صحيفة المثقف

كالعادة !

محمد غانيكالعادة يسقط الانسان في الوهم فيظن يحسن صنعا من حيث هو يخطئ الطريق، كعادته يأكل بشراهة حتى يعطي لنفسه الطاقة اللازمة اتعينه على اعبائه اليومية مما يسبب له تعبا في معدته يعيقه عن تحسين مردوديته اثناء العمل... يلجأ للحمية دون معرفة سابقة بقواعدها فتكون سببا لمرض فقر الدم او غيره من الامراض الناتجة عن نقص التغذية.

كالعادة يمارس انشطته الرياضية بكثافة للحفاظ على صحة الشباب دون ان يدري ان النسيان بدأ يلاحقه كظله وهو أول علامات الهرم بل عموده الفقري وان حافظ على صحة الشباب، ناسيا ان القراءة الممرنة لعضلات العقل اول مكافح للشيخوخة كما يرى ميشيل سير، متجاوزة بذلك عمليات التجميل والتمارين الرياضية في مكافحتهما للهرم، ويواق سير ميشيل في ذلك قراء القرآن الذين جاء الحديث شاديا بنشاطهم قائلا"اهل القرآن لا يردون الى ارذل العمر" سابقا بذلك نظرية ميشيل سير في تعريف الشيخوخة بانها هرم النشاط العقلي قبل ان تكون القضية شيخوخة جسد.

كالعادة يصدق الانسان سيادته على سائر مخلوقات الارض في حين انه اجهل واحد بحقيقته هو نفسه، فبالاحرى ان يدعي تمكينا في الارض وهو اضعف مخلوقاتها، كعادته يعقد المشكل اكثر ظانا منه انه قيد ايجاد الحل المناسب، يلجأ لنجدة من سيكون سببا في انتكاسته، يُعرض وجها عن من يحبه من اعماقه، لان الاخير لا يحسن النفاق كما يحسنه الاغلبية اليوم.

كالعادة ينسى من مد له يوما يد مساعدة، يبنى علاقات جديدة لينجو بما تبقى له من رصيد اجتماعي، فيسقط من حيث لا يدري في وحدة قاتلة في حين كان يظن ثراء علاقاته الاجتماعية، مكتشفا ان الاطماع الانسانية هي سبب كثرة علاقاته في السابق لما كان يملكه من ثروة، وهي نفسها سبب شح علاقاته اليوم لما اصبح عليه حاله من فقدان مال.

لا غرو انه ينسى أصله الحدائقي رغم انه لا يرتاح الا وسط الطبيعة فيلجأ الى التقنية والحضارة ليتبجح في الاخير ويتباهى بانه لا يأكل الا ما هو "بيو" في حين كان يتباهى من قبل بانه يقتات مما هو مصنع ولا يفقد نضجه سريعا بفضل المواد الحافظة التي فَقُه الناس مؤخرا بشدة ضررها على حياتهم.

ما أحوج الانسان الى البوصلة الروحية التي لا تتأتى الا بالعروج الفكري والروحي عن الظواهر لاكتشاف "كرويتها" كما اكتشف جاليلي كروية الارض عوض اعتقاد أفقيتها الى ما لانهاية، بفضل عروجه الفكري بفضل عدسات منظاره الفلكي.

 

د. محمد غاني، كاتب- المغرب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم