صحيفة المثقف

عن النازحين واللاجئين في الوطن العربي

كاظم الموسويمر يوم اللاجئين في العشرين من الشهر الجاري من كل عام كاي يوم اخر، حتى بالنسبة للاجئين والنازحين والمهاجرين ومن عاش حياتهم، في وطننا وفي العالم ايضا. الأمم المتحدة التي خصصت هذا اليوم سنويا للاحتفال أو للتذكير بمحنة النزوح واللجوء والهجرة القسرية، اينما كانت وعند من ابتلوا بها كعادتها أصدرت تقريرا نشر بمختلف اللغات والوكالات. ولكن المحنة هي المحنة لم تبحث أي مؤسسة في إيجاد حل لها، وايقاف اسبابها وتداعياتها، أو في التخفيف من المعاناة والخروج بما ينهي الكارثة. ورغم ضغوط الاعداد والارقام وتحدياتها الإنسانية والأخلاقية التي تدفع إلى عقد مؤتمرات واجتماعات تبحث في الشؤون العامة لمحنة اللجوء والنزوح والهجرة فإنها تنتهي في الأغلب الى لجان وتوصيات دون تنفيذ وآليات. وتتسابق معها اللوبيات والمجمعات العسكرية والنفطية في تاجيج الحروب والغزو والاحتلال والصراعات الأهلية وسياسات أخرى لتكون مادة قابلة للهجرة والنزوح واللجوء.

في تقريرها الاخير (وكالات 2019/6/19) اعلنت الأمم المتحدة، إن عدد اللاجئين والنازحين المسجلين في العام 2018 وصل أكثر من 70 مليونا، وهو يعتبر رقما قياسيا، مع التأكيد على أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك. ووصفت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تقرير سنوي حول اللاجئين عدد 70.8 مليون بأنه "متحفظ"، وخصوصا لأن الأشخاص الذين اضطروا إلى الهجرة من فنزويلا لم يتم إحصاؤهم بالكامل.

وللمقارنة، في نهاية العام 2017، بلغ عدد الذين أجبروا على النزوح من ديارهم بسبب الحروب أو العنف أو الاضطهاد 68.5 مليون شخص. ونسبت المفوضية تزايد العدد لاستمرار النزوح في إثيوبيا بسبب النزاعات العرقية، وفي فنزويلا بسبب الحصار الاقتصادي الذي تسبب في نقص المواد الغذائية والدواء. (طبعا تعرف الأسباب دون ذكرها أو تشخيصها فتهرب الى النتائج، ولسان حالها يقول: العين بصيرة واليد قصيرة، واحيانا اكثر..) وتقدر الامم المتحدة عدد الأشخاص الذين فروا من فنزويلا منذ مطلع 2016 بنحو 3.3 مليون شخص.

ازداد عدد النازحين في العالم بمقدار الضعف في السنوات العشرين الماضية، والاختلاف في/ أو التعريف لمن هو نازح أو لاجيء موزع بين الآراء او تحديد القانون الدولي ولا يعتمد في أغلب الأحيان، ولاسيما في الاعلام لأسباب أو غايات أو اهداف. وبحسب تعريف منظمة العفو الدولية فإن اللاجئ هو الشخص الذي يهجر بلده الأم، ولا يستطيع العودة إليه أو لا يعود بسبب النزاع أو خشية تعرضه للاضطهاد. بينما يعرف النازح من نزح من دياره الى اماكن داخل حدود بلده، وهو ما يثير الالتباس أو خلط الأوراق.

ذكر التقرير ان 41.3 مليون شخص نزحوا داخل بلدانهم و25.9 مليون لاجئ و3.5 مليون طالب لجوء، ينتظرون البت في طلب حصولهم رسميا على وضع لاجئ بحاجة للحماية. والدولتان اللتان لديهما أكبر عدد من النازحين، هما سورية منذ 2011، وكولومبيا التي تعصف بها أعمال عنف منذ عقود، وفق مفوضية اللاجئين. ولم يوضح التقرير وغيره محنة الاعداد الكبيرة من النازحين في البلدان العربية الاخرى، ولاسيما العراق واليمن والصومال وليبيا، والتأكيد عليهم ومعالجة أوضاعهم.

تشمل مجموعة اللاجئين، بحسب التقرير، 5.5 مليون فلسطيني يقيمون في عدد من الدول وخصوصا لبنان والأردن. وحسب ما قال المفوض السامي، الحل الأفضل للاجئ هو العودة إلى دياره عندما يهدأ الوضع في بلده، علما بأن 20 بالمئة منهم يقيمون في المنفى منذ أكثر من عقدين. واضاف "نكاد نصبح غير قادرين على صنع السلام". وأشار "صحيح أن هناك نزاعات جديدة وأوضاعا جديدة تنتج لاجئين، لكن النزاعات القديمة لم يتم حلها" وتابع "متى كان النزاع الأخير الذي تذكرون أنه تمت تسويته؟!".

في تساؤل المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الاخير صرخة غضب فردي معبرة عن عجز المنظمة الدولية وعن مشاركة قواها الفاعلة أو المؤثرة فيها في صناعة ما يشكو منه المسؤول الاممي. وتلك هي المحنة التي تعيشها الملايين من البشر منذ بدء الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المعمورة وإلى يومنا هذا والاجابة معروفة، ولكن غير مسموح بذكرها أو مغلف عليها لحد الان. وبالتأكيد لم يجرؤ رسميا على انتقاد خطط تصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها.

على صعيد الوطن العربي طرحت قضية  اللجوء والنزوح في أكثر من قمة واجتماع وصدرت قرارات وتوصيات وخصصت أموال وافكار للمعالجة ولكن الأغلب فيها ظل مركونا على رفوف مكاتب الداعين لها أو مقر جامعة الحكومات العربية، من جانب أو نوقشت في ما يخص بلد أو اخر لأسباب لا تتعلق بالمحنة ومعالجتها بالقدر الذي خرجت به البيانات والاجتماعات، وربما الضغوط الخارجية والتوجيهات التي لا تصب في حل القضية ابدا. هذا فضلا عن الاستفراد بالعمل والتهرب من المشاركة الجماعية والحلول الجذرية. ومعروف وللاسف الشديد أن بعض الحكومات تسهم في صناعة المحنة في بلدان اخرى، فضلا عن مشاركتها في إبطاء اي معالجة أو حل سياسي أو قانوني وحتى إنساني عام. وهناك دراسات استراتيجية لهذه القضية، ولاسيما ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين وما يحاك لهم ومستقبلهم من خطط وبرامج ومؤتمرات وورش، كما أن هناك بيانات قمة، كبيان نواكشوط، مثلا وغيره، لم يجر التعامل معها جديا وتحويلها إلى خطط عملية واليات تنفيذها بما يخدم القضية والتضامن العربي والإنساني.

محنة اللاجئين والنازحين في الوطن العربي كبيرة ومعقدة وتضحيات البشر فيها غير قليلة ويلعب التواطؤ الرسمي والفساد والتخادم مع المشاريع والمخططات الأجنبية المعادية دورا في استمراريتها، والأمثلة كثيرة، في أكثر من بلد عربي.

وللتذكير ايضا أو للاعتبار الانصات لما قاله المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي: "ما نراه في هذه الأرقام، هو تأكيد إضافي على الاتجاه المتزايد وعلى المدى الطويل من حيث عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى الأمان جراء الحروب والصراعات والاضطهاد". وأضاف غراندي: "مع كل وضع للجوء، أينما كان ومهما طال أمده، يجب أن يكون هناك تركيز دائم على الحلول وإزالة العقبات التي تحول دون تمكن الأشخاص من العودة إلى ديارهم، ويعتبر ذلك عملاً معقداً تشارك فيه المفوضية على نحو مستمر ولكنه يتطلب أيضاً من جميع البلدان أن تتضافر من أجل الصالح العام.. إن ذلك من أحد التحديات الكبرى في عصرنا الحالي".

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم