بناء الجهل ونشره وبثّ سمومه في المجتمعات بقتل الطموح فيهم وشلّ الوعي لديهم باستعمال الدين والتطرف وباستغلال البسطاء والضعفاء للإطاحة بهم في جحيم الانحطاط الاخلاقي والديني والثقافي..

ماهو العمل الثقافي؟ c.est quoi le travail culturel

- العمل الثقافي هو تحليل مواضيع وإعطاؤها بعدا فلسفيا وواقعيا جديدا ورؤية مغايرة بمقاربات توعوية تثقيفية تحييسية توجيهية وتعليمية أخرى.. وعمل المبدع الثقافي يجب أن ينطلق من المجتمع المدني _ من الواقع _ من الفقر _ من البطالة _ من كل الأشياء البائسة المهمشة التي يجب بلوغها واقتحامها بدقّ أبوابها ومشاركة المنكوبين معاناتهم وتجربتهم الحياتية وإخراج الغصّة من الحلق وفكّ الأسير من القمقم وعليه أن يعرف ويكتشف أسباب الدّاء قبل علاج الدّاء وإعطاء الدّواء وهذا الشيء لا يتحقّق إلاّ بتكتّل جميع الجهود وتضافرها من مبدعين ومثقفين وفنانين و.. وبتواجدهم جميعهم في ساحة المعركة وعلى أرض الميدان لسحق الفقر وصلب الجهل واغتيال التشرّد.. ومن الخطإ الفادح أن ينزوي الأدباء والشعراء وينغلقون على أنفسهم بحجّة الالهام في الكتابة.. فالكتابة إذا لم تنبع من الوجع والألم لن تحقّق الإبداع فالأدب مأساة أو لا يكون..

العمل الفنّي يستلزم كسر الحواجز وتجاوز الحدود وعبور المناطق الفقيرة _ السّاخنة _ الغاضبة _ النّاقمة _ اليائسة _ البائسة.. والمغامرة تتطلّب التّحدّي والصّمود وحلّ المشكل لا يكون إلاّ من منبته _ من لبّ القضيّة باختراق وجه الغضب المؤدّي إلى الشلل الفكري والذهني والتعبير والإفصاح عن خوالجنا وأوجاعنا ومآسينا وكلّ ما يؤلمنا.. والفنان المبدع إذآ لم يحتكّ بعامّة النّاس وإذا لم يختلط بفقرائهم وجياعهم ومنحرفيهم.. إذا لم يذهب إليهم وإلى ديارهم ومدارسهم ومقاهيهم كيف له أن يفهم مشاعرهم ويدخل عالمهم.. كيف له أن يحلّ مشاكلهم وهو لم يخلق لوحة مسرحية من هذه القضايا والحكايا؟ فهل ينجح المبدع في آدائه إذا لم يكن صادقا مع نفسه _ متصالحا مع ذاته _ متشبعا بأناه..؟ هل يقدر على تقديم الحلول؟ هل يقدّم رسالة؟ هل.. وهل..؟ تساؤلات عديدة تبقى الإجابة عنها موقوفة على تفهم ووعي الجميع.. فمتى يحدث ذلك؟

ورؤية رؤوف بن يغلان للمسرح ودوره في الإصلاح المجتمع يكون بخرق العادي والمتاد ووجوب تواجد جبهة ثقافية وبجعل المسرح مشروعا متكاملا لا يقف عند الرسالة..

فهل سيجد هذا النّداء صداه..؟

 

إنجاز الاستاذة سونيا عبد اللطيف - تونس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم