صحيفة المثقف

متى تنتهي الحرب؟

عامر كامل السامرائيللكاتب المجري: إشتفان أوركين

ترجمة: عامر كامل السامرائي

***

"مكالمة هاتفية في 12/ كانون الأول/1969"

- أتكلم مع الكاتب؟

- نعم.

- قرأت في الصحيفة تواً، بأنهم سيعرضون مساء اليوم في التلفاز مسرحيتك المعنونة "فورونييج"، وقرأت تصريحاتك أيضاً، فهل حضرتك نفس الشخصية؟

- نعم سيدتي.

- ذَكرت، بأَنكَ كَتبتَ تلك المسرحية وأنت في مخيم لأسرى الحرب. أَهذه حقيقة أَمْ قلتها لأجل الإثارة فقط؟

- بل حقيقة.

- أرجو المعذرة، لأنني اتصلت بكم من دون سابق معرفة، لكنني أود أن اذكر اسماً فقط، واحبُ أن اعرف إِن كنتم تتذكرونه أَمْ لا. فهل باستطاعتي ذِكرِه الآن؟

- تفضلي.

- بيتر بوغنار.

- بيتر بوغنار.

- نعم أنا أُمُه.

- أعتذر جداً سيدتي. لا أتذكر اسم ابنكم. أين تظنين التقيت به؟

- في أيار عام 1942 استدعي ابني إلى الجبهة، وحضرتك كنت في (فورونييج)؟

- نعم.

- أرسل لي مع رفيقه الذي عاد إلى الوطن معوقاً، قصاصة ورق كَتب فيها "نحن في كوشينتشكو".

- أهو الذي رآه آخر مرة؟

- ليس هو. فقد وصلتني منه رسالة ثانية من مخيم "تامبوف" لأسرى الحرب.

- أنا أيضاً كنت هناك سيدتي.

- حضرتك أيضاً؟ في تامبوف؟ ولم تتذكر بيتر بوغنار؟

- كنا الآف المجريين هناك. وماذا كتب ابنكم العزيز من هناك؟

- في عام 1942 عاد إلى الوطن شاب من مخيم تامبوف، وجلب معه قائمة طويلة بأسماء الأسرى الذين كانوا يعيشون هناك.

- هذا غير ممكن سيدتي.

- ما الذي تريد قوله؟ ما هو غير الممكن؟

- أرجو المعذرة، لا اقصد إلامك، فربما أخطأت برقم السنة. ففي عام 1943 لم يستطع أحد العودة إلى الوطن من تامبوف.

- أنا كلمته شخصياً. كان عبارة عن جلد وعظم. وقد أراني اسم ابني في القائمة.

- حصل هذا بالتأكيد، ولكن ليس في عام 1943.

- لماذا ليس في عام 1943؟

- لأن تامبوف تقع في الشرق، وبعيدة، في أقصى الاتحاد السوفيتي، وكانت الحرب آنذاك على أوجها، لذلك لم يتمكن أحد من العودة إلى الوطن. ليس في تلك السنة فحسب بل وفي السنة التي تلتها. وحتى في عام 1945 كان من النادر أن يحدث مثل ذلك.

- إذن لندع أرقام السنين. حضرتك كم بقيت في تامبوف؟

- ما يقارب الثلاث سنين.

- ولم تتذكر بيتر بوغنار؟

- كنا كثيرين جداً، وتغيرنا باستمرار، إضافة إلى أن قابليتي على تذكر الأسماء سيئة. ولكن عدم تذكري هذا لا يعني شيئاً. فاذا كان ابنكم قد وصل إلى مخيم تامبوف فمن المؤكد إنه لم يكن من المفقودين.

- أن يكون ابني قد فُقد؟ كيف استنتجت ان ابني مفقود؟

- أنا لم أقل ذلك سيدتي، بل بالعكس تماماً. نحن فقدنا ستين ألف قتيلاً في فورونييج، من بينهم عشرات الألوف اختفوا دون أثر. بعدها همنا على وجوهنا نتخبط بشكل عشوائي خلف خطوط الجبهة لعدة أسابيع، ولكن الذي استطاع الوصول إلى مخيم تامبوف مثلاً، فهذا قد ترتبت أموره ضمن تلك الظروف. فسجلوا اسمه في سجل، وكانوا يقرأون الأسماء بالترتيب يومياً، ويقدمون المواد الغذائية، وكذلك أرسَلوا إلى المستشفى من أصيب بمرض... فاذا كان ابنكِ هناك فبالتأكيد لم يكن من المفقودين.

- لكنك لم تتذكره؟

- كلا، للأسف. لقد مضت أعوام طويلة على ذلك.

- كان ابني صديقاً حميماً ل "إِمْرهَ شالايي". هذا أيضاً لا تتذكره؟ كان عضواً في الحزب قبل استدعاءه للجبهة بسنين. ألم تسمع عنه حتى بهذه الصفة؟

- كلا، يا سيدتي.

- ولكن مثل هذه الأمور واضحة مهما بلغ عددهم.

- هذا صحيح.

- لو كنتَ مع أسير كهذا، فهل ستستطيع نسيانه؟

- لا أريد أن أحزنك يا سيدتي..

- لكنني أُريد أن أعرف. هل بإمكانك خلال سبعة وعشرين عاماً أن تنسى صديقاً مثل "إِمْرهَ شالايي"؟

- كلا، ما كنت سأنساه سيدتي.

- قل لي بصراحة. هل تظن أن ابني لم يكن في تامبوف؟

- أنا لم أقل ذلك سيدتي.

- قبل قليل قلت إن ذلك الشاب لم يعد إلى الوطن من تامبوف.

- قلت فقط، إنه لم يكن باستطاعته العودة إلى الوطن في عام 1943.

- أنتظرُ عودته منذ سبعة وعشرين عاماً. إنه ابني الوحيد. منذ ذلك الوقت فقدت زوجي أيضا. مع ذلك، أرجوك لا تشفق عليَّ، فأنا أريد معرفة الحقيقة، الحقيقة الساطعة. إذا لم يعد الشاب من تامبوف، فمن أين كتب لي ابني؟

- الجواب على هذا صعب سيدتي.

- انتظرْ لحظة من فضلك، لقد تبادر إلى ذهني شيء ما. ألا يوجد بطريق الصُّدْفة في الاتحاد السوفيتي مدينتا تامبوف؟

- تقصدين مدينتين بنفس الاسم؟

- ولمَ لا؟ إحداهما التي كنت فيها حضرتك، والأخرى التي كتب منها ابني. أهذا مستحيل؟

- ليس مستحيلاً.

- هاا، اليس كذلك؟ القائمة رأيتها بأم عيني، والشاب قابلته أيضاً، لقد كان عبارة عن جلد وعظم... هو الذي جاء من تامبوف الثانية، لأنه لا يوجد تفسيرٌ آخر لهذه القضية.

- في الحقيقة ليس هناك تفسيرٌ آخر.

- ولذلك لم تلتقِ حضرتك بابني؟

- لذلك لم التقِ به سيدتي.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم