صحيفة المثقف

قراءة لنص: سراب العمر للشاعر د. عباس حسن الغالبي

رحيم زاير الغانمسراب العمر / عباس حسن الغالبي

تتوالى سني العمر مارقةّ كالسراب

وليس لي سوى عدّها وتعدادها

ربما التوقيت تجاوز خمرة الغروب

تجاوز وشوشات القلب

تجاوز الدمع الحصين

وتمضي السنون راجلةّ عن صهوة الفرح

والحزن يراوح ظله ويأبى الرحيل

تدعوني الاقدار الى مدني المندثرة

لأعتكف عند اطلالها

وأبكيها حد الوجع

حد جفاف الدمع

وهي صماء .. صماء

لم تنبس ببنت شفة

يستبصر المدى نوارسه

ويسكن فكرة مرتعشة

عند اطراف الكلام

أمخر عبابَ الليل حلماّ سرمدياّ

وأتوه في الطرقات باحثاّ عنك

فيخال لي وجهك قمراّ محاقاّ

وارتقي لنصفه علًنا نصنع منه بدراّ

هل نلتقي عند سدرة الافلاك

وتداعبني انفاسك ومضة هفهافة بارقة

آه .. آه

كم أعياني البحث عنك بين النجوم وفي مدارات الكواكب

وعدتُ فارغَ الحنين بخيبة القمر ساعة خسوفه

تتوالى السنون ..

ويهجع الكون ..

وتتبدل المواسم ..

ويسقط الندى على سواحل انتظاراتي

وأنا أرقب عودة فجر نزقك

في تباشير الصباح

وانا .... انا المتكأ على جرحي

لي روح تنبض بالقمر معك

ولي عين تشهق باللوعة معك

وتتضوع من بين أضلعي أحجيات الفراق

تنبأني حكايا مضت وأخرى لم تزل طرية

لتنبت على شفتي كجمرات الوداع

***

الشعر فعل ابداعي جمالي، فيض داخلي مُمثلا بوجدان نفس شاعرة، مقرونا بانهيارات النفس، بمحركات الواقع لفقد الحبيب المكمل لقطبية الحياة، يضحى الوجود كنفثات شرر تطلقها مصابيح كهوف الروح الولهة، عندما يُداعب وجعها فراشةُ صبر نزقة، والعمر آه منه ومن سنيه عندما  (تتوالى سني العمر مارقةّ كالسراب / وليس لي سوى عدّها وتعدادها(، بعمر أكثره تحصيل عدٍّ بلا جدوى، بلا مماحكة لإثارة شرارة فعل الطرف الاخر، لتمخر الروح في عتمة الفوضى، في تجاوز لوشوشات القلب والدمع معا، في تيه مطبق، الا السنون والحزن ماكثان كحجر صلد يأبى التفتت او الحراك عما جثم على صدره، (وتمضي السنون راجلةّ عن صهوة الفرح

والحزن يراوح ظله ويأبى الرحيل(،  وتتوالى حكاية الرتابة والانضواء خلف طاقيات الزمن الهلامي، الذي اوضح ما فيه جزعنا وحزننا، فهو يجدد الدعوة الى اندثار مدننا بدرس معمارها الفطري الذي نشأت ارواحنا على تمتمت نسجه الاول علها تردع الهرم المباغت في وسط العمر القادم، وما ندري قد لا تفلح فيه، لكنها (صماء .. صماء لم تنبس ببنت شفة)...

ولا شيء يفوق وقع الفقد غير شرح مستفيض لحال انسان شاعر، (يستبصر المدى نوارسه/ ويسكن فكرة مرتعشة /عند اطراف الكلام /أمخر عبابَ الليل حلماّ سرمدياّ / وأتوه في الطرقات باحثاّ عنك / فيخال لي وجهك قمراّ محاقاّ/ وارتقي لنصفه علًنا نصنع منه بدرا)،  حال لا ينصرف اكثر من كونه يمخر عباب الليل كحلم سرمدي، فلا صحوة تبشر بالتلاقي، وخيالات وجه محبوبته وهو قمر محاق، أمنيات تبددها امنيات اللقاء عند (سدرة الافلاك، أو مات لاه من اعتراف بيِّن بحقيقة الفقد لعياء البحث غير المجدي،)،

(كم أعياني البحث عنك بين النجوم وفي مدارات الكواكب/

وعدتُ فارغَ الحنين بخيبة القمر ساعة خسوفه (لكنها الروح المشتاقة التوَّاقة الولهة لا تنفك عن مواصلة البحث كما لا تنفك عن مواصلة الحب.

ومع توالي الانكسارات سنينا اهجع كما الكون لكني متكئ على جرحي، (تتوالى السنون ../ ويهجع الكون ../ وتتبدل المواسم ../ ويسقط الندى على سواحل انتظاراتي / وأنا أرقب عودة فجر نزقك / في تباشير الصباح / وانا .... انا المتكأ على جرحي).

لكني الشاعر في نهاية الحلم/ الرؤية والفكرة المحققة لذاته وجوده كينونته لا يقف عند حد تبدُّل المواسم فله موسمه الذي ينتج وينجب عبر قطبية ملهمة مهما علاها الحلم او الخيال، كونها بذرة الحقيقة التي اثمرت اغصانا وتفجرت لأمانيها الانهار، رحيق لا اندثار لعبقة،  (لي روح تنبض بالقمر معك / ولي عين تشهق باللوعة معك / وتتضوع من بين أضلعي أحجيات الفراق/ تنبأني حكايا مضت وأخرى لم تزل طرية /  لتنبت على شفتي كجمرات الوداع).

لكن الشاعر في نهاية الحلم/ الرؤية والفكرة المحققة لذاته وجوده كينونته لا يقف عند حد تبدُّل المواسم فله موسمه الذي ينتج وينجب عبر قطبية ملهمة مهما علاها الحلم او الخيال، كونها بذرة الحقيقة التي اثمرت اغصانا وتفجرت لأمانيها الانهار، رحيق لا اندثار لعبقة، (لي روح تنبض بالقمر معك / ولي عين تشهق باللوعة معك / وتتضوع من بين أضلعي أحجيات الفراق/ تنبأني حكايا مضت وأخرى لم تزل طرية /  لتنبت على شفتي كجمرات الوداع).

 

رحيم زاير الغانم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم