صحيفة المثقف

منع استيراد فول الصويا الأمريكي وخروج هواوي من عنق الزجاجة

بكر السباتينشركة هواوي تخرج من عنق الزجاجة بعد أن هددت الصين بحظر تصدير أهم المعادن النفيسة النادرة إلى أمريكا، وهي معادن تدخل في تصنيع تكنلوجيا الذكاء الاصطناعي منها الهواتف الذكية والمتواجدة فقط في مناجمها، الأمر الذي سيشكل ضربة قوية لمنتجات وادي السليكون في أمريكا.. ناهيك عن سياسة عض الأصابع والرد بالمثل بين طرفي الصراع، فيما يتعلق بالقطاع الزراعي.

إنه تصعيد للنزاع بين أكبر اقتصاديْن في العالم.. بدأ بقرار الصين اليوم بوقف عمليات استيراد فول الصويا من أمريكا وتجميد الصفقات المبرمة بينهما.. والمعروف أن الصين يعتبر أكبر مستورد لهذه السلعة الغذاية من الأسواق الأمريكية؛ مما سيكبّد الاقتصاد الأمريكي خسائر طائلة.

وفي سياق متصل لمحت وسائل إعلام صينية رسمية إلى أن بكين قد تقيّد مبيعات المعادن الأرضية النادرة للولايات المتحدة مما أثار مخاوف بشأن دورها كمورد وحيد لهذه المعادن النفيسة. وتظهر بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الصين لوحدها تحوي ثُلث احتياطات العالم فقط من المعادن النادرة وإن أمريكا تستورد 80% من تلك المعادن النفيسة من الصين وحدها، وهي مجموعة من سبعة عشر معدنا تُستخدم في الإلكترونيات الاستهلاكية ذات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري.

فعلى سبيل المثال يستخدم معدن النيوديميوم غالبا لإنتاج الأشعة تحت الحمراء التي تعمل بالليزر للدفاع الوطني، كما تستخدم معادن أخرى نادرة لإنتاج أجهزة استشعار للأنظمة الصاروخية.

وتدخل المعادن النادرة أيضاً في صنع عدسات التلسكوب ومحركات الطائرات وتستخدم كعوامل مساعدة في أنظمة العادم التلقائي للمساعدة في تقليل الانبعاثات.

والعناصر النادرة مطلوبة أيضاً لصنع البطاريات القابلة لإعادة الشحن والمستخدمة عادة في السيارات الكهربائية، كما تستخدم في صناعة أجهزة التلفزيون.

بالإضافة إلى استخدامها في مجال الدفاع الوطني والسلع الاستهلاكية. وفي مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك الوسائل الخاصة بالإمدادات الجراحية وأجهزة ضبط نبضات القلب والأدوية الخاصة بعلاج السرطان والتهاب المفاصل.

أما في قطاع التكنلوجيا الذكية فتعتبر العناصر النادرة النفيسة من أهم المدخلات في صناعة الأجهزة الذكية.. فقد ساعدت في جعل الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية أخف وأصغر وأكثر كفاءة. فعلى سبيل المثال تعتمد شركة "آبل" العملاقة في مجال التكنولوجيا على "تراب نادر نفيس" للأجزاء المكونة لبعض الصناعات الحساسة بما في ذلك الكاميرات ومكبرات الصوت، وتعتبر الشركة أنه من الصعب استرداد العناصر في عملية إعادة التدوير لأنها تظهر بكميات صغيرة في المنتجات الأصلية.

من هنا تكمن خطورة حظر هذه المواد على الشركات الأمريكية بسبب هيمنة الصين على قطاع معالجة تلك المعادن الذي تتفوق فيه على أمريكا التي ما زلت مساعيها في هذا الشأن مبكرة كونها تفتقر لموقف داعم موحد من الكونغرس وإدارة الرئيس دونالد ترامب الذي أشعل الحرب التجارية مع الصين لجلبها إلى طاولة المفاوضات المشروطة دون جدوى، والجهود الأمريكية المبذولة في تجهيز بنية صناعية لمعالجة العناصر النادرة النفيسة ستأتي أكلها في العام ٢٠٢٠ حسب تقديرات الخبراء.

صحيح أن الولايات المتحدة استثنت واردات المعادن النادرة الصينية من زيادات الرسوم الجمركية التي فرضتها على بكين في الآونة الأخيرة؛ لكن بكين دون أن تأبه بالخصم الأمريكي فقد رفعت الرسوم الجمركية المفروضة على واردات المعادن النادرة الخام المستوردة من الولايات المتحدة بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 25% مما يقلص الجدوى الاقتصادية لمعالجة تلك المعادن في الصين ويحمي المنتج الصيني من خطر ما يتم استيراده من السوق الأمريكي المنافس.

ولن يتوقف التصعيد بين الباندا الصيني والعم سام الأمريكي عند هذا الحد، ففي سياق متصل أعلنت الصين بأنها سترد على أمريكا بالمثل وستعلن عن قائمة سوداء لبعض الشركات الأمريكية. وبحسب صحيفة جولدن ستار فإن الصين ستدرج على رأس القائمة شركة "ألفا بت" وهي المالكة للمجموعة التي تضم شركة "جوجل" بالإضافة لشركة "آرم" البريطانية وشركة "كولكوم" و"أنتيل". ومن غير المستبعد أن تقدم الصين على حظر التعامل مع شركة "أبل" التي انخفض مؤشر أسهمها في البورصة بعد قرار الحظر الأمريكي بنسبة ٤٪. وتنتج شركة "أبل" الهاتف الذكي "آيفون" و"اللابتوب" والآباد" حيث تستهلك الصين لوحدها ٢٦٪ من المنتجات التي تحمل علامة "أبل" التجارية.

وبالعودة إلى شركة هواوي الصينية التي تم حظر التعامل معها أمريكياُ، فقد ساعدت التهديدات الصينية الأخيرة على إنجاح المفاوضات السرية التي توصلت إلى تفاهمات بين هواوي وجوجل حيت قررت الأخيرة يوم الجمعة الماضي بإعادة خدماتها للجيل الخامس من هواتف هواوي الذكية وتزويدها بالأندرويد المحدث..

من جهة أخرى قررت كل من جمعية sd association وجمعية wi-fiوهيئة bluetooth العالمية إعادة انضمام هواوي إليها والسماح لها بالنفاذ إلى بطاقاتها والاستفادة من خدماتها.

وكان الرئيس التنفيذي لشركة هواوي ومؤسسها المهندس "رن تشانغ فاي" قد أكد على أن خيارات شركة هواوي متعددة وسوف تتجاوز المحنة بالسرعة القصوى. أي أن الشركة سوف تخرج أخيراً من عنق الزجاجة. وشركة هواوي تتخذ من مدينة شنجن مقرًا لها، وهي أكبر شركة مصنّعة لمعدات الاتصالات في العالم وثاني أكبر منتج للهواتف الذكية هواوي. حيث قدرت ثروة مؤسسها "رن تشانغ فاي" في شهر فبراير هذا العام ب 1.7 مليار دولار أمريكي.. ومن فرط ثقته بالشركة علق "رن تشانغ فاي" على قرار الحظر الأمريكي لهواوي ساخراً: بأن قرار المنع الأمريكي قدم لهواوي خدمة دعائية مجانية حتى باتت حديث كل بيت في العالم.

هكذا يكون الرد من دولة تمتلك إرادتها ولديها خيارات للرد المناسب. إنه الباندا الصيني الذي أحرج الموقف الأمريكي المتسرع في حربه التجارية على العملاق الصيني الذي كشر أحيراً عن أنيابه الحادة دفاعاً عن النفس في سوق تجارية لا تعرف المبادئ ولا ترحم.

  

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم