صحيفة المثقف

الطابور الخامس مافيا تجر الحراك الشعبي في الجزائر نحو المجهول

علجية عيشكتاب "المافيا" الأسرار الكاملة  للدكتور يوسف حسن يوسف، صدرت طبعته الأولى في 2010 عن دار طيبة للطباعة - الجيزة-  يكشف العديد من الأسرار حول عالم الجريمة، حيث تحدث فيه عن الجريمة المنظمة أو كما يسمونها بـ: "المافيا" : نشأتها، جذورها، تركيبتها البشرية، وطرق تكوين عناصرها  أساليبها في النشاط والسيطرة والإغتيال وما إلى ذلك، ونشاط المافيا كما جاء في الكتاب، لا يرتكز على تجارة المخدرات أو الأسلحة  أو العمليات المسلحة (الإرهاب) بهدف تحقيق غرض سياسي، أو تبييض الأموال، أو الإتجار بالأشخاص  بل يمتد إلى أنشطة أخرى، وهذه الأنشطة لا تنجح إلى إذا استخدم فيها الجنس أي النساء، واستعمالهن في عمليات الجوسسة،  والمافيا كتنظيم مؤسساتي تعتمد على إفساد بعض الموظفين وكبار شخصيات الدولة وتهدف إلى تحقيق أرباح طائلة، ويتربع على قمّة التنظيم رئيسٌ واحدٌ يُدِينُ له جميع أفراد التنظيم بالولاء المطلق والطاعة العمياء، وكثيرا ما يستمر التنظيم قرونا  عدّة  بعد أن يتعايش معه المجتمع خوفا من البطش، والمافيا تختلف عن العصابة، فهذه الأخيرة هي عبارة عن تنظيم صغير، لا يمكنه الوصول إلى رتبة المافيا، لأن جرائمها ليست منظمة، كما أنها لا تعتمد تخطيط كأسلوب عمل لها.

 وتختلف الجريمة المنظمة من دولة لأخرى، ولكل واحدة أسلوبها، فمجموعة الثالوث الصينية traids تختلف عن الياكوزا  yakozaاليابانية، ومجموعة البرت الكولومبية،  كما تختلف هذه المجموعات في اسلوب نشاطها عن المافيا النيجيرية والتركية والمكسيكية، لكن أخطرها المافيا الإسرائيلية، لما تتميز به من تخطيط واحترافية، وأفراد المافيا تجدهم ينشطون باسماء متعددة، وأحيانا بأسماء مستعارة، وبعضهم بأرقام ( كودات code) وهذه تشبه إلى حد ما نشاط المخابرات، ولو توفي عنصر من عناصرها أو اغتيل يظل مجهول الهوية، كما يحمل أعضاؤها جنسيات متعددة وجوازات سفر مختلفة، تمكنهم من التنقل بأريحية دون أن تثار حولهم الشكوك وهم يعبرون الحدود،  إلا أن الكاتب اشار إلى بعض أسماء  المافيا الغربيين ولم يرد في الكتاب اسمٌ لمافيا عربي، وبالعودة إلى مفهوم هذه الكلمة ( مافيا)، يقال أن أصلها عربي ويراد بها الملجأ حسبما جاء في الصفحة 29 من الكتاب،  ويرى أحد الباحثين الأمريكيين تحدث عنه صاحب الكتاب ولم يذكر اسمه أن نشاة المافيا تعود إلى أيام فتح العرب المسلمين جزيرة صقلية في جنوب إيطاليا في القرن التاسع الميلادي، اضطر أهل الجزيرة إلى الهروب إلى الجبال، ثم شكلوا مجتمعا سرّيا، ويقال أن تاريخ المافيا يرجع إلى القرن الثالث عشر ظهر مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282، حيث تكونت  في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزاة الفرنسيين كان شعارها  موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا ( morte alla francia italia anelia)،  فجاءت كلمة  مافيا MAFIA من اول حرف من كلمات الشعار.

 ما يهم هنا هو التركيبة البشرية للمافيا، حسب التعريف الذي جاء به صاحب الكتاب، فالمافيا جهاز معقد التركيب، يبدأ تكوينه بما يسمى العائلة التي تمثل نواة المافيا، فعادة ما يكون الزعيم الأجدر بالقيادة وأحيانا يتم اختياره بمةافقة باقي الأفراد، ويسمى الزعيم بـ: الدون don /bos، ويقوم الرئيس بتعيين مساعده أو مستشاره، ثم الجنود والمساعدين، وهناك ما يسمى بالقادة الميدانيين،  ومجموعة من امرتزقة والرعاع، وهكذا اصبحة المفايا متعددة الجنسيات، وقوة مؤثرة خاصة في الجانب الإقتصادي،  ولا يهم هنا الحديث عن كبار رؤساء المافيا في العالم، ففي كل دولة جماعة إجرامية منظمة، وما نسمع عنه من المصالح الأمنية أنه تم توقيف جماعة إجرامية منظمة ففؤلاء الأفراد هم سوى عناصر صغيرة يستخدمهم نواب ومساعدي زعيم المافيا أو الدُّون كما يسمى، وهذ الأخير لا يعرفه أحد، حتى أفراد المخابرات  أحيانا يعجزون في الوصول إليه،  فكم من التقارير التي نقرأ عنها  والتي تكشف عن تورط مسؤولين كبار في جرائم عديدة، قد يكون الزعيم إطار سامي في الدولة،  فما يحدث من نهب للثروات والتلاعب بالمال العام عن طريق تبييض الأموال أو غسلها  يدعو إلى الشك أن هناك ايادي خفية تسعى لضرب الجزائر  في عمقها التاريخي واقتياد أبنائها إلى حرب أهلية جديدة، والنيل من قيمها التاريخية التي جاء بها بيان أول نوفمبر 1954 ومحو هويتها الوطنية.

و كعينة فالحراك الشعبي الذي انطلق في الثاني والعشرين فبراير 2019 اسقط كل الأقنعة، وجرّ أسماء كثيرة إلى المحاكم، وبالرغم من المحاكمات، لم تتمكن الجهة المكلفة بالمتابعات والتحقيقات من الوصول إلى الرأس الكبيرة (الزعيم) الذي يقود هؤلاء الموقوفين الذين يتلقون تعليمات منه وينفذون أوامره، حتى لو تعلق الأمر بضرب مصلحة بلدهم، أو إلحاق الضرر بابناء جلدتهم، هؤلاء الذين يسمونهم بـ: الطابور الخامس أو القوة الثالثة التي تركها ديغول في الجزائر، ما تزال تنشط داخل وخارج البلاد، وهي التي تخطط وتتآمر على استقرار البلاد وأمنها، وقد تكون لها أيادي في تحريك الحراك الشعبي واللعب على مشاعره، بدليل تن فرنسا تتابع باهتمام شديد الحراك الشعبي وأن الذهعاب غلى فترة انتقالية كانت بدعوة من الر ئيس ماكرون وأبدى دعمه للرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل ان يقدم هذا الأخير استقالته، فما أسباب متابعة باريس لتطورات الحراك إذن؟ وما مدى تأثيرها ونفوذها الحالي على بعض القوى الجزائرية؟، وهذا يشكل خطرا كبيرا على أمن البلاد واستقرارها، فمن هو الذي يقود هؤلاء الذين هم اليوم يقبعون في الحبس المؤقت ومتابعين بتهم عديدة؟، ويمكن أن نطرح السؤال بصيغة أخرى: من هو دُونُ الجزائر؟، هل هو جزائريّ الأصل ويحمل الجنسية الجزائرية؟ أم هو أجنبيّ، أين يقيم؟، من هم أعوانه؟ وكيف يمكن الوصول إليه؟،هي أسئلة، التاريخ وحده يجيب عنها؟

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم