صحيفة المثقف

الهاربان (4 و5)

قصي الشيخ عسكررجع بدران نادر للحلم تلك الليلة.

لا يدري لم أرجعتَه إلى نجاة .

وسأل نفسه ترى لو أعرضت عن الإجهاض فكم يكون عمر ابنه أو بنته الآن؟راح يقهقه عاليا في أعماقه.. قهقة أم ابتسامة عن سخرية..في يوم واحد ينقذ شخصا ويطالب بموت مولود جديد..

 يحيي ويميت وفق هواه وسط فوضى عارمة لا يغشاها أي مدى..

ذكرى كاد ينساها لكنها عبرت اليه اليوم من خلال هربك...أو هربكما لعل بقاياها التي مرت به تراوده بين مدة واخرى لكنها لم تكن بمثل سطوع الليلة.. سأعود إليك .. الصباح لما ينته بعد.. يا عزيزتي دعينا نعد أنفسنا لمستقبل أفضل ثم فيما بعد نفكر بقضية الحمل والولادة... هزت رأسها شبه مقتنعة وعادت إلى النوم.وهاهو صوت محرك السيارة يجعلها تتململ قليلا فتظنه حلما وأنت تغادر إلى حيث لارجعة ؟لم تنتبه لهربك .. لغزوتك الجديدة.. أوه صاحبك عصام يوغل هذه الليلة – ليلة اللقاء بحلم غريب- راح يفكر بلقاء الليلة الغريب وقصة الضريح.. لقد أنقذ شخصا لم يتحقق بعد من خيانته كان يتمتم بكلمات سمعها غالبا أو في حالات الضيق من فم أمه أو جارته لكن صديقك عصام يتجاهل قضية الموت ... يعجب في سره كيف تلتم العظام وهي طحين ممزوج بالتراب.. ربما تكره من يكفر أمامك غير أنك مرغم على أن تحبه وتقدم له يد العون لعل الأيام تغيره إذ أوى هذه الليلة مطمئنا لطلعتك وعندما رقد في فراشه وجدك عريسا ترتدي بدلة تركوازية اللون.. وربطة عنق حمراء.. وتلفت حوله حين تجاهلته ولم تعرفه ليرى عروسك فوقع بصره عليها تخرج من الضريح نفسه ذلك الضريح الذي يحبه ويخافه ولايؤمن به..فلم تجاهلته وعيناك لاتفارقان عينيه ..فاندفع يشق صفوف المحتفلين وجموع المزغردات نحو المنصة حيث جلست جنبك نجاة.. قال لك بيرود:

خذها أقدمها لك عذراء.

تساءل باستنكار:

زوجتك عذراء؟

لم تجبه.كنت صامتا وكلماته تضيع وسط الزغاريد.

 فخالطه حنق أعاده إلى تلك الليلة التي بعث فيها الحياة فيك من جديد..قال للحارس يا أبا عبد هل تعمل لنا شايا أريد جايا عراقيا وليس شايا جاي يساعدنا على السهر راح يفكر وهو يتطلع في البريمز وبراد الشاي المركونين في زاوية الغرفة كيف يغتنم فرصة ليدس في الشاي المخدر هي الآن نائمة وأنت يستوقفك جندي العدو..لا يهمك أن يعرف أن أخا جدك الشقيق تزوج من يهودية خلال الفرهود .. اقتحم مع شلة غاضبة بيوت اليهود فاختص بسبية من آل حيي أوزإنس الموضوع وقضيّة الأنساب.... يقول الناس أنفال غنائم حرب.. وجدك يبريء أخاه من تلك الفعلة ..إنها أحبته بعد أن اندفع ينقذها من براثن المغتصبين، لا اغتصاب ولا هم يحزنون..رأت طيبته وأسلمت.. تزوجته على سنة الله ورسوله.. أنت مع نفسك وجنديّ الحاجز يثرثر معك قليلا.. قد يكون كاذبا فيروي لك من خياله..يؤكد أن حرفة جده كانت عمل أعواد العزف..وجدته عملت معلمة.. داوود مرزاحي.. أما الآمر الرائد كمحي فهو من العمارة... الراكبون ومن يقع بصره عليك من العابرين تيقنوا أنك جاسوس.. لكنهم لن يغتالوك في الشارع..فمن عادة أبي عبد أن يعمل الشاي الساعة العاشرة.. ولابد من أن تزور عصاما الذي عرفت اسمهبعد سنين ليسحب دمك الفاسد.كل شيء بنظام..عندما يتوغل الساهرون في أعماق الليل، ثم خطر له فكرة أن ينتظر الحارس ينام ويرش على أنفه بعضا من مخدر بخاخ.كنت تجهل كل ذلك وربما شككت في رواية جندي العدو نفسه عن جده ومهنته وقصة جدته غير أن الوقت ليس في صالح صاحبك عصام.نجاة الآن نائمة وقد تقيأت اليوم.. تأكَّد من التحليل أنها حامل ولاأحد يدري سواه... كان الحارس يجيب ببراءة:

مالك الليلة مايزال الوقت مبكرا على الشاي!

 عندئذ خطرت فكرة الشراب.. يستغل الوقت وإلا يمكن أن تكون هناك مغامرة غير مضمونة.. تطلع في وجه نجاة وكانت تتجاهله.. قبل بضعة أشهر من الحمل جاءت إلى مشفى المنظمة التي يعمل بها خلال النهار..كانت تشكو من حمى وبعض السعال وعلى الرغم من شدة المرض إلا أنها ذات ملامح حلوة جذابة. قصيرة لكنها جميلة.واسعة الوجه . في العقد الثالث..مطلقة.. اعتاد أن يستقبل نساء في غرفة الأشعة والمختبر من خلال أدائه أكثر من عمل.. النساء يمررن به مروروا عابرا إ لكن نجاة بدت أكثر شفافية من غيرها ..متألقة على الرغم من المرض . قالت كم يستغرق الفحص؟. قال وهو يخرج بها من المختبر إلى غرفة الأشعة:

هنا لاإبرة ولا جرح ولادم... هذه أداة غير مؤذية..لاعنف..حين أسألك أن تقطعي نَفَسَكِ فافعلي، وازدادت ابتسامته اتساعا وهو يوصيك لاتخافي لن أنساك راقدة ممسكة أنفاسك فإذا مرّ وقت ولم تسمعي صوتي فلك الحق في تعودي للهواء.

قد تبدو طُرفَْة تافهة لا يدري لِمَ جرتْ على لسانه.

فتألقت عيناها بجواب أبدي:

الأعمار بيد الله.

 عادت إلى الله ثانية... الله خالق الكون .. مدبر الأمور.. العلي القدير.. خلق كونا لانهاية له.. أقل من ذرة.. ذلك الإله تؤمن به الملايين وملايين لاتؤمن .. يغالط نفسه فلايراه عدوا.. أقرب للصديق يلمح ذكره في ذهنه لاخطر ما فيتذكر دعاء سمعه من محلته وأهله .. مثلما تفعل نجاة الآن..كانت تقول حين سألها أن تدير وجهها نحو الجهة الأخرى ليغرز أبرة في وريدها: أنا أخت رجال.. ماذا يقول الذي لم تكن تعرفه بعد فهل كان يحلم من قبل أن يلتقي امرأة شفافة عذبة توفي والدها في حادث سير وهي طفلة .. ووالدتها قبل بضعة أعوام وأخاها الأكبر استشهد في قتال المنظمة للعدو في الاجتياح السابق ولديها أخ متزوج من لبنانية ويسكنان معا في مدينة الشمال... في اليوم التالي طمأنها .أخبرها أن التحليل يدل على التهاب في التنفس فلابد أن تكون تعرضت لبرد..وعرف أنها تشتغل بأعمال غير محددة .مرة بائعة خضار وتارة في المطاعم..عند المواسم في قطف الثمار .فعجب متأملا في ملامحها الوادعة متسائلا عن أخيها فأكدت أنه طيب القلب لكن زوجته جعلته ينقطع عن أخته وأقاربه.حتى أنه لم يسأل عنها منذ أكثر من عام، صحيح أنها أكبر منه بخمسة أعوام أو يزيد غير أنها تملك بيتا ومحلا لبيع الملابس...وسألها إن كانت تقبل أن تأتي يوما في الأسبوع أو يومين لترتب له البيت...

هكذا كانت البداية..

في أول زيارة تركها وشأنها ، وفعل مثل ذلك في الزيارة الثانية..يقول عن نفسه إنه قوي مثل النمر جريء صبور مثل الأسد ينتظر ثم ينطلق وقد انتظر طويلا.. كان يحدثها عن الغربة. وهربه والحرب التي أكلت الأخضر واليابس في بلده .. وجدها كل يوم تصغي له وتهتم به . في الوقت نفسه يشعر بفراغ وربما بعض القلق حين تغيب عنه. وكانت كلما أتت يشعر بحرارة تدب في البيت... نظام آخر..وحيوية..

شيء آخر .معنى غير محدد..خاطر إذا التمسه وجد له ارتياحا ولميعرف له تفسيرا.

مرت دقائق وساعات وأيام لم يحاول خلالها أن أن يتجاوز المحظور ..وهي لاتمل حديثه.. وفي ظهيرة أحد الأيام طرقت الباب .. كان يستريح من دوام ليلة عادية فيظل طول النهار معتكفا .. وحده مع الصمت والجدران إلى صباح يوم آخر.. فهرع إليها متثاقلا بعينين محمرتين:

آسفة أزعجتك هل كنت نائما؟.

لاعليك لقد نمت مافيه الكفاية.

ومن غير أن يعي لامست يداه أطراف أناملها، فتدحرجت من عينيه نظرة دافئة حنون:

الله! يداك باردتان!

وأضاف: دفئي نفسك ففي الخارج بعض البرد.

 دخلت وقد مر على ترددهها إلى البيت بضعة أسابيع.. اطمأنت إليه تماما.. قال إنه يفتقدها حين تغيب.. أنست إليه.. طبع قبلة على جبينها، فتركت يدها بين يديه...حتى حدث كل شيء.. كانا يظنان تلك اللحظة أنهما سوف يعيشان معا إلى الأبد.. ثم استفاق صاحبك قبل ليلة الهرب التي منحك إياها على خبر الحمل. والتحليل ولاأحد غيره يعلم بذلك.

مامستقبل الطفل؟

سؤال تلخصت به كل الحكايات التي نطق بها عن نفسه وماضيه الأنيق وتلك التي سمعها منها .. مشرد ومن لا وطن لها .. أين نذهب؟ لنلقي أنفسنا في الجحيم نحن الإثنين لكن ماذا عن تلك النطفة التي ترى النور.. أين تجد لها مقاما على الأرض..وحين اقتنعت بفكرة الإجهاض قالت:

لو كنت عذراء لما قبلت لكن ليس لدي ما أخسره

 أما الآن فقد اثارت حنقه إذ تجاهلته .شغله النظر إلى وجهها وبطنها. كان في العرس حيث الحلم يبحث عن طفل ما زرعه في بطنها ووجد وسيلة افتعلها للهرب معك.. . فهو الوحيد الذي علا وجهه في زواجك الغضب. في حين راح الآخرون يرقصون ويمرحون. ظل ينظر بنظرات ثاقبة إلى بطنها التي انسابت مثل غدير ناعم متساوي الضفاف، وسأل نفسه: معقول تكون أجهضت.فازداد حنقا عليك.. مد يده إلى جيبه حيث يخفي سكينا فعثر بدلها على مسدس، فابتسم وهو يصوبه نحو صدرك... أطلق رصاصة فازداد ت الزغاريد ورصاصة أخرى فتواصلت الطبول والأفراح لاأحد ينتبه في هذا العرس لأحد ولا أحد يشغل باله بشيء سوى الأكل والشرب والغناء... مع ذلك لم يشعر بالأمان انسل من بين المحتفلين وهرب إلى مكان معتم وكان يلتقط أنفاسه...

 وتساءل ، وهو يجلس على حافة السرير، مامعنى الحلم، وانتبه إلى ساعته فوجدها تشير إلى العاشرة..ساعتان حتى يحين موعد زيارتك..ساعتان فقط.. ويعرف كيف تدله على الهرب ذلك الطريق الذي فكر فيه وانتظر حتى تحين ساعته !

 لا يدري كيف انقضى الوقت حين سمع طرقات على الباب.. فدخلت بوجه بشوش وبسط إليك يدا...

 اليوم لم آت إليك مبكرا لأنني زرت بعض المعارف المهمين أحدهم شخص له نفوذ لي تأثير عليه لأنّه هو الذي يستقبل الجرارات الزراعية المستعملة التي أبعثها من السويد عبر البحر إلى هنا ."ثم بعد برهة" شغلتك مضمونة مائة بالمائة!

ماذا عمل هنا؟

أي عمل سفرك!

أنا عاجز عن ..

لاتكمل هذه الورقة فيها أسماء أشخاص مهمين سيسهلون أمرك!

وتناول الورقة ، فتمعن فيها ورحت تحثه:

مثلما قلت لك أمامك طريقان، إما أن تأتي بنفسك وسوف تعبر من المطار كأن أحدا لم يرك.فقد دبرت كل شيء لك.. ثم ..حالما تصل المطار هناك تطلب اللجوء وعليك أن تخفي كل ورقة فيها اسم أو رقم تلفون فقد يجر ذلك عليك بعض المتاعب!

 لم تكن هذه الأخبار غريبة عنه، والجرأة لاتنقصه بقدر ماكان ينتظر الفرصة المناسبة، ولعله أجل هربه إلى سنة أخرى، وفي بعض الأحيان ينتظر أن يراوده هاجس الهرب نفسه.. كان يتعامل مع الأمور الكبيرة وفق اللحظة الراهنة.هكذا هو صاحبك ... ينوي الهرب ولم ينفذ خطته إلا من خلالك وقد كان بمقدوره الهرب قبل أن تأتي.

أية طريقة يفتعلهاليقنع بهانفسه!

 فهل أراد أن يتخذ منك حجة لإسكات ضميره وكأنه رغب في أن يتطاول على ذاته من خلالك. شخص ما يتكيء عليه كي يسوغ كل مايفعله.. كنت تنتشله من حلم الليلة الماضية .. نجاة التي نادرا ماتخطر على باله حين أكدت:

هذا طريق أمامك..أما إذا كانت عندك وجهة نظر فانتظر السكرتيرة حتى لو كان زواجا من حيث الشكل!

إسمع لنتفق على اسم حين اتصل بك قل أنا منقذ ليكن معنى طلب اللجوء جرارات زراعية والزواج: أرسل مواد بناء . اتفقنا

اتفقنا!

وقال مؤكدا:

مادام الأمر كذلك فسأعرض المحل للبيع من الآن!

إفعل أي شيء من أجل مستقبلك أنظر إلي أنا بجوازي الأجنبي أدخل كل المطارات العربية من غير أية تأشيرة أرقى بلد في العالم ولو ضايقتك ذبابة في الهواء لوجدت السفير بين يديك مثل مارد القمقم أنت في أمان ولن تومت، على الأقل، من الجوع.

 ومددت يدك إلى جيبك لتخرج رزمة أوراق فصدّ يدك.ردها .. وأنت تلح تؤكد أنها دين عليه يسدده حين تأتي إلى أوروبا وتباشر عملك..رحت تلح عليه حتى أذعن لرجاءك. طلب ورجاء منك.كأنه لايريد أن يأخذ أجرا مقابل خلاصك.. وحين حانت له فرصة فيما بعد وجده مبلغا يكفيه بطاقةً وجواز سفرٍ حتى يصل دولة من دول الأمان والسلام ولم ينس تماما أنه أطلق عليك الرصاص في الحلم ، حلم غريب يعجز عن تأويله انتفض منه على صوتك وانت تقول له هل نذهب الآن إلى البيت؟

5

 البيت الفخم ذو الحديقة الأمامية المزدانة بشجرة رارنج ، وأركدنيا، والصالة الواسعة التي تدلت من وسط سقفها ثريا ذات عناقيد مخروطية.زينةومظاهر توحي بثراء مفرط، وثمّة من باب الصالة الجانبي تطل فتاة في الرابعة ...لحظات وسألته من دون مقدمات:

أنت عمو نادر؟

نعم كيف عرفت اسمي؟

أووه سمعت بابا يقول لماما البارحة سيأتي صديقي وأخي نادر!

والآن ها هو عمك نادر!

وقالت وهي تهز رأسها بالألمانية:

تو هايزة نادر!

فقال الأب بهزة من رأسه: هنا تتكلمون العربية فقط، والتفت إلى بدران موضحا:

في المانيا قلت لهم تحدثوا في الشارع والمدارس والعمل بالالمانية وفي البيت العربية وحدها..

وسألها وهي يبسط يديه ليأخها إلى حضنه:

أما اسمك انت زينة وأما كيف عرفت فقد سمعت صديقي وأخي شاكر يناديك به

ماذا تعمل؟

احزري

تمايلت عيناها ذات اليمين وذات الشمال:

معلم

قطبت مابين حاجبيها:

لا

استدركت بتأفف:

مهندس

لا

فلاح

لا

أوو ه والله حيرتني .. تأملت لحظة وعادت لابتسامتها: ماذا مخابرات؟

وانفجر نادر ضاحكا، وقهقه أبوها معقبا:

يعني معلم أو مهندس أو فلاح أو أن يكون مخابرات!" هزّ راسه" واستدرك: حتى النطف التي تولد في الخارج نحذرها من دون وعي منا حين نسهب أمامهم عن الشرق!

وأطل وهو يدب رأس صغير احتمى بالباب لطفل في السنة الثانية من عمره، فناده أبوه وهو يتقدم نحوه ويخاطب ضيفه:

ابني الصغير .لأقول لك ولو كنت أعرف اسمك لسميته نادر!

على كل ليكن ذلك اسمه الثاني اسم الدلع!

لايهمك ذلك "وقال بابتسامة" اصبر علي سنة أو سنتين وإن شاء الله يأتي نادر الصغير

وبإشارة من رأسه وعينيه خاطب زينة:

هيا لقد رأيت عمك وتحدثت معه خذي أخاك ودعينا وحدنا.. ثم استدار نحو باب الصالة الداخلي ونادى:

ابتسام أمازلت مشغولة؟

فسبقها صوتها الناعم ذو النبرات الهادئة كأمواج شعرها المنسابة على ظهرها وكتفيها.. .ودخلت فتبينها ممتلئة مثيرة طويلة القامة ثاقبة النظرات.. لم يرتح نادر لمظهرها وخالطه أمر ما.. هاجس غريب أنها قد تكون غير مريحة شيء ما يتحرك بداخله يحاول أن يخفيه بابتسامته الخجول الواسعة ..ليس عندي شيء أخسره لو كنت عذراء.. الحلم والرصاص.ترى لو لم تجهض لكان عمر ابنته أو ابنه الآن عشر سنوات.. ونهض يصافحها وأنتَ تقدمها:

أم زينة ابتسام زوجتي

فالتقت يدك بيدها فأحسست بنعومة كفها البض..امرأة مثيرة للغاية.. كان صديقك بدران ينظر إلى الأرض متفاديا عيني ابتسام الواسعتين ونظرتها الثاقبة ثم يلوذ بك ومازال واقفا:

نادر أخي وصديقي بل أكثر

أهلا ومرحبا.

قلت لك لدي مفاجأة .. كنت دائما أحدثك عن شخص أنقذني من موت محقق ولم أعرف اسمه.. لحظات فرّقت بين الحياة والموت ثم ذهب كل إلى حال سبيله مع ذلك لم أعرف من هو..كثيرا ما دعوت أن أهتدي إليه وبالأمس فقط التقيته مصادفة قبل أن أسافر بيوم . والتفت إليها: هاهو أمامك

فقالت بنغم:

نعم قلت لي ذلك وتقوله دائما لكنك لم تذكر كيف أنقذ حياتك؟

 يخيل لصاحبك أنها ترسم كلماتها رسما..نظراته تخفي شيئا ما، وفي امرأتك أنوثة مفرطة وكلام مثير. امرأة تتكلم ببراءة متناهية أقرب إلى التحرر.

تلك قصة طويلة.

وقال صاحبك يداري خجله:

ياشاكر نحن إخوة فلا تبالغ.

والتفتت اإليه مستفهمة:

هل العائلة والأولاد هنا في البلد؟

ياابتسام ياعزيزتي ادر غير متزوج!

 فقالت وضحكة تفلت من شفتيها:

طيب والله سنجد لك امرأة

فقال وهو يهز رأسه:

الزواج قسمة ونصيب

يا أخي الا تحب أن تكون لك طفلة عفريتة مثل زينة؟

فقالت ابتسام:

ماشاء الله تعرف العربي والألماني وستبدأ بالإنكليزي!

فقال يجاملكما، وكانت هناك صورة ماضية تقلقه منذ ساعات:

من حيث المبدأ لامانع لكن لا أحد يقدم على أمر مصيري كهذا وهو غير ضامن لمستقبله.

أعدك أن هذه المسألة بحكم المنتهية!

كأنه يتردد:

ألا تظن أن القطار فات فأنا الآن في بداية العقد الخامس من عمري!

وبسطت ابتسام يديها وقالت:

إسأل صاحبك عمري نصف عمره

فضَحِكْتَ كأنك طربت للاستفزاز:

طيب سأعلن عن عمري الحقيقي ليقسم على اثنين فيعرف الناس عمرك!

فتجاهلتْ قولك وردتْ مؤكدة:

الحقيقة الزواج راحة واستقرار أنت انوِ فقط ياسيد نادر ونحن نقوم بالواجب!

 في بداية العقد الرابع من عمره.. سن النضج ولو لم يكن بصيغة أخرى وفي زمان آحر لهبط عليه في هذه السن وحي ما.. وخشي من أن تفضحه رغبته فقال في شبه استسلام:

 على فكرة إذا رغبت ببعض كاسيتات الفيديو فلا تتعبي نفسك سأجلب لك أي فلم ترغبين مشاهدته!

قالها وهو يضحك من نفسه.. سنوات يبيع الأفلام في حي السيدة وتختلط في محلة كاسيتات مجالس العزاء وتلاوة القرآن بأفلام الممثلين وغناء المغنيين.فهل أجاد التمثيل مع الحارس تلك.واثق من نفسه إلى درجة الهوس. ونجاة.. دنيا غريبة.. فكيف تكون عروسه التي تختارها له ابتسام.. مثلها طويلة ممتلئة مثيرة؟!

أم...

 ورن جرس الهاتف، فنهضت ترد عليه وعادت وهي تقول: مروان سيصل بعد قليل " وعقبت" عن إذنك!

وقلت وأنت تزيده ثقة:

كل الأفراد الذين تربطني بهم علاقات عمل أو صفقات تجارية أدعوهم خارج البيت في أفخم الأماكن ماعدا بعض الأهل هذا الرجل مروان هو الذي يستقبل الجرارات المستعملة التي أبعثها عن طريق الميناء وله أقارب ومعارف في الدولة وهو الذي سيوصلني مع بعض الأصدقاء المهمين إلى المطار وقد دعوته لتعرفه وهو الذي سيتولى في المطار سفرك وتيسير سفرك!

 

قصي عسكر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم