صحيفة المثقف

تحولات الرئيس ترامب حول إيران

كاظم الموسويخلال فترة قصيرة شهد الملف السياسي الأمريكي إلايراني تموجات وتناقضات وتبدلات مفارقة في الأغلب الاعم، فيما كشف عن استخدام الأزمة لأكثر من هدف سياسي واستراتيجي. فمنذ حملته الانتخابية شن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب حملة معادية وهجوما متنوعا ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وخاصة حول الملف النووي والاتفاق عليه بين الدول الكبرى والتوقيع عليه ومصادقة مجلس الامن الدولي والأمم المتحدة، وهو ما قام به بهذا الشأن، بعد توليه زمام السلطة في كانون الثاني/ يناير 2017، اعلن في8  حزيران/ مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق حول برنامج إيران النووي وفرض لاحقا مجموعة عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية، بالإضافة إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني تنظيما إرهابيا، الخطوة التي ردت عليها طهران بإدراج القوات الأمريكية في المنطقة على قائمة الإرهاب الإيرانية. وهذا إعلان صريح للحرب تحت غطاء إعادة النظر فيه والتفاوض من جديد حوله ووضع شروط جديدة ومن ثم عقوبات متصاعدة لخنق الشعب الايراني والدعوة إلى إسقاط النظام واتهامه بدعم الإرهاب. ومن ثم خطا الرئيس الأمريكي خطوة أخرى بإقالة ابرز المساعدين له من الشخصيات الواقعيية والعاملة من أجل سياسات أمريكية خارجية متوازنة ومتوافقة، كوزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون وحتى وزير الحرب جيمس ماتيس، وتكليف أو تعيين ما يسمون بصقور الحرب كجون بولتون من جماعة المحافظين الجدد، أو وزير الخارجية مايك بومبيو، مدير المخابرات السابق، وامثالهما.

معروفة مواقف المساعدين الجدد لترامب، من ايران، فبولتون يعلن دائما عداءه لطهران وعمله لإسقاط النظام فيها وتشديد الحصار عليها والعقوبات لخنق الشعب الايراني وتجويعه ودفعه للتمرد والمطالبة بإسقاط النظام. وخرج وزير الخارجية بومبيدو بقرارات وتوجيهات تطالب طهران بتنفيذها والاذعان لها، وهي شروط عرفت باسمه عن الإدارة الأمريكية والتي تتلخص في عداء سافر لإيران، وصولا إلى ما يطلق عليه بسياسة حافة الهاوية، وتوقع شن حرب وعدوان امريكي على طهران. ومن ثم ارسال حاملة طائرات وقاذفات وبوارج حربية للخليج والسواحل العربية القريبة من السواحل الإيرانية، وتسمين القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة بإعداد ومعدات أخرى. مع الحديث عن تصريحات لترامب تقول بأنه بانتظار اتصال من طهران للتفاوض وترك رقم هاتف عند الإدارة السويسرية التي تمثل واشنطن في طهران.

في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية تساءل الكاتب سايمون تيسدال عما إذا كانت الولايات المتحدة على شفا حرب مع إيران، وقال إن الأحقاد القديمة بين البلدين وما يتوافر لديهما من أسلحة تفاقم فرص اندلاع هذه الحرب. وقال الكاتب إنه في الوقت الذي يتحدث فيه صقور الإدارة الأميركية عن تهديدات إيرانية وشيكة دون دليل ملموس كما سبق أن حصل قبل اندلاع حرب العراق يلاحظ أن المتشددين هم الأعلى صوتا أيضا في المشهد الإيراني. ولاحظ الكاتب أن البيت الأبيض بدأ يصنع بعبعا دوليا جديدا هو إيران، وأنه دخل مرحلة اتخاذ قرار إن كان سيهاجمها أم لا.

وفي إطار توقعات الحرب، نشرت مجلة نيوزويك الأميركية مقالا للكاتب توم أوكونور تساءل فيه عما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على دحر الأسطول العسكري الإيراني، مؤكدا أن من يتابع استعراض القوة الذي تقدمه إيران سيعرف أن هذه الحرب لو اندلعت فلن تكون سهلة أبدا. وأوضح الكاتب “صحيح أن الولايات المتحدة تعد أكبر قوة عسكرية بحرية في العالم ولها صولات وجولات في المناورات البحرية، لكن سجلها في المواجهات الحربية الفعلية كان حافلا بالسقطات، ولو تمت المواجهة مع البحرية الإيرانية فستكون مميتة لا محالة”. ولفت إلى امتلاك إيران قوتين بحريتين، الأولى سلاح البحرية التقليدي والثانية أسطول النخبة التابع للحرس الثوري الإيراني، وأن تلك السفن مزودة بصواريخ يقال إنها جاهزة للتعامل مع أحدث الأسلحة الأميركية، لكن بعض المراقبين يستبعدون امتلاك طهران هذه القدرات، حسب مقاله.

ويأتي هذا الحديث أيضا في ظل ما ذكرته وسائل إعلام سعودية عن أن الرياض ودولا خليجية أخرى وافقت خلال اجتماع عسكري في البحرين على إعادة نشر قوات أميركية على اراضيها. وكان الرئيس الأمريكي قد هدد إيران، محذراً من تداعيات تهديد الولايات المتحدة. موضحاً على حسابه الخاص على تويتر،:" إذا كانت إيران تريد الحرب، فستكون نهايتها الرسمية، لا تهددوا الولايات المتحدة مرة أخرى!".

رغم كل التصعيد وتوسيع حدود التوتر والاتهامات بين الطرفين، وتوظيف الإعلام الأمريكي وحلفائه في البلدان العربية المتخادمة معه، وشحن المناخات السياسية والإعلامية بطبول الحرب، رغم ذلك تغيرت الوجهة السابقة لسياسة ترامب وادارته، اذ أعلن الرئيس الأمريكي، بعد كل ما سبق،  أن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام في إيران، بل إلى منعها من امتلاك ترسانة نووية. وقال ترامب، خلال مؤتمر صحفي عقده مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو: "لا أتطلع إلى الإضرار بإيران إطلاقا، بل إلى دفعها للقول: لا للأسلحة النووية". وعاد ترامب في تصريحاته على ما يبدو إلى نفس الاستراتيجية التي سبق وأن استعان بها تجاه كوريا الشمالية العام الماضي، قائلا: "أعتقد أننا سنبرم صفقة... أعتقد أن لدى إيران قدرات اقتصادية هائلة، وأتطلع إلى السماح لهم بالعودة إلى مرحلة سيستطيعون فيها إظهار ذلك". ووصف ترامب الإيرانيين بأنهم "شعب عظيم"، مشيرا إلى أن إيران يمكن أن تكون دولة عظمى مع نفس القيادة، وتابع: "لا نتطلع إلى تغيير النظام، وبودي أن أوضح ذلك. نتطلع إلى غياب السلاح النووي".

 أشار ترامب أثناء اجتماعه مع آبي، إلى علاقات جيدة جدا تربط رئيس الحكومة اليابانية وبلاده عموما بإيران، مرحبا بسعي طوكيو إلى الاضطلاع بدور الوسيط بين واشنطن وطهران. وقال: "رئيس الوزراء كان قد بحث معي هذه المسألة وواثق بأن إيران تريد التفاوض. وإذا أرادوا التفاوض فإننا نريد أيضا. سنتابع ما سيحدث، ولا يرغب أحد، وأنا بالدرجة الأولى، أن تحدث أمور مرعبة"!

تحولات ترامب حول إيران وسحب بوارجه وسفنه من قرب حدود إيران ليست بدون اسباب وتداعيات وعواقب فرضتها، ورغم أن الحرب خدعة، لابد من الإنتباه للتحولات، والعمل لبناء بيئة آمنة في المنطقة واحترام الأمن والسلام الإقليمي والدولي.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم