صحيفة المثقف

هجرة الأفكار

علجية عيشفكرة صغيرة قادرة على أن تغير التاريخ وتؤسس حضارات

هجرة الأفكار لا تعني هجرة العقول إلى الخارج، ولو أنها واحدة من أهم المشكلات الخطيرة التي تواجه المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي في كل أقطاره، وإنما هي الاستثمار في الأفكار وتبنيها لخدمة الصالح العام، وقد تحدث الكثير من الباحثين عن هجرة الأفكار، ومنهم "جلبرت هايت" في كتابه تحت عنوان: هجرة الأفكار، وضع فيه فلسفة التاريخ، قدم أمثلة عن تطور الأفكار في جانبها الإيجابي وكيف استثمرت الشعوب في أفكار شعوب أخرى، ويكفي أن تكون فكرة صغيرة قادرة على أن تغير التاريخ وتؤسس حضارات، لقد تحدث جلبرت هايت عن التاريخ بإسهاب شديد، وقال أن التاريخ من الدراسات ألأكثر تعقيدا باعتباره الحقل الذي يحفز أحداث الماضي، والجزء الأكبر من التاريخ لا يدور حول الأشخاص والأفراد أو رجال عظماء، أو سجل للمعارك والحروب، وكيف انتزعت إحدى الطبقات الثروة والمجد من طبقة أخرى، وإنما يدور حول جماعات: وطنية، دينية، أو جماعات أخرى (الماسون).. والأفكار تنتقل من جماعة إلى أخرى.

رغم أن الإسلام تابع سيره مخترقا الحدود الطبيعية والجغرافية حتى وصل شرقا إلى إيران والهند والصين وغربا إلى إسبانيا، وشمالا إلى جزر البحر الأبيض المتوسط وبلاد الأناضول وأرض روسيا، وجنوبا إلى قل أفريقيا وسواحلها الشرقية والغربية، غير أن العالمين العربي والإسلامي لم يعيشا عيشة الجسد الواحد، ولم يعملوا بدستور الإسلام، وهذا ما تؤكده العديد من الكتابات، فلم يعرف التاريخ مجتمعا نشأ سليما، أبيا مثل المجتمع العربي، ذلك أن المجتمع العربي اقبل في حماسة لكل ما يجلب له الخير والنفع، لقد كان العرب منذ أن ظهروا على مسرح الأحداث العالمية أصحاب رسالة سامية يدعون فيها إلى المحبة والإخاء، غير أنهم لم يستثمروا في أفكار غيرهم وحتى أفكارهم، وتخبط البعض منهم من أصحاب النفوس المريضة في فهم هذه الرسالة السامية، حيث اتخذ عداء هذه الفئة طابعا خاصا في التاريخ، ومن هنا بدأت الحضارة العربية تعرف نوعا من التراجع،الصراعات والخلافات بين المسلمين تحت ستار تيارات مختلفة فظهر الانشقاق في الأمة العربية والإسلامية التي كانت خير أمة أخرجت للناس، فعرفت بالشلل والجمود.

وها هو إمبراطور اليابان عام 1868 وهو يؤدي مرسوم القسم أمام الشعب، حيث قال: "سنبحث عن المعرفة في جميع أنحاء العالم" ومن هنا بدأت سياسة اليابانيين تنحصر في تعلم كل ما يمكن تعلمه من الشعوب الأخرى، وطبقوا هذا الشعار في حياتهم اليومية، فاقتبسوا من الصين ذات الحضارة العظيمة، دون أن يصبحوا أسرى لها، فكانوا قوما أقوياء الإرادة، وقد سارت تركيا على نهج اليابانيين وكذلك الرومان الذين حولوا منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط من أحراش وصحاري إلى بلاد كلها حدائق وكروم وحقول يانعة، ولولا الإغريق لما كانت للرومان حضارة، إن الفكرة الواحدة يمكن أن تولد في عقل فرد واحد، ثمّ تنتشر بعد ذلك لتشمل الجماعة كلها، وقد تناول الفيلسوف مالك بن نبي رحمه الله مشكلة الأفكار، إذ يقول وهو يتحدث عن جهل المسلمين بهذه الاعتبارات : "إنّ المجتمع الإسلامي يُعاني من السخط الإلهي الصادر من النماذج الكُلِّية في محيطه الثقافي بالذات، كما يعاني من الانتقام الشديد على يد الأفكار التي استعارها من أوروبا دون نظر في الشروط التي من شأنها أن تُحافظ لها على قيمتها الاجتماعية، وينجم عن ذلك فقدان الحيوية في الأفكار الموروثة وفي الأفكار المُكْتَسَبَةِ، وهو الأمر الذي يُخِلُّ إخلالاً خطيرا بالتطور المعنوي والمادي في العالم الإسلامي، ودون تعميم طبعا، إن الاحتكار الفكري في مجتمعنا العربي وبالخصوص المجتمع الجزائري وراء الكساد الذي تعيشه "النخبة" في الجزائر،  فهل حان الوقت بأن تستفد الأمة العربية من التغيرات التي حدثت في اليابان وتركيا وماليزيا، وكيف تصنع تاريخها العربي والإسلامي بواسطة حركة الأفكار؟ تلك هي المشكلة؟

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم